بعدما كانت مركزاً لتجمع المتسوقين الذي يتوافدون اليها من انحاد بغداد ومن مختلف المدن العراقية، احيلت"أسواق الجمعة"الشهيرة الى ذاكرة عراقية ارهقتها أعمال القتل اليومي وحظر التجول والانفجارات والأسوار الكونكريتية. ليس سهلاً معرفة عدد الأسواق المعروفة بأسواق الجمعة في بغداد، لكن يمكن تصنيفها، فمنها المختