انطلقت أولى نغمات موسيقى "تكنو"، من أحد الأقبية في ديترويت الولاياتالمتحدة، عبر ثلاثة طلاب أفارقة أميركيين يشكّلون أعضاء فريق"بيل فيل 3". وفي 1980، تمكن الفريق، بمساعدة أصدقاء موسيقيين، ومنهم جون أتكينز، كيفن ساوندرسن وديريك ماي، من تحويل هذه الموسيقى الى ظاهرة عالمية بعدما بقيت لفترة في حدود حفلات المدارس الثانوية. ومنذ العام 2000، تكرس"مهرجان ديترويت لموسيقى التكنو"، الذي أصبح تقليداً سنوياً للمدينة، يستقطب جمهوراً من أنحاء العالم، ويحتل مساحة واسعة تصل إلى ضفاف النهر الفاصل بين الولاياتالمتحدة، عند ديترويت، وكندا عند وينزر. وهذه السنة، ككل سنة، تعتلي المسرح مجموعة من الپ"دي جي"، وهم لا يعزفون على آلات إنما يعبثون بأجهزة الصوت والتسجيل والكومبيوتر، مطلقين أغاني ونغمات أحياناً معروفة، بناءً على توليفات من صنعهم. وعلى الخشبة، تربط الپ"دي جي"علاقة حميمة بآلته، فيخيّل اليك أحياناً انه مفصول تماماً عن الأجواء الصاخبة والجنونية التي يثيرها خليط"النغمات الاكترونية"من لوحة مفاتيح الكومبيوتر المحمول وپ"الميكسر"ومئات من الأقراص المدمجة التي يحفظ محتواها عن ظهر قلب. وأمام كل مسرح ساحة كبيرة تتسع لمئات من الشباب الهائج على أنغام صاخبة، تعود وتهدأ بانتظار تدفق موسيقي جديد. ووصل عدد الحضور هذه السنة الى 43 ألفاً، مقابل 45 ألفاً السنة الماضية، بحسب ما أفادت الشركة المنظّمة"باكساهو". وهي تعزو التراجع الى الأزمة المالية التي تعانيها ولاية ميشيغن، حيث يدور المهرجان. وبعد أن كان الدخول مجاناً، أصدرت الشركة المنظمة تذاكر تراوحت أسعارها بين 21 و150 دولاراً للعرض الواحد. وثمة سبب آخر يتعلق بالتقلب المفاجئ لأحوال الطقس في الولاية، فلم"تشرق"الشمس على المتفرجين، هذه السنة وتبعث الدفء، إلاّ في ختام المهرجان. الى جانب الموسيقى، يبدو ان المهرجان يشكّل فرصة لاجتماع أصحاب المظاهر الغريبة والأفكار الجديدة. ففي الساحة الرئيسة، شبان وشابات يتنافسون لعرض آخر الصرعات المبتكرة. فمنهم من يختال بالوشم الذي يغطي جسده كاملاً، ليكون أشبه بكتلة متنقلة من الألوان الباهتة. ومنهن من تمشي مثقلة بكمية الأقراط التي تغطي وجهها وخصرها. وهناك من هو غير مضطر لتحمّل كل تلك الأوجاع للخروج بمظهر لافت، فلجأ الى تحويل الجزء العلوي من جسده الى مساحة حرة للكتابة والخربشة، وهو يناول المارة أقلاماً طالباً منهم المساهمة في ملء الفراغات المتبقية في أنحاء جسده. على مدخل المهرجان وبين المدرجات، تتوزع مجموعة من الشبان والشابات حاملين لافتات تعلن عن استعدادهم لتقديم..."عبّوطة"غمرة مجاناً لمن يحتاج إلى مواساة من هذا النوع. وفي كل ساحة، يتخذ بعض الحاضرين مساحة خاصة يشكّلون فيها دائرة يتم التنافس داخلها على تأدية أصعب حركات الپ"برايك دانس". ولئلا يبقى المتفرّج"آوتْ"أي خارج الأجواء ولكي يصبح"إنْ"تماماً، يتناول قرصاً مركّباً يغذّيه بالطاقة مدة 10 ساعات، فلا"يتماثل إلى الهدوء إلا بالرقص على أنغام التكنو العجيبة. وهذه الأقراص ليست مخدرات تصيب من يتناولها بالإدمان، فهي متوافرة بكثرة. بعد تفرّق الجموع، تبقى قلّة لتحيي ما يُعرف بپ"أفتر بارتي"after party أي ما بعد الحفلة، في أبنية قديمة ومهجورة، وسط ديترويت، لترقص المدينة على صدى نغمات التكنو الهادرة. وهذا النوع من الحفلات مخالف للقانون. لذا،"يُزفّ"المكان والزمان سراً بين أشخاص مقرب بعضهم من بعض، قبل ساعتين فقط من بدء الحفلة، لئلا تعرف الشرطة بالأمر مبكراً. ووقت هذه الحفلات قصير نسبياً، فهي تنتهي مع صفارات سيارات الشرطة التي تقتحم المكان لتجده فارغاً، فللمنظمين أساليب في استباق مجيء البوليس، وهم إنما يسعون وراء متعة الفرار من قوى الأمن، والانتشار في الأزقة والحواري.