الخديوي والحضارة والسينما أتذكر الخديوي عباس حلمي الثاني في مئوية السينما المصرية أعرق وأكبر سينما في العالم العربي وأفريقيا والشرق الأوسط والعالم الإسلامي من حيث الكم والكيف معاً 3 آلاف فيلم روائي طويل تضعها في المرتبة العاشرة على مستوى العالم وجمهور يمتد من أقصى المغرب العربي إلى أقصى المشرق في الخليج. وأتذكر بعد تعيين الإمام محمد عبده مفتياً لمصر أنه أصدر فتاواه التي فتحت الآفاق لكل المصريين والعرب المسلمين حتى يلحقوا بالعصر الحديث وكان ذلك بين 1898 و1905 ومنها فتوى أن التماثيل ليست محرمة عند المسلمين، وأن المحرم عبادتها. وهي الفتوى التي أدت إلى إنشاء كلية الفنون الجميلة في مصر عام 1908، وهو عام إنشاء جامعة القاهرة كأول جامعة مدنية وليست دينية. أتذكر إنشاء المتحف المصري والمتحف الإسلامي والمتحف القبطي وحي مصر الجديدة في القاهرة، ومن أصدر قانون الأحزاب السياسية الأول عام 1907، وغيرها من التحولات الحضارية الكبرى. أتذكر الخديوي عباس حلمي الثاني الذي وافق على سفر طه حسين إلى فرنسا للدراسة في بعثة رسمية على رغم أنه ضرير وعلى رغم أن قانون البعثات ينص على سلامة جسد أي مبعوث من أي عاهة أو مرض. لا مجال لذكر كل ما حدث في عهد عباس حلمي الثاني، ولكن ومنذ بداية القرن الميلادي الجديد منذ سبع سنوات أشعر بالذنب أننا في كل سنة نحتفل بهذه المئوية أو تلك من دون أن يتذكره أحد على الاطلاق. وكأن المئة سنة دائرة تغلق، وعلينا البدء من جديد، سمعت في موسكو عام 1968 نكتة تقول إن علماء روسيا تمكنوا من بعث لينين، وسألوه ماذا تريد؟ فقال ان أقرأ الصحف الصادرة منذ وفاتي، فلما قرأها اختفى، بعثوا وزير الأمن في عهده ليعثر عليه، وبالفعل توجه إلى مكان كان يحبه، فوجد منه رسالة"قابلني في سويسرا لنبدأ من جديد". الآن التماثيل حرام بفتوى رسمية من مفتي مصر بعد مئة سنة من محمد عبده وفتواه الرائعة، والقضية الأولى بين ممثلات مصر: هل التمثيل حرام أم حلال؟ وعروس مصرية ترفض قضاء شهر العسل في الأقصر لأنها مليئة ب"المساخيط"، أي بتماثيل الفراعنة. وزعيم الإخوان المسلمين في مصر يقول"طظ في مصر"، كما قال زعماء حماس طظ في فلسطين، ورفعوا أعلامهم بدلاً من علم فلسطين، وأصبحنا في انتظار نزول علم مصر! كانت السينما عند اختراعها تسمى الألعاب السحرية، قبل أن تصبح فناً. الآن تعود ألعاباً سحرية في الغالبية الساحقة من الانتاج السينمائي المصري. وما هو المنتظر من سينما محجبة مثل السينما الإيرانية في عهد الثورة المسماة بإسلامية، ونطلق عليها سينما نظيفة... نظيفة من ماذا؟ من كل تفكير ومن كل متعة فنية، سينما تحرم كل مقومات الدراما منذ القرن الخامس قبل الميلاد بتحريم تبادل علاقة الإنسان بالواقع، وبالآخر، وبوجوده في العالم والكون الجنس والدين والحرية. الأمل في المستقبل؟ لا أريد أن أكذب. كنا في انتظار حل الدولتين أي فلسطين وإسرائيل، وجاء حل الدولتين في الضفة وغزة. الناقد سمير فريد السينما ابنة المجتمع أعتقد أنه مع الظهور الأول للسينما كان من الصعب أن يتوقع لها أحد مستوى فنياً معيناً أو حالاً تصل إليه، ولا سيما في ظل التطور التكنولوجي الهائل الذي وصلت إليه السينما حالياً. ولو أردنا التحقق يمكننا أن نقارن بين أي فيلم من أفلام نجيب الريحاني مثلاً وفيلم من الأفلام المنتجة حالياً، سنجد أن هناك فارقاً كبيراً وفي ظني أن المسألة لا تنفصل عن التغيرات التي حدثت في مصر في شكل عام وعلى جميع المستويات سواء كانت في الزراعة أو الصناعة أو غيرها من الأمور الأخرى. والآن هناك عوامل كثيرة لها علاقة بالتطور التكنولوجي. وهناك القنوات الفضائية التي أصبحت تشارك في الانتاج وتضع الشروط. كل هذا ساهم في تغيير شكل وآليات العمل السينمائي عما سبق. في رأيي أن الموضوع يخضع لنظرية الأواني المستطرقة لأن السينما ابنة المجتمع يزدهر المجتمع فينعكس ذلك على السينما. ولا يمكن لي أن أحكم هل أنا راضٍ عن السينما المصرية بعد مرور مئة عام على وجودها في مصر أم لا؟ ولكنني أعتقد بأننا كنا مؤهلين لأن نصل إلى أفضل من ذلك، خصوصاً بعد التاريخ السينمائي الطويل الذي نملكه. الكاتب السينمائي بشير الديك بعيداً من الوصف السينما الموجودة حالياً من الصعب وصفها أو حتى التوقع لها. لا سيما بعد أن وصلت إلى هذا المستوى الذي يجعل الموهوبين الحقيقيين بعيدين تماماً عن العمل السينمائي على رغم أنهم يملكون تاريخاً حافلاً ومتنوعاً، وعلى رغم انهم أسهموا في حركة السينما عبر سنوات طويلة لتظهر سينما لا استطيع تصنيفها حالياً لا سيما أنها لا ترضي أي فنان حقيقي. لذلك أرى أن السينما المصرية بعد مئة عام مأزومة والدليل أننا في بداية المئوية الثانية ما زلنا نستشهد بأفلام الستينات والسبعينات. المخرج رأفت الميهي أصبحنا في غفلة على رغم مرور مئة عام على بداية السينما المصرية والبدايات القوية التي كانت تبشر بصناعة سينما قوية، ها هو تخلي الدولة عن دورها، وترك السينما لرؤوس أموال غير مصرية، يغيران المعادلة تماماً. للأسف أصبحنا في غفلة ولم نعد نستطيع أن نلتفت لأهمية الأمور، فالسينما ليست مجرد صناعة بل هي فن وشهادات على واقع تاريخي وسياسي واجتماعي كما أنها تعمل على تغيير أفكار الناس. فكيف نُسأل عن سينما لم تعد تملك ماضيها ولا حاضرها؟ علينا أن ننظر إلى السينما المصرية بعد مئة عام في شكل أكثر إيجابية لا سيما في ظل سواد العشوائية. المخرج داود عبدالسيد