ضمن حزب "العدالة والتنمية" الإسلامي الحاكم في تركيا انفراده بتشكيل الحكومة بعد حصوله على الغالبية المطلقة في الانتخابات البرلمانية التي جرت أمس، وصوّت فيها الأتراك بكثافة، وان لم تخلُ من أعمال عنف دموية بسبب المنافسة الشديدة بين الحزب الحاكم الذي يحظى بتأييد أوساط المال والأعمال ومنافسيه القوميين الذين يرغبون في الحفاظ على المبادئ العلمانية للدولة ويعتبرونها مهددة. راجع ص 8 وأكدت وسائل إعلام محلية مساء أمس أن"العدالة والتنمية"حصد بين 330 و345 مقعداً من أصل 550، بعد حصوله على نحو 48 في المئة من الأصوات، فيما حصل منافسه الأقرب"حزب الشعب الجمهوري"على 124 مقعداً ونحو 20 في المئة من الأصوات. واقترع 15 في المئة لمصلحة"حزب الحركة القومية". وذلك بحسب حصيلة أولية لفرز 85 في المئة من صناديق الاقتراع. ورغم أن نحو 17 شخصاً جُرحوا بأعمال عنف واكبت الانتخابات في أنحاء البلاد، فإن نسبة المشاركة قُدرت بأكثر من تسعين في المئة من إجمالي عدد الناخبين الذي يبلغ 42 مليوناً و533 ألفاً. وجاءت هذه الانتخابات قبل أربعة اشهر من موعدها، نتيجة احتدام الأزمة الداخلية منذ رفض الجيش ترشيح رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان وزير خارجيته ورفيقه في الحزب عبدالله غُل لرئاسة الجمهورية، كما ترافقت مع ارتفاع حدة التوتر على الحدود مع العراق حيث الأقلية الكردية الساعية إلى الاستقلال. وقال أردوغان عقب إدلائه وزوجته المحجبة إيمان بصوتيهما في دائرة أوسكودار المحافظة في الشطر الآسيوي من اسطنبول:"ديموقراطيتنا ستخرج من هذه الانتخابات معززة". وأضاف محاولاً تهدئة المخاوف من توجهات حزبه:"نحن أقوى مؤيدين لدولة ديموقراطية علمانية يحكمها القانون". وصوّت في أنقره الرئيس التركي أحمد نجدت سيزر الذي انتهت ولايته في أيار مايو الماضي، ورئيس هيئة أركان الجيش الجنرال يشار بيوك انيط، وكلاهما من الوجوه البارزة في التيار العلماني. وإذا كانت هذه النتائج تؤهل"العدالة والتنمية"برئاسة أردوغان ليحكم بمفرده خمس سنوات أخرى، فإن مكاسب القوميين وأحزاب المعارضة العلمانية قد تنعكس سلباً على غالبية الحزب في البرلمان، وتؤدي إلى إبطاء إصلاحات الحزب الحاكم. وكان الحزب حصل في انتخابات العام 2002 على 34 في المئة من الأصوات، وتمثل في البرلمان ب 351 نائباً. وكانت الاستطلاعات توقعت تغييراً في تركيبة البرلمان مع دخول"حزب الحركة القومية"المعارض إلى جانب"حزب الشعب الجمهوري"، وكلاهما من المدافعين عن العلمانية. على أن المفاجأة الأكبر تمثلت بانتخاب نحو 19 نائباً مستقلاً على الاقل، خصوصاً من المؤيدين للأكراد، والذين اختاروا الترشح بهذه الصفة للتهرب من عتبة ال10 في المئة من الأصوات المطلوبة لدخول أي حزب البرلمان، وفق نظام الاقتراع النسبي. الأكراد وعشية الانتخابات، طغت الوعود وتصاعدت الاتهامات على نحو ينذر بحقبة جديدة من التوتر. وطالبت الناشطة الكردية ليلى زانا بتقسيم تركيا ولايات، وإقامة ولاية كردستان تركيا في الجنوب، وإعطاء الأكراد حق الحكم الذاتي وحرية استخدام لغتهم في التعليم والإعلام. وحرمت زانا من الترشح للانتخابات بسبب الحظر على نشاطها السياسي. وأثارت مطالبها قلقاً لدى السياسيين الذين اعتبروا ما قالته مقدمة لحملة مطالبة بالاستقلال من الأكراد المستقلين الذين سيدخلون البرلمان. وفتح المدعي العام التركي تحقيقاً في تصريحات زانا، فيما اعتبرها أردوغان"استفزازية". أما"حزب الحركة القومية"فشدد على ضرورة دخول الجيش التركي شمال العراق، والقضاء على معاقل حزب العمال الكردستاني هناك، وإعادة تطبيق عقوبة الإعدام.