غادر الموفد الفرنسي جان كلود كوسران بيروت بعد ظهر أمس إلى باريس، بعد لقائه رئيس المجلس النيابي نبيه بري، مع شحنة من الأمل بأن يسعى الأخير إلى المساهمة في إنجاح زيارة وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير بيروت بعد غد. وسيسعى كوشنير خلالها إلى تطوير حوار سان كلو بين الفرقاء اللبنانيين من الصف الثاني، إلى حوار على مستوى قيادات الصف الأول لمحاولة التوصل إلى توافق على موضوعي قيام حكومة وحدة وطنية وضمان إجراء انتخابات الرئاسة في موعدها، في إطار سلة اتفاق تشمل رئيساً توافقياً وعدداً من العناوين. وفيما كان"حزب الله"أبدى تحفظاً على أفكار طرحها كوسران في شأن السلة، مصراً على أولوية حكومة الوحدة الوطنية، واصل الحزب أمس اتهامه الإدارة الأميركية بأنها"حجر عثرة أمام التوافق اللبناني، وبالتحريض على"مزيد من الاستئثار وتشجيع مخالفة الدستور"، معتبراً أن الأزمة نشأت من الهيمنة الأميركية على فريق سياسي في لبنان رفض المشاركة كضرورة من ضرورات العيش المشترك. وتزامن هذا الموقف للحزب بعد اجتماع نائب أمينه العام الشيخ نعيم قاسم إلى المبعوث السويسري الخاص المكلف السعي إلى حوار بين اللبنانيين، مع رد عنيف من رئيس الحكومة فؤاد السنيورة على تصريحات الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله الذي اتهم الأول بأنه سعى إلى عدم إرسال الجيش إلى الجنوب، ولعدم وقف الحرب الإسرائيلية على لبنان الصيف الماضي. فاتهم السنيورة نصر الله بمحاولة ابتداع وقائع مختلقة تعتدي على ذكاء الآخرين، ليس آخرها الادعاء المثير للاستغراب الشديد بأن فكرة إرسال الجيش إلى الجنوب كانت من بنات أفكاره". راجع ص 6 و7 وجاء في رد المكتب الإعلامي للسنيورة الطويل على ما ورد في مقابلة السيد نصر الله التي بثتها قناة"الجزيرة"في حلقتين الاثنين والثلثاء ان حديثه احتوى"كثيراً من المغالطات"، وأن السيد نصر الله"بدل ان يركز على ما يجمع بين اللبنانيين بعد الخسائر التي تكبدوها نتيجة العدوان، انصرف إلى التركيز على ان الحزب انتصر، وأنه قائد هذا الانتصار، ونحن لا نريد مناقشة هذا الموضوع مع التأكيد ان وحدتنا وصمودنا وتضحياتنا وعمل الحكومة مكننا من منع إسرائيل من الانتصار". وأشار إلى اتهام نصر الله الآخرين"بالتآمر والخيانة وأضاف معطيات جديدة لم نكن نعرفها عنه وهي محاولة تغيير المعالم السياسية لمرحلة العدوان وابتداع مواقف ووقائع لم تكن موجودة". وجاء في بيان المكتب الإعلامي ان"المشكلة مع الأمين العام للحزب وبعض أقطاب المعارضة أنهم غير مستعدين لإعادة النظر والمراجعة حتى لو كان ما يقولونه اليوم هو عكس ما قالوه بالأمس". واستغرب المكتب الإعلامي للسنيورة قول نصر الله انه كان وراء فكرة إرسال الجيش الى الجنوب، معتبراً انه نصر الله"دأب على الترويج لسنوات ان إدخال الجيش غير ملائم وأن المقصود بإدخاله رأس المقاومة"، وأنه قال في نهاية حرب تموز انه لم يكن يريد