على الأرجح لم يبقَ بيت فيه أطفال إلا حولوا جدرانه الى ما يشبه لوحات سوريالية، جرت فيها الخطوط كيفما اتفق بألوان مختلفة. والفضل في هذه"اللعنة"التي أحلّت التخريب في المنازل و"النعمة"على عاملي الدهان والطلاء، يعود الى المغنية اللبنانية نانسي عجرم والمخرج اللبناني سعيد الماروق، اللذين اتحفا المشاهدين ب"فيديو كليب"مخصص للأطفال عنوانه"شخبط شخابيط". لا شك في أن الفكرة جميلة غناءً واخراجاً، وأظهرت المغنية الشابة في شخصية تليق بها ربما أكثر مما يليق بها غناؤها الحب والاغراء، إلا أن نتائجها مع الأطفال جاءت عكسية تماماً. فعادة"الشخبطة"تلازم الأطفال منذ يكتشفون القلم، تلك"الآلة السحرية"التي تظهّر لهم انتاجهم فوراً بألوان مختلفة هي أصلاً تلفتهم وتستهويهم، إضافة الى أن القلم من الأدوات التي يسمح الأهل لأطفالهم باستخدامها، تجنباً لاستخدامهم أداة حادة أو لتكسير المقتنيات الصغيرة والغالية. الهدف من الفيديو كليب، بحسب كلمات الأغنية هي أن تنهى الأطفال عن"أسوأ عادة"، إلا أن مطلع الأغنية وهو"شخبط شخابيط/ لخبط لخابيط/ مسك الألوان/ ورسم عالحيط"رسخت على ألسنة الأطفال وطغت على مخيلاتهم ولم يعد في امكانهم حفظ النصيحة التي تليها، وهي تقول:"أعمل إيه وياك يا حمادة/ اللي عملته ده أسوأ عادة/ عايز ارسم لكن/ من غير ما تشخبط عالحيط". النتيجة كانت أن كثيراً من الأطفال، لم يعد في إمكانهم الشخبطة على الجدران، من دون أن يرافقهم أحد مردداً مطلع الأغنية، علماً أن المحطات اللبنانية لا تبخل عليهم في عرض الفيديو الكليب المؤلف من 3 أغنيات، حتى أصبح المشاهد يجده أمامه كيفما قلب المحطات التي جعله بعضها فاصلاً بين برامجه. وهذا بالطبع ما يحبه الأطفال، خصوصاً الأغنية الثانية في الكليب وهي"شاطر شاطر"، حتى أصبح الطفل يظن"شاطر شاطر"مجرد إشادة به جراء ما ارتكب بحق الحيطان. حتى الآن تبدو المسألة معقولة طالما أن الشخبطة على الجدران في المستطاع معالجتها بتجديد الطلاء ومحو آثار الأطفال، إلا أن جزءاً آخر من الكليب لا يخلو من خطورة إذا حاول الأطفال تقليده، وهو جزء تظهر فيه نانسي تطير بأجنحة وهي تردد"شخبط شخابيط". واذا كان مشهد طيران الساحرات والمقيمين في أرض الأحلام كشخصية"بيتر بان"ساد قديماً، إلا أن ثمة من يصر على هذه الفكرة ويجددها بتجدد الأجيال ليغذي مخلية الأطفال بالحلم بالطيران، ولكن الرجاء أن يبقى ذلك حلماً لا يحاول طفل تحويله الى واقع... وإلا ستكون مأساة... قاتلة.