وفاة الملحن محمد رحيم عن عمر 45 عاما    مصر.. القبض على «هاكر» اخترق مؤسسات وباع بياناتها !    ترامب يرشح سكوت بيسنت لمنصب وزير الخزانة    حائل: دراسة مشاريع سياحية نوعية بمليار ريال    «موديز» ترفع تصنيف السعودية إلى «Aa3» مع نظرة مستقبلية مستقرة    الاتحاد يتصدر ممتاز الطائرة .. والأهلي وصيفاً    "بتكوين" تصل إلى مستويات قياسية وتقترب من 100 ألف دولار    بريطانيا: نتنياهو سيواجه الاعتقال إذا دخل المملكة المتحدة    الأمر بالمعروف في عسير تفعِّل المصلى المتنقل بالواجهة البحرية    النسخة ال 15 من جوائز "مينا إيفي" تحتفي بأبطال فعالية التسويق    القادسية يتغلّب على النصر بثنائية في دوري روشن للمحترفين    (هاتريك) هاري كين يقود بايرن ميونخ للفوز على أوجسبورج    نيمار: فكرت بالاعتزال بعد إصابتي في الرباط الصليبي    وزير الصناعة والثروة المعدنية في لقاء بهيئة الصحفيين السعوديين بمكة    مدرب فيرونا يطالب لاعبيه ببذل قصارى جهدهم للفوز على إنترميلان    الأهلي يتغلّب على الفيحاء بهدف في دوري روشن للمحترفين    وفد طلابي من جامعة الملك خالد يزور جمعية الأمل للإعاقة السمعية    قبضة الخليج تبحث عن زعامة القارة الآسيوية    القبض على (4) مخالفين في عسير لتهريبهم (80) كجم "قات"    أمير المنطقة الشرقية يرعى الأحد ملتقى الممارسات الوقفية 2024    بمشاركة 25 دولة و 500 حرفي.. افتتاح الأسبوع السعودي الدولي للحِرف اليدوية بالرياض غدا    بحضور وزير الثقافة.. «روائع الأوركسترا السعودية» تتألق في طوكيو    مدرب الفيحاء يشتكي من حكم مباراة الأهلي    أوكرانيا تطلب أنظمة حديثة للدفاع الجوي    محافظ عنيزة المكلف يزور الوحدة السكنية الجاهزة    أمانة الشرقية تقيم ملتقى تعزيز الامتثال والشراكة بين القطاع الحكومي والخاص    رحلة ألف عام: متحف عالم التمور يعيد إحياء تاريخ النخيل في التراث العربي    «طرد مشبوه» يثير الفزع في أحد أكبر مطارات بريطانيا    فيتنامي أسلم «عن بُعد» وأصبح ضيفاً على المليك لأداء العمرة    هل يعاقب الكونغرس الأمريكي «الجنائية الدولية»؟    شقيقة صالح كامل.. زوجة الوزير يماني في ذمة الله    «الأرصاد»: أمطار غزيرة على منطقة مكة    الرعاية الصحية السعودية.. بُعد إنساني يتخطى الحدود    فريق صناع التميز التطوعي ٢٠٣٠ يشارك في جناح جمعية التوعية بأضرار المخدرات    "الجمارك" في منفذ الحديثة تحبط 5 محاولات لتهريب أكثر من 313 ألف حبة "كبتاجون    الملافظ سعد والسعادة كرم    "فيصل الخيرية" تدعم الوعي المالي للأطفال    الرياض تختتم ورشتي عمل الترجمة الأدبية    «السقوط المفاجئ»    حقن التنحيف ضارة أم نافعة.. الجواب لدى الأطباء؟    «بازار المنجّمين»؟!    مسجد الفتح.. استحضار دخول البيت العتيق    الثقافة البيئية والتنمية المستدامة    عدسة ريم الفيصل تنصت لنا    المخرجة هند الفهاد: رائدة سعودية في عالم السينما    تصرفات تؤخر مشي الطفل يجب الحذر منها    ترمب المنتصر الكبير    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع وزير الدولة بمكتب رئيس وزراء السويد    فعل لا رد فعل    إنعاش الحياة وإنعاش الموت..!    رئيس مجلس أمناء جامعة الأمير سلطان يوجه باعتماد الجامعة إجازة شهر رمضان للطلبة للثلاثة الأعوام القادمة    إطلاق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش في السعودية    "التعاون الإسلامي" ترحّب باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة التعاون معها    أمير الرياض يرأس اجتماع المحافظين ومسؤولي الإمارة    أمير الحدود الشمالية يفتتح مركز الدعم والإسناد للدفاع المدني بمحافظة طريف    أمير منطقة تبوك يستقبل سفير جمهورية أوزبكستان لدى المملكة    سموه التقى حاكم ولاية إنديانا الأمريكية.. وزير الدفاع ووزير القوات المسلحة الفرنسية يبحثان آفاق التعاون والمستجدات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لماذا تعنينا أحداث باكستان ؟
نشر في الحياة يوم 21 - 07 - 2007

ما بدأ الاضطراب الأمني في باكستان بأحداث المسجد الأحمر، والتي خلّفت مئات القتلى والجرحى والمفقودين. بل بدأت في الحقيقة في مرحلتها الحالية بالغزو الأميركي لأفغانستان، والتداخل القَبَلي والسكاني المعروف بين الدولتين، ووجود مئات آلاف اللاجئين الأفغان في باكستان. وبدأت التطورات الدراماتيكية في المدى الأبعد بتبلور الحركات الإسلامية الراديكالية، التي تملك صورة مختلفة للمجتمع والدولة والنظام. وبدأت أخيراً باستتباب النظام العسكري الحالي في البلاد منذ العام 1999، والذي تداخلت بسبب ضغوطه التوترات والأزمات حتى انفجر. منذ سنوات، يشكو الأميركيون، وتشكو الحكومة التي أقاموها في أفغانستان، أن النظام العسكري بباكستان، والمتحالف معهما بقوة، لا يضبط الحدود تماماً، ولا يتصدى للأصوليين الداعمين لطالبان بالقدر المطلوب. وفي باكستان حركة إسلامية واسعة وعريقة هي حركة"الجماعة الإسلامية"، وهي تريد إقامة دولة إسلامية بالبلاد، لكنها لا تمارس العنف، وتشارك في البرلمان، وفي حكومات الأقاليم. لكن"الجماعة الإسلامية"ما عادت الوحيدة على الساحة الإسلامية منذ الثمانينات. فقد أثرت حركات المجاهدين الأفغان في باكستان أيضاً، وظهرت فيها تنظيمات جهادية تقول بالعمل المسلح في وجه الأميركيين، وفي وجه حلفائهم. وعندما استولى المجاهدون على كابول عام 1994 واشتد بينهم الاضطراب، ارتكبت باكستان المتدخلة في كل مسامّ المجتمع الأفغاني، خطأها الأكبر، حينما استنهضت الطلبة الأفغان في المدارس الدينية التقليدية بباكستان، وهم يعدون عشرات الألوف، ونظمتهم وسلحتهم وساعدتهم لوجستياً، بحيث تمكنوا خلال سنتين ? وآتين من باكستان ? من الاستيلاء على أكثر أجزاء أفغانستان الممزقة بين أمراء الحرب. وجرف هؤلاء معهم عشرات ألوف الشبان الباكستانيين، الذين رأوا حلم حياتهم يتحقق بإقامة دولة تُطبّق الشريعة في أفغانستان... ثم في باكستان.
وهكذا فلدى العسكريين الباكستانيين اليوم ثلاثة أنواع من الإسلاميين، كلهم يريد إقامة دولة الشريعة أو دولة الخلافة: أتباع الجماعة الإسلامية حركة المودودي، التي يتزعمها اليوم القاضي حسين أحمد، والمتأثرون بحركات المجاهدين الأفغان، وهؤلاء يريدون الجهاد ضد الأميركيين وحلفائهم، وأنصار نموذج طالبان، العاملون بباكستان.
... والمجتمع الباكستاني منقسم أصلاً الى اثنيات وقبائل ومناطق وجهات. وعلى شاكلته انقسمت الأحزاب السياسية التقليدية: حزب الشعب، والرابطة الإسلامية، وحركة المهاجرين الذين لجأوا من الهند بعد استقلال باكستان عام 1947. وعلى رغم"قومية"الأحزاب السياسية تلك أو شموليتها، فالواقع أن انتشارها محلي وقبلي ايضاً، على رغم التغطيات الحديثة في التسمية والتنظيم. وهذا الانقسام بين البشتون والبنجاب والسند... الخ، هو الذي كان يزعزع الأكثريات في الانتخابات، فيتدخل الجيش ويحكم وحده، ويبدأ بالانتقام من السياسيين"الفاسدين والعنصريين"كما سمّاهم الجنرال ضياء الحق 1979 - 1988. والجنرال ضياء الحق هو الذي جلب الدب الى كرمه - كما يقال - حين استعان في حكمه بعد الانقلاب على علي بوتو بالجماعة الإسلامية، التي ينتشر أنصارها في كل المناطق، والاثنيات، ما عدا جماعات المهاجرين. ومنذ ضياء الحق صارت للجماعة الإسلامية مؤسساتها التربوية والتعليمية وتنظيماتها شبه العسكرية، الى جانب المدارس الدينية التقليدية. وكان الجنرال برويز مشرّف قد استند الى جانب الجيش لحركة المهاجرين، ولقبائل الجبال المحاذية لأفغانستان. وما تصدى لسيطرة الجماعة الإسلامية في المؤسسات. بيد أن الغزو الأميركي لأفغانستان اضطره للضغط على قبائل الجبال، وقتل أحد كبار زعمائهم في وزيرستان، وبذلك فقد دعمهم ووضعه في مواجهته. وبذلك لم يبق له غير حركة المهاجرين، وبعض بقايا الدعم التقليدي للدولة الباكستانية على الجانب الباكستاني من كشمير.
على أن التناقضات الباكستانية التقليدية القبلية والجهوية والاثنية، تراجعت في العقدين الأخيرين لمصلحة التناقض الرئيس الآن: إسلامي/ وغير إسلامي. وإسلاميو طالبان، وإسلاميو الجهاد السلفي وغير السلفي يستطيعون مع الوقت الوصول الى حرب عصابات ضد النظام العسكري. لكنهم لن يستطيعوا الاستيلاء على السلطة، بل الذين يستطيعون ذلك أنصار الجماعة الإسلامية المتغلغلون في المؤسسات والجيش، ويشكلون ثلث البرلمان.
وفي باكستان في العادة، وعندما يستولي الجيش على السلطة لفرض الاستقرار السياسي، ينهض في وجهه أتباع الأحزاب السياسية، وتنهض جهات التجمع المدني. وفي الشهور الماضية عادت تلك الجهات للحركة مع القاضي تشودري - رئيس المحكمة العليا - الذي عزله الجنرال مشرف لأسباب لم تتبلور بعد، وكان يريد الترشح ضده لرئاسة الجمهورية. أما اليوم، فقد ظهر الطابع الجديد للصراع، أي إسلامي/ وغير إسلامي، وليس ديموقراطياً/ عسكرياً. وبسبب العداء الذي أثاره مشرف في أوساط جهات المجتمع المدني والتي لا تحب الإسلاميين لن يتحمس له هؤلاء في صراعه مع الإسلاميين، ولذلك لم يؤيده أحد في هجمته على المسجد الأحمر غير زعيمة حزب الشعب بنظير بوتو، التي كانت منفية من باكستان على أثر سقوط حكومتها أواسط التسعينات من القرن الماضي.
تعنينا الصراعات الدائرة في باكستان لأمرين اثنين: الاضطراب الذي أحدثته حروب الولايات المتحدة من أفغانستان الى العراق، وبروز الحركات الإسلامية الجهادية وغير الجهادية باعتبارها الخصم الأهم للدول الوطنية والقومية القائمة منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية. فالحروب الأميركية خلخلت القشرة الباقية للاستقرار والتماسك في الدول والمجتمعات في العالمين العربي والإسلامي. والإسلاميون ظهروا بوظيفتين: التصدي للولايات المتحدة، ومحاولة جرف الأنظمة القائمة لإقامة الدولة الإسلامية المنشودة، وتجديد فكرة"دار الإسلام".
لا مصلحة لأي طرف في شبه القارة الهندية وما حولها في حروب باكستانية وفوضى داخلية، على رغم انزعاج الهند وروسيا والجمهوريات في آسيا الوسطى وحتى الصين من تدخلاتها في أفغانستان منذ عقدين. فالدولة الباكستانية تحتضن 150 مليوناً، وعندها سلاح نووي، ولقبائلها وشعوبها المضطربة امتداداتها في البلدان المجاورة، والظاهرة الإسلامية الجهادية مزعجة ومخيفة لسائر الناس في شرق آسيا وجنوب شرقها. لقد أطلقت الحروب الأميركية المارد من القمقم، وعرف الأميركيون كيف بدأ الأمر لأنهم شاركوا في صنعه. لكنهم لا يعرفون بالتأكيد، ولا نحن نعرف، الى ماذا تؤول الأمور. ولله الأمر من قبل ومن بعد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.