احتفلت اسرائيل هذا الأسبوع باحتلال القدس وضمّها، أو ما تسميه إعادة توحيد المدينة المقدسة، وقاطع السفراء الاجانب الاحتفال بعد ان وجدوا انه استفزازي. الصليب الأحمر الدولي اتهم اسرائيل في ضمها القدس بتجاهل التزاماتها بموجب القانون الدولي والانساني، خصوصاً قانون الاحتلال، كما اتهمها بالإضرار بمصالح سكان الأراضي المحتلة، وباتخاذ اجراءات تسبب مضاعفات انسانية بعيدة المدى، وأعلن الصليب الأحمر الدولي ان ضمّ القدس بالقوة يخالف القانون الدولي. اسرائيل لم تعد دولة ديموقراطية، أو لم تكن يوماً، فهي عصابة جريمة منظمة، أسوأ كثيراً من أي مافيا لأنها أعظم قدرة على الشرّ والأذى، لذلك فالعصابة التي تعمل باسم الحكومة الاسرائيلية، لا فارق ان يكون رئيسها مناحيم بيغن أو أيهود أولمرت وكل مجرم بينهما، حوّلت كلاً من قطاع غزةوالضفة الغربية الى معسكر اعتقال نازي. السفراء الأجانب قاطعوا"الاحتفال"بضم القدس، غير ان المقاطعة هذه ليست جديدة، أو حالة فردية. الكنائس المسيحية، خصوصاً في الولاياتالمتحدة، تقاطع اسرائيل وتمنع الاستثمار فيها. أساتذة الجامعات حول العالم، وفي مقدمهم أساتذة يهود بريطانيون وأميركيون وغيرهم، يقاطعون اسرائيل. نقابتي، الاتحاد الوطني للصحافيين البريطانيين أعلنت مقاطعة اسرائيل. جماعات حقوق الانسان التي قاطعت جنوب أفريقيا حتى أسقطت نظام الفصل العنصري ابارتيد فيها تقاطع اسرائيل، وتحث الآخرين على مقاطعتها. أزعم ان كل انسان في قلبه ذرة انسانية سيقاطع اسرائيل اذا عرفها، ولن أقدم هنا سبباً من عندي، وإنما أطلب من القراء، خصوصاً الذين يقرأون هذه السطور مترجمة الى الانكليزية التالي: اسألوا جماعة"السلام الآن"الاسرائيلية عن 546 حاجزاً في الضفة الغربية لتعذيب الناس وإهانتهم، ومنعهم من الحركة. اسألوا بتسيلم، وهو مركز اسرائيلي يدافع عن أهالي الأراضي المحتلة، عن 4000 قتيل مدني فلسطيني منذ 29/9/2000، بينهم 826 قاصراً فلسطينياً مقابل 119 قاصراً اسرائيلياً. - اسألوا بتسيلم ومركز هاموكيد الاسرائيلي عن ممارسة شين بت تعذيب السجناء. - اسألوا كل جماعات السلام الاسرائيلية وبينها حاخامات يعارضون قطع الاشجار، عن قطع مئة ألف شجرة زيتون لبناء جدار الفصل العنصري، ومصادرة 165 ألف دونم وجرف 230 ألف دونم من الأراضي الزراعية. - اسألوا هذه الجماعات عن 11 ألف أسير فلسطيني في سجون الاحتلال، غالبيتهم من دون محاكمة. - اسألوا أيضاً جماعات حقوق الانسان اليهودية وحدها عن استخدام المدنيين، بمن فيهم الأطفال، دروعاً بشرية. - اسألوا كريس هدجز، مراسل"نيويورك تايمز"الذي كتب عن تجربته في غزة وأترجم حرفياً: شاهدت صغاراً يُضربون بالرصاص في ساراييفو. كان هناك قناصة أطلقوا النار على الصغار. ورأيت فرق الموت تقتل أسراً في الجزائر والسلفادور. إلا أنني لم أرَ جنوداً يستفزون الصغار ويهينونهم بهذا الشكل ثم يقتلونهم للتسلية. أجد ذلك لا يصدق، وقد عدت كل يوم، وتكرر الأمر. - اسألوا الأطباء من أجل حقوق الانسان، وهم أميركيون، عن اعلانهم بعد فحص القتلى والجرحى في أول شهر من الانتفاضة الثانية ان الإصابات تظهر ان الجيش الاسرائيلي تعمد القتل أو الجرح. - اسألوا مهى كنوني التي قتل جنينها وهو في بطنها بعد ان اخترقت رصاصة ظهرها وكسرت عظامها واستقرّت في رأسه. والآن أقدم الى القراء صحافيَّيْن أميركيَّين وكاتبين من أرقى نوع، فهما اثنان أقدّرهما وأحترم عملهما، وقد كتبا غير مرة منتقدين اسرائيل. ريتشارد كوهن كتب الشهر الماضي في"واشنطن بوست"مقالاً سأل في عنوانه"لماذا تقاطع اسرائيل؟"، وهو أشار الى تبرئة ستة مجرمين إيرانيين قتلوا شاباً وشابة لأنهما كانا يسيران معاً، والى إجهاض السلطات الصينية 60 امرأة بالقوة، والى توسيع السيطرة على وسائل الاعلام في روسيا، والى كوبا وغيرها... والى خطف مراسل"بي بي سي"آلان جونستون في غزة. هذا كله صحيح، وهناك أسوأ منه، في دارفور والعراق، الا انه لا يُعفي حكومة اسرائيل من المسؤولية عن جرائمها التي سجلها العالم كله، لا مجرد كاتب عربي، وقاطع بسببها اسرائيل يهود انسانيون قبل أي ناس آخرين. نيكولاس كريستوف كتب الأسبوع الماضي، مرة أخرى، في"نيويورك تايمز"عن دارفور، وهو أشار الى دراسات نفسية تشرح لماذا لا يتحرّك جورج بوش والشعب الأميركي ازاء إبادة الجنس في السودان، وكيف يهتم الناس بصقر مشرّد أكثر من مليوني لاجئ سوداني. مرة أخرى، هذا صحيح، مع ان الأممالمتحدة تتحدث عن جرائم حرب لا إبادة جنس في دارفور. وأتمنى ان يأتي يوم يهتم فيه الأميركيون وغيرهم بمليوني لاجئ في السودان، فربما اهتموا أيضاً بمليوني لاجئ عراقي داخل العراق، وبمليوني لاجئ عراقي في الخارج، بل ربما اهتموا أيضاً بمليون قتيل عراقي في الحرب الأميركية على العراق أو بسببها، اذا فعلوا، فقد يهتمون بعد ذلك بالضحايا من القاصرين الفلسطينيين تحت الاحتلال النازي الاسرائيلي، وبالقاصرين الاسرائيليين معهم. كل الجرائم في العالم لن تغطي على جرائم اسرائيل ضد الفلسطينيين منذ 1947-1948، و1967 حتى اليوم. وعندما يقاطع اسرائيل أساتذة جامعيون يهود وكنائس مسيحية، وعندما تشهد ضد جرائم الاحتلال جماعات السلام وحقوق الانسان الاسرائيلية قبل أي طرف آخر يحسم الجدال حول جرائم اسرائيل، ولا يبقى سوى البحث في سبل منعها من ارتكاب المزيد.