جامعات كثيرة في أوروبا وأميركا تقاطع إسرائيل، وكذلك تفعل كنائس تحض أتباعها على مقاطعتها أو عدم الاستثمار فيها، وجاءت الذكرى الأربعون لاحتلال ما بقي من فلسطين لتذكي الجدال حول المقاطعة. رابطة مكافحة التشهير باليهود، وهي جماعة متطرفة تحولت من مقاومة اللاسامية إلى التشهير بأعداء النازية الإسرائيلية، اعترضت على مقاطعة إسرائيل والمقارنة بالحملة ضد نظام الفصل العنصري ابارتايد في جنوب أفريقيا في الثمانينات، وقالت ان لا وجه شبه على الإطلاق بين سياسة إسرائيل والابارتايد في جنوب أفريقيا. طبعاً لا وجه شبه لأن إسرائيل تمارس سياسة أسوأ كثيراً من سياسة البيض في جنوب أفريقيا. فهؤلاء لم يحولوا أي أراضٍ محتلة إلى معسكر اعتقال نازي كما تفعل إسرائيل اليوم بقطاع غزة. واللوبي/ الرابطة يمثل أحقر ما في فكر الاحتلال المتطرف. فهو يقول معترضاً على المقارنة ان إسرائيل ليست لها أيديولوجية، وأقول ان لها إيديولوجية الموت، ويقول ان دعاة المقاطعة يتجاهلون تعقيد النزاع، وأقول ان لا تعقيد هناك، فالأرض محتلة منذ 40 سنة وهناك قرارات دولية معروفة، وأزيد ان فلسطين كلها محتلة منذ 60 سنة وقد قبل الفلسطينيون بمجرد 22 في المئة من أرضهم الأصلية ولم تقبل إسرائيل. أين التعقيد؟ وكان أحقر دفاع طلعت به رابطة مكافحة التشهير، وهو دفاع يكرره كل أنصار النازية الإسرائيلية، هو الاحتجاج على ان تُستفرد إسرائيل، فيما هناك جرائم في السودان وزيمبابوي وغيرهما. هذا المنطق يعني ان تقتل إسرائيل النساء والأطفال في الأراضي المحتلة لأن نساء وأطفالاً قتلوا في مكان آخر من العالم. وكان الدجال مورتون كلاين، رئيس المنظمة الصهيونية الأميركية، طلع يوماً بدفاع لم يفكر فيه أحد هو"ان العرب، لا إسرائيل، هم الذين يروّجون للأبارتايد". هذا الدفاع هو نقل التهمة إلى الآخر، وهو مرض أو غرض يفسره علماء النفس لا كاتب عجالة صحافية. الصهيونية الشمطاء ميلاني فيليبس في لندن طلعت بمقال في"الديلي ميل"الراقية من نوع ما سبق، فهي"استهجنت"ان يقاطع صحافيون وأطباء ومهندسون بريطانيون إسرائيل بسبب وحشية الاحتلال واستمراره. وأسأل القارئ ان يلاحظ مدى وقاحة كاتبة تدافع عن جرائم إسرائيل وتعتقد بأنها تعرف أكثر من ألوف المهنيين البريطانيين. لماذا لا تهاجر إلى إسرائيل وتستمتع هناك بقتل النساء والأطفال إذا كانت مواقف أصحاب أرقى المهن في بريطانيا لا تعجبها؟ هي من بؤرة مورتون كلاين، ولها حجة مقلوبة مثله، فقد زعمت في مقالها ان أي إنسان عادل سيرى ان إسرائيل ليست مسؤولة عن معاناة الفلسطينيين لأنها انسحبت من قطاع غزة قبل سنتين. إسرائيل حولت قطاع غزة إلى معسكر اعتقال نازي، ووضعته على حافة الجوع، وهي بحسب أرقام إسرائيلية قتلت من المدنيين الفلسطينيين، خصوصاً القاصرين، أضعاف ما قتلت جميع الفصائل الفلسطينية مجتمعة من الإسرائيليين، وميلاني فيليبس لا ترى هذا بل ترى ان إسرائيل انسحبت. في الذكرى الأربعين للاحتلال كان رأي العالم كله في إسرائيل ما يثبت صدق القول"انك لا تستطيع ان تخدع كل الناس كل الوقت". والقارئ العربي يجب ان يدرك ان في مقابل حكومة شارون/ أولمرت وجرائمها، ألوف اليهود الليبراليين العادلين المعتدلين الذين يدافعون عن الفلسطينيين، ويكفي ان في إسرائيل جماعة"السلام الآن"و"بتسيلم"والحاخامات ضد الاحتلال وقطع الأشجار، وعلى الإنترنت هناك عشرات المواقع ليهود من أصدقاء الفلسطينيين. بل ان هناك أكاديميين إسرائيليين أبطالاً أبدوا استعدادهم للاشتراك في المقاطعة. هناك مجالس بلدية في أوروبا تقاطع إسرائيل الآن، وفي بريطانيا بدأ المقاطعة الأكاديمية البروفسور اليهودي ستيفن روز وزوجته هيلاري، وأعلنت نقابة الصحافيين التي أنتمي إليها قراراً بالمقاطعة، وتبعها قبل أيام اتحاد الجامعات والكليات البريطانية، وله 120 ألف عضو. بل إن أبرز المهندسين البريطانيين وقّعوا عريضة تتهم زملاءهم في إسرائيل"بالمساهمة في المعاناة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للفلسطينيين". في الولاياتالمتحدة، هناك حملات مقاطعة ونشطون في جامعات كبرى مثل برنستون وهارفارد وام. آي. تي. وكاليفورنيا وبنسلفانيا وألينوي وكورنل وماريلاند وجورجتاون وميشيغان وأوهايو وغيرها، إضافة إلى كنائس مثل الكنيسة المشيخية الأميركية، وهي جزء أساس من الطائفة البروتستانتية، وأساقفة من كنيسة انكلترا. والآن أسأل القارئ أن يطلع من جلده وأهوائه، وأن يقارن بين ما أوردت من أسماء، ثم يحكم هل يصدق جامعات ونقابات ومدافعين عن حقوق الإنسان، أو يصدق رابطة مكافحة التشهير التي تعمل كلوبي متطرف أو اعتذاريات لإسرائيل من نوع ميلاني فيليبس وقبلها بربارة امييل التي سقطت كما تستحق مع زوجها كونراد بلاك، الناشر السابق لمجموعة"التلغراف". الكلمة الأخيرة هي للأسقف دزموند توتو، بطل مكافحة الأبارتايد الفائز بجائزة نوبل للسلام، فهو قال:"لو غيرت الأسماء، فوصف ما يحدث في قطاع غزة والضفة الغربية ينطبق على أحداث جنوب أفريقيا". إسرائيل لم تعد تخدع كل الناس.