تمر هذه الأيام الذكرى الثلاثون لرحيل مناضل وسياسي مصري عربي بارز نزعم أنه لم ينل حقه من التناول للدور الذي لعبه على الساحتين المصرية والعربية خلال حوالى ثلاثة عقود امتدت منذ نهاية الأربعينات وحتى رحيله عن دنيانا في تموز يوليو 1977. والشخصية التي نتعرض لها هنا هو السيد كمال الدين محمود رفعت، أحد أبرز عناصر الصف الثاني من قيادات تنظيم"الضباط الأحرار"الذي قاد ثورة 23 تموز يوليو في مصر. ولكن الدور السياسي لكمال رفعت لم يتوقف عند حدود دوره في أحداث ليلة الثورة، وهو دور بارز شهد به آخرون، لكنه سابق على أحداث تلك الليلة ولاحق له. ولن يسعفنا المقام هنا لتناول دور كمال رفعت بمختلف أبعاده أو بتفاصيله الثرية والمتنوعة، لكننا سنلقي بعض الضوء على محطات رئيسية في مسيرة هذا المناضل والسياسي المصري والعربي البارز، علماً بأن الكاتب الكبير مصطفي طيبة عرض جزءًا من دوره في كتاب صدر له في مصر في نهاية الستينات بعنوان"حرب التحرير الوطنية: أوراق من مذكرات كمال الدين رفعت". فقد تعرف كمال رفعت على الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر الذي ضمه إلى تنظيم الضباط الأحرار منذ تأسيسه، وظل محل ثقة الرئيس الراحل حتى وفاة الأخير في 28 أيلول سبتمبر 1970. ثم قام كمال رفعت بتدريب المتطوعين وقيادة وتخطيط عمليات المقاومة الشعبية ضد الاحتلال البريطاني في منطقة القناة عقب إلغاء رئيس الوزراء المصري حينذاك مصطفى النحاس لمعاهدة 1936 المصرية البريطانية في تشرين الاول أكتوبر 1951. وعقب ثورة يوليو، واصل دوره القيادي في عمليات المقاومة الشعبية في القناة على أرضية أقوى هذه المرة وبدعم من حكومة الثورة. كما انحاز بقوة إلى عبد الناصر في صراعه مع اللواء محمد نجيب في ما يعرف تاريخياً بأزمة آذار مارس 1954. كذلك كلفه عبد الناصر - عقب توقيع اتفاقية الجلاء المصرية البريطانية في 1954 - بالعديد من الأدوار على الصعيد العربي، خاصة في بلدان المشرق العربي ومنطقة الخليج، في إطار البحث عن أفضل السبل لتعبئة الشعوب العربية في"معركة التحرير والوحدة"، بحسب التصور الناصري لهذا الهدف واستراتيجيات تحقيقه. لكنه سرعان ما عاد عقب العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 ليقود المقاومة الشعبية ضد القوات الفرنسية والبريطانية في منطقة القناة. وبعد انسحاب القوات المعتدية عاد للعب دوره على الصعيد العربي وتوظيف هزيمة العدوان الثلاثي على المستوى القومي العربي، حتى دخل الحكومة المركزية للجمهورية العربية المتحدة وزيراً عقب الوحدة المصرية السورية في شباط فبراير 1958. وعقب انفصال سورية في أيلول 1961 عينه عبد الناصر عضواً في مجلس الرئاسة الذي كان أعليى سلطة في مصر حينذاك حتى تم حل المجلس عام 1964. وخلال تلك الفترة كان كمال رفعت رجل المهام الصعبة: تولى وزارة القوى العاملة وقت إعلان قوانين تموز-يوليو الاشتراكية، وتولى وزارة الأوقاف وقت إصدار قانون تطوير الأزهر، ولعب دوراً هاماً في محادثات الوحدة الثلاثية المصرية السورية العراقية عام 1963، ثم تولى مسؤولية أمانة الفكر والدعوة في الاتحاد الاشتراكي العربي، التنظيم السياسي الوحيد المنشأ في اعقاب التحولات الاشتراكية في مصر في مطلع الستينات. وفي هذا المنصب الأخير كان عليه عبء أساسي في صياغة وتعريف الأيديولوجية الرسمية للدولة المصرية حينذاك:"الاشتراكية العربية"، وبيان تميزها عن غيرها من جهة وعلاقتها بها من جهة أخرى، خاصة الإسلام والماركسية وأيديولوجية حزب البعث. وفي هذا الموقع لعب دوراً خارجياً في العلاقات مع أحزاب خارجية، سواء في دول الكتلة الاشتراكية السابقة أو في دول عربية مثل جبهة التحرير الوطني في الجزائر وحزب البعث والأحزاب القومية والناصرية في مختلف البلدان العربية. كما لعب خلال نفس الفترة دوراً محورياً في عقد أول مؤتمر للمغتربين العرب بالقاهرة عام 1964. وعقب وفاة الرئيس عبد الناصر، لم يشترك كمال رفعت في صراع الرئيس الجديد حينذاك أنور السادات مع العديد من رموز المرحلة الناصرية في ما عرف بأحداث أيار 1971، ولكنه سرعان ما اختلف بهدوء ودون ضجيج مع توجهات القيادة الجديدة في مصر، مما أدى إلى تعيينه سفيراً لدى المملكة المتحدة، لكن خلافه المتزايد مع سياسات الرئيس الراحل السادات لم تتواءم مع البقاء طويلاً في هذا الموقع وانتهى الأمر بخروجه من أي موقع رسمي. وعندما بدأت تجربة التعددية السياسية في مصر بإنشاء"المنابر"عام 1974 داخل الاتحاد الاشتراكي العربي، تقدم مع كل من النائب الحالي في البرلمان كمال أحمد والأستاذ الجامعي الراحل الدكتور عبد الكريم أحمد بطلب تأسيس"المنبر الاشتراكي الناصري"، وأصدر كتابه الشهير"ناصريون: نعم"والذي اعتبر رداً غير مباشر على ما كرره الرئيس السادات حينذاك من أنه لا يوجد ما يسمى"ناصريون". ولكن انتهى الأمر بقرار للرئيس الراحل السادات بإنشاء ثلاثة منابر فقط: اليمين والوسط واليسار، وبالتالي انضم كمال رفعت - بعد فترة تفكير وبعد فشل محاولات متتالية للحصول على موافقة حكومية على إنشاء منبر ناصري - إلى منبر اليسار الذي سمي بالتجمع الوطني التقدمي الوحدوي والذي تحول - مع المنبرين الآخرين بقرار من الرئيس السادات عقب انتخابات تشرين الثاني نوفمبر 1976 النيابية - إلى حزب. وقد رشح رفعت نفسه في تلك الانتخابات ولم يفز وتعرض خلال حملته الانتخابية لهجوم حاد من صحيفة"الأخبار"اليومية، ثم تولى منصب المتحدث الرسمي للحزب وعضو القيادة الثلاثية فيه مع رئيس الحزب وسكرتيره العام. وخلال هذه المرحلة رأس كمال رفعت لجنة الشؤون الخارجية في حزب التجمع لفترة، كما كان زعيماً للفصيل الناصري في الحزب، وإن كان الكثيرون من الناصريين بقوا خارج حزب اليسار وواصلوا محاولاتهم لإنشاء حزب ناصري منفصل. وقد ارتبط اسم كمال رفعت خلال حياته بالعديد من الأسماء التي عملت معه في مختلف المواقع التي شغلها وجمعته بهم صلة صداقة حميمة، أذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر الراحلين محمود عبد الناصر ولطفي واكد. وبهدوء، ودون ضجيج أيضاًً رحل كمال رفعت عن عالمنا في سن الخامسة والخمسين إثر نوبة قلبية مفاجئة تاركاً تراثاً قد نتفق أو نختلف معه فيه، كلياً أو جزئياً، لكننا بالتأكيد لا نملك إلا أن نحترمه.