إدخال الجيش الجنوب حرصاً عليه لأنه ضعيف". وأكد رد السنيورة أن الأخير صاحب فكرة إرسال الجيش من اجل تأمين الناس وحماية حدود لبنان الدولية في النقاط السبع وعندما نوقش الأمر في مجلس الوزراء اثناء الحرب وافق عليه الوزراء بمن فيهم ممثلو حركة"امل"، أما وزير"حزب الله"فكان متردداً لآخر لحظة لكنه وافق بعد ذلك"، وإذ تضمن رد السنيورة نص قرار مجلس الوزراء في هذا الصدد بتاريخ 16-8-2006، أضاف:"ربما جاء كلامه تعويضاً عن وضعه الخطوط الحمر أمام الجيش لردع الاعتداءات على الجيش من الإرهابيين". ورد على اتهام نصر الله الحكومة بأنها أرادت استقدام قوات متعددة الجنسية، معتبراً انه"ليس فيه أي اثر من الحقيقة بل ان احداً ما خطرت على باله تلك الفكرة"مذكراً بكلمة وجهها السنيورة إلى اللبنانيين قال فيها انه يريد بقاء الأممالمتحدة موسعة ومعززة"، فالحكومة هي التي وقفت ضد أي فكرة لنشر قوات متعددة الجنسية". ووصف اتهام نصر الله السنيورة بأنه لم يكن يريد وقفاً للنار إلا بعد الحل الشامل بأنه"ادعاء لا علاقة له بالحقيقة فمنذ اليوم الأول كان رئيس الحكومة يصر على وقف شامل وفوري للنار يتفق بعده على نقاط مشروع الحكومة أي النقاط السبع وأنه قال ذلك علناً مرات بينها بيانه يوم مذبحة قانا الذي أعلن فيه قطع التفاوض على أي شيء قبل وقف جحيم النار الإسرائيلية". وفي شأن قول نصر الله ان الحزب لم يوافق على النقاط السبع، أكد المكتب الإعلامي ان رئيس الحكومة حصل على تفويض مجلس الوزراء بالتفاوض لوقف العدوان من 5 بنود وأنه توافق على ما جاء في الخطاب الذي تضمن النقاط السبع في روما جملة وتفصيلاً مع الرئيس بري الذي كان يفاوض باسم"حزب الله". ورأى مكتب السنيورة ان رفض نصر الله نقطتي لا سلاح إلا سلاح الدولة والعودة إلى اتفاقية الهدنة مؤشر إلى رفضه بعض مضامين اتفاق الطائف. وتناول رد السنيورة نقاطاً في حديث نصر الله تتعلق بالمنطقة العازلة في الجنوب، وحول إبلاغه بعدم عودة المهجرين بعد نهاية الحرب إلا بعد وقف النار، متهماً الأمين العام ل"حزب الله"بافتعال أسطورة جديدة قديمة وبإثارة الفتنة، مؤكداً إصرار الحكومة على العودة الفورية للمواطنين إلى بلداتهم. كما اتهمه ب"البحث عن إمكان توظيف نتائج الحرب في الداخل وفي الصراع الإقليمي"وبأنه"يلجأ لتكرار الأساطير والدعاوى والمزاعم". وبالعودة الى محادثات كوسران في بيروت، قالت مصادر الأكثرية ان قادتها وافقوا على استئناف الحوار على مستوى الصف الأول. وعلمت"الحياة"ان موفدي"حزب الله"كررا اول من امس تأكيد أولوية قيام حكومة الوحدة الوطنية وعدم ربطها بالتوافق على رئاسة الجمهورية. واعتبر الوزير محمد فنيش ومسؤول العلاقات الدولية نواف الموسوي ان قيام حكومة الوحدة هو الإطار الذي من خلاله يمكن التوصل الى توافق على القضايا الأخرى، وعلى رئاسة الجمهورية، لأن هذه الحكومة تنشئ مناخاً مقبولاً للبحث عن التوافقات اللاحقة. وذكرت مصادر اطلعت على نتائج محادثات كوسران مع فنيش والموسوي ان الأخيرين"لم يكونا منفتحين كثيراً في نقاشهما الأفكار والأسئلة التي طرحها كوسران وتتناول العودة الى طاولة الحوار على مستوى الصف الأول. ونفت مصادر مطلعة على الموقف الفرنسي ان يكون كوسران اقترح اجتماعاً لقادة الصف الأول ال14 الذين شكلوا طاولة الحوار برعاية الوزير كوشنير في مقر السفير الفرنسي في قصر الصنوبر. وفي اللقاء مع الرئيس بري امس، عرض كوسران تقويمه لنتائج سان كلو وحصيلة جولته العربية والاتصالات الخارجية التي أجراها، وأكد حرص باريس على إنجاح زيارة كوشنير السبت، وعلى إيجاد آلية لتطوير لقاء سان كلو. وقالت مصادر متطابقة ل"الحياة"ان بري ابدى ايجابية حيال مساعي إنجاح زيارة كوشنير لتحقيق هذه الأهداف، وأنه يبحث عن صيغة تساعد في تطوير ايجابيات سان كلو التي ادت الى كسر الجليد، على رغم انه لاحظ ان زيارة الوزير الفرنسي تتم في ظل تصاعد السجال بفعل الانتخابات الفرعية في المتن الشمالي وبيروت. وذكرت مصادر مطلعة ان كوسران لم يطرح على بري تفاصيل، لكنها اشارت الى نقاش حول المبادئ والضمانات المتبادلة لأن العقدة ما زالت قائمة في توقيت إخراج أي توافق وفي شكل يضمن تأليف حكومة الوحدة الوطنية كخطوة أولى، حتى لو جرى البحث في موضوعي الحكومة وضمان إجراء انتخابات الرئاسة في شكل متزامن. فالتوافق على السلة لا يكفي من دون آلية التنفيذ توقيتاً وتسلسلاً. وفي نيويورك، اعتبر السفير الأميركي لدى الأممالمتحدة زلماي خليل زاد أن امتلاك"حزب الله"صواريخ جديدة أعلن عنها الأمين العام للحزب، تشكل"انتهاكاً واضحاً لقرارات مجلس الأمن"، وقال إن"الحصول على هذه الصواريخ يشكل انتهاكاً للقرارات الدولية التي تطالب بنزع سلاح الميليشيات وليس بشحن الاسلحة غير الشرعية الى لبنان من دون موافقة الحكومة اللبنانية". وجاءت تصريحات السفير الأميركي إلى الصحافة أمس في إطار رده على أسئلة تخص مشروع البيان الرئاسي الذي توافقت عليه الولاياتالمتحدة وفرنسا وبريطانيا وقدمته الدول الثلاث أمس الى باقي أعضاء مجلس الأمن، على أمل اعتماده قريباً. وتضمن مشروع البيان الذي بدأ خبراء الدول ال15 بحثه أمس، التعبير عن"القلق العميق ازاء استمرار التقارير عن خروقات حظر السلاح عبر الحدود اللبنانية - السورية". وجاء فيه أن المجلس يعبر أيضاً عن"القلق العميق ازاء تقارير لم تنف بأن عناصر يشتبه بانها تابعة لحزب الله يُزعم انها بدأت في تشييد منشآت جديدة في سهل البقاع". كما يأخذ مشروع البيان علماً بمعلومات من الحكومة اللبنانية حول نشاطات عناصر ومجموعات مسلحة، ويذكر بالذات"الجبهة الشعبية - القيادة العامة"و"فتح الانتفاضة"اللتين تتخذان من دمشق مقراً لهما، ويطالب مجدداً بنزع سلاح كل الميليشيات والمجموعات المسلحة في لبنان. ويشدد أعضاء المجلس في المشروع على مسؤولية سورية وإيران في تطبيق وتنفيذ حظر السلاح الى هذه المجموعات بأمر من مجلس الأمن في القرار 1701.