ثلاثة أيام كانت كافية لتشعرك بپ"الغربة" عنهم. هم أهلك. لكنك لا تُشبههم. لا تفهمهم. لا تدرك: ماذا اختلف بعد 9 سنوات؟ هل تُدينهم بهذا المقال أم تدين نفسك؟ ألا تشعر بالخجل من الكتابة عن أهلك؟ كيف تسمح للناس أن يقرأوا خصوصياتكم؟ أي ناس؟ ممن تخجل وأنت"وحيد"وپ"بعيد"من الحساب"حساب أفواه أقاربك ومعارفك؟ أنت لا تهتم. لكنهم ? عائلتك - يهتمون. يهتمون بثرثرة فلان وفلانة. لا يريدون ان يكونوا علكة"في فم اللي يسوى واللي ما يسوى"! حسناً: ماذا فعلت عمتي؟ لماذا فسخ ابن خالي خطبته؟ كيف لم تردوا"الصاع صاعين"لزوجة أبي؟ ما سر الخلاف بين زوجة عمي وأختي الكبرى؟ هل لا يزال زوجكِ عاطلاً؟ لماذا لا تقطعون علاقتكم بها طالما تكرهونها؟... لم أذنب. حتى والدي بات يشاركهن"اهتماماتهن"بعدما تقاعد عن العمل. ربما ليس لديه خيار، فالمتقاعدون في مدينتنا، لا يملكون سوى الجلوس في البيت والثرثرة، وحضور المناسبات الأسبوعية لساعة او اثنتين. هو لا يتخيل نفسه يمارس الرياضة في ناد مثلاً، ولم يحب القراءة يوماً، بل لم يكمل دراسة المرحلة الثانوية، فكيف سيعود إلى الكتب؟ وليس من هواة الأخبار او البرامج الوثائقية، ولا يحب السياسة ولا الفن ولا المسلسلات ولا الأفلام، ولا قراءة الجرائد طبعاً. لو حملت همه، سيكون الرد: ماذا يريد أكثر من ذلك؟"كتر خير الحكومة اللي قاعدة تصرفلوا راتب... خلي يرتاح". هل هو فعلاً يرتاح؟ ربما كان وحيداً، هو الآخر، حتى وهو يشاركهن ثرثرتهن. يشغل نفسه بين فينة وأخرى بإصلاح باب مكسور أو تركيب دُرج مخلوع أو تثبيت أسلاك الهاتف حين يشوش لحظة المكالمات. ما لك وما له؟ لا تفتح باباً للثرثرة، طالما أنه راضٍ. ثم هل هو"الوحيد"? الذي يشعر بالوحدة - فقط؟ أخواتي لسن معتادات على الخروج من البيت. يمكنك تسمية ذلك عزلة ? او عادات وتقاليد. لا تخرج الفتاة"المحتشمة"، في بعض المدن السعودية، إلى"السوبرماركت"أبداً، ولا تخرج إلى السوق إلا لضرورة ملحة أو قبل الأعياد بأيام. هكذا تعوّدن، أو قبلن. لم تصل إليهن موضة الترفيه عن النفس بالتجول في الأسواق والمجمعات. ربما لم يستسغنها بعد. يخرجن إلى المدرسة فقط، والمناسبات العائلية كل نهاية أسبوع. لا تستسهل الأمر، فالجلوس في البيت وعدم الخروج منه للحظة، أشبه بالسجن، لكنهن لا يشعرن بذلك. هل هن"وحيدات"؟! حين تتزوج الواحدة منهن، يصبح الأمر أقل صعوبة. تخرج الفتاة إلى بيت أهلها، وإلى بيت أهل زوجها، إذا قرر زيارتهم. تنقل الأحاديث من هناك إلى هنا: ماذا قالت فلانة؟ وماذا فعل زوج علانة؟ لا جديد! العازبات، يتحرين زيارة اخواتهن المتزوجات، لأن ذلك يضفي على البيت أحاديث جديدة، غير معاتبة الأم:"أنتِ لا تعملين. تجلسين طوال وقتك أمام التلفزيون. لم تغسلي طبقاً اليوم. وأنتِ أيضاً لم تتحركي من مكانك طوال اليوم". الأم لا تأمرهن، بل تحاول طرد الكسل من أرواحهن، فقط. تخيل إذاً، كيف تكون زيارتهن في الصيف، خصوصاً إذا كنت تقضي جل يومك في مكتبك أو قارئاً او كاتباً؟ المدرسة التي كانت تضفي بعض التغيير على أيامهن، تركتهن وحيدات. حتى الأم تشعر بالضجر، لأنها لن تضطر إلى القيام باكراً لتجهيز الإفطار وإيقاظهن للمدرسة. حتى المتزوجة منهن، لن تذهب إلى الجامعة، مثلاً، أو تطابق مواعيد زيارتها مع موعد نوم أخواتها. يمكنها زيارتهن في أي وقت، طالما كان زوجها خارج المنزل أو مسافراً. سهر حتى الصباح على الثرثرة والتلفزيون. هل تلومهن، بعد كل ذلك، لأنهن لا يجدن سوى الثرثرة عن فلان وفلانة، أو ابداء الانزعاج والتلويح بمقاطعة قريبة او بعيدة؟ أوه... لا تنس، تأكد أنهن، خصوصاً الصغيرات، موسوعات متحركة عن برامج التلفزيون، فهو الشيء الوحيد المسلي لحظات الخصام الذي قد يطاول كل من في البيت. إذا كنت تحبهن، عش وحيداً، كي لا تتألم أو تنشغل بهن، وأتركهن في وحدتهن، بما أنك لا تجيد مجاراة او فهم او تقبل ما أنتجته تلك الوحدة في ما بينهن، وبما أنك لن تقبل أن تسمع اسطوانة كل رحلة:"متى راح تتزوج؟ نبغى نفرح زي كل الناس... والله يا خوفنا تكون مسويها، من ورانا". طبعاً، فالإعداد لحفل الزواج سيضفي على روتينهن نوعاً من التسلية! هل قلت:"وحدة"؟ من قال:"كبت"؟!