لم يقع العراق في براثن الحرب الاهلية بَعد، على زعم إدارة بوش. وهذه الادارة محقة في تقويمها الحال العامة بالعراق. ولكن النزاعات الأهلية الجزئية قد تنزلق الى الحرب الأهلية. وهذا خير دليل على أن احتلال العراق لم يفض الى النتائج المرجوة، أولاً ودمر النسيج الاجتماعي، ثانياً. ولا شك في صعوبة الجزم في عجز الأكراد والشيعة عن التوصل الى اتفاق مع السنّة بعد انسحاب أميركا. فالشيعة والأكراد هم 75 في المئة من السكان، وهم مسلحون. والانسحاب الأميركي يضع السنّة أمام مفترق، فإما المقاومة أو القبول بالأمر الواقع. وقد يختار بعض السنّة المقاومة، وبعضهم الآخر التسوية. ولكن نتيجة المواجهة محسومة. فالغلبة هي للشيعة والأكراد. وليست هذه النتيجة أسوأ من البقاء بالعراق، والتورط في حرب استنزاف على"محتل غير ذي جدوى"أستعير هنا عبارة بول بريمر الحاكم المدني الاميركي في العراق. والساسة العراقيون باتوا يرفضون المقترحات الاميركية. وهذه الفرصة مناسبة لانتهاج استراتيجية انسحاب اميركي من العراق. وفي ما يلي أربع خطوات من شأنها إنهاء التورط الاميركي في نزاع تعجز إدارة بوش عن حسمه سياسياً أو عسكرياً. أولاً، على واشنطن الطلب الى القادة العراقيين في السرّ، مطالبتها علناً بمغادرة العراق. وعوض المسارعة الى القبول، على الولاياتالمتحدة سؤال الرؤساء العراقيين تحديد موعد الانسحاب، والتفاوض معهم على هذا الموعد. وهذا الطلب الأميركي يلقى آذاناً صاغية بين القادة العراقيين. فالنزول على هذه الرغبة يعزز مكانة القادة العراقيين السياسية، ويتيح لهم الظهور بمظهر المعادي للاحتلال. ولكن بعض هؤلاء القادة لا يرغب في انسحاب أميركي. فانسحابهم من الحياة السياسية منوط بانسحابنا. ثانياً، وبعد التشاور على موعد الانسحاب ثنائياً مع القادة العراقيين، تنسحب الولاياتالمتحدة انسحاباً منظماً من العراق. والتزام موعد الانسحاب مفيد في حث العراقيين على تحمل مسؤولية مستقبل العراق. ويترتب على هذه المسؤولية ظهور قادة عازمين على قيادة بلدهم نحو المستقبل. فتحديد موعد الانسحاب لن يصب في مصلحة المتمردين. فهؤلاء مشتتون، ومختبئون في ثنايا المجتمع العراقي المصدعة. ويستغل المتمردون الفوضى، ويعولون في نجاحهم على مشاعر معاداة الاحتلال. ثالثاً، على الحكومة العراقية دعوة الحكومات المجاورة والبعيدة، على غرار مصر والاردن والمملكة العربية السعودية وتركيا، الى قمة إقليمية إسلامية لمساعدتها على إرساء الاستقرار الداخلي. ويجب ألا تصدر هذه الدعوة عن الولاياتالمتحدة. فهذا النوع من المساعدة لن يُقدّم ما دام العراق محتلاً. رابعاً، على الولاياتالمتحدة دعوة الاتحاد الاوروبي واليابان والصين، وغيرها من الدول المهتمة باستقرار صادرات النفط العراقية، الى مؤتمر مانحين، وتمويل تأهيل الاقتصاد العراقي. وشرط انعقاد هذا المؤتمر مشارفة الاحتلال الاميركي على الانتهاء. ولا شك في أن على الولاياتالمتحدة الاعتراف بأن التدخل في العراق يوشك يتحول الى صدام بين العالم الاسلامي وأميركا. وقد يلحق هذا الصدام الضرر بأميركا، ويزيد عدد أعدائها، ويفاقم عزلتها. عن زبيغنيو بريجينسكي مستشار الرئيس جيمي كارتر 1976 - 1980،"فاينانشل تايمز"البريطانية، 18/4/2006