قبل الحرب في العراق وفي عام 2003، شنت وسائل الإعلام البريطانية هجوماً شرساً على حكومة توني بلير، متهمة اياها بتضخيم التقرير الذي قدمته الاستخبارات البريطانية والمتعلق باسلحة الدمار الشامل العراقية، لتبرير قرار الذهاب الى الحرب. بعد الحرب بأشهر، أتهم احد صحافيي"بي بي سي"الحكومة البريطانية بالكذب وافتعال الحقائق في تقرير اسلحة الدمار الشامل، ثم تسرب اسم أحد خبراء الحكومة البريطانية الذي كان يعمل على تقرير الاستخبارات. الخبير وجد بعد ذلك بأسابيع منتحراً في احدى الحدائق قرب بيته، لتبدأ بعدها واحدة من اصعب الفترات على الحكومة البريطانية التي اضطرت الى فتح تحقيق علني في القضية. هجوم وسائل الاعلام الذي طاول في البداية الحكومة، تركز بعد ذلك على شخص واحد فقط هو آليستر كامبيل المستشار الإعلامي للحكومة البريطانية ورئيس الوزراء توني بلير. واضطر كامبيل بعد نهاية التحقيق وتبرئة الحكومة البريطانية الى الاستقالة لينسحب من الحياة السياسية والإعلامية البريطانية العلنية لفترة اربع سنوات تقريباً. اليوم عاد الى الواجهة بسيرك اعلامي يشبه تقريباً السيرك الاعلامي الذي رافق انسحابه. بدأت الحكاية بإصداره كتاباً يتضمن يومياته للسنين التي عمل فيها مع توني بلير والحكومة البريطانية. ثم تلىَ الكتاب ثلاث حلقات تلفزيونية، عرضتها قناة"بي بي سي"الثانية أخيراً. في هذه الحلقات يعلق كامبيل بصوته على الأحداث، ويظهر احياناً في لقطات أخرى. تبدأ الحلقات مع بدايات تعرفه الى توني بلير عندما كان مشغولاً في حملته الانتخابية الاولى لرئاسة الوزراء عام 1996 وتنتهي مع استقالة بلير في خريف عام 2003. الحلقات تبين كيف تحول كامبيل من مستشار صحافي عادي الى أحد اكثر الشخصيات تأثيراً في الحكومة البريطانية، فهو الذي كتب اكثر خطب توني بلير شهرة والتي ألقاها في مناسبات مهمة. كذلك هو الذي تعامل مع قضية موت الأميرة ديانا والغضب الشعبي الذي اعقبها ضد العائلة المالكة البريطانية، بسبب تأخر الملكة في اعلان حزنها على الأميرة. وكامبيل كان قريباً جداً من توني بلير حتى وصف بأنه"الشخص الآخر الذي كان في الغرفة"مع بلير ولم تذكره الأخبار! الحلقات المذكورة لا تعرض مواد تلفزيونية جديدة، بل تكتفي بالمواد الاخبارية الارشيفية التي عرضتها نشرات الأخبار والبرامج التلفزيونية وقتها. أما ما يميزها فتعليقات كامبيل التي تشبه تعليقات المخرجين الصوتية المصاحبة لبعض الأفلام في اسطوانات"دي في دي". كامبيل يشرح كيف كان الوضع في الغرفة، قبل، اثناء وبعد، حضور الإعلام الذي سجل اللحظات الاخبارية التي عرضت وقتها. مثلاً في اجتماع توني بلير الاول مع الرئيس الاميركي السابق بيل كليتون ينقل كامبيل الى المشاهدين ارتباك بلير الشديد من اللقاء. ويسجل كامبيل عشرات القصص الصغيرة عن فترة حكم بلير ووزرائه. خلف الكواليس ويحتوي البرنامج الكثير من المواقف الكوميدية للحياة التي لم نرها في"داوننغ ستريت": في احد اجتماعات بلير مع وزرائه تبدأ وزيرة مناهضة للحرب في العراق بمهاجمة سياسية بلير. يفشل الجميع في ايقاف الوزيرة. كامبيل يهمس لبلير ويخبره عن قصة الوزير العراقي الذي قتله صدام حسين في احد الاجتماعات لمجرد انه اعترض بأدب على احد قراراته، ثم يسأل كامبيل بلير بعدها:"هل تريد ان أشتري لك مسدساً؟"، فيجيب توني بلير متنهداً"نعم ارجوك!". على رغم مقدار الإثارة في اليوميات والبرنامج، فإن تصريحات كامبيل أتت بمردود سلبي. فالمستشار السابق اعترف بأنه لم ينشر كل شيء في المذكرات، لأنه لم يرغب في جرح زوجة توني بلير او الحكومة البريطانية الجديدة برئاسة غوردن براون، كذلك منعت الاجهزة الامنية البريطانية نشر بعض التفاصيل الخاصة بعمله. كل ذلك جعل متعة البرنامج ناقصة. فلا شيء اكثر ازعاجاً من الحقائق غير الكاملة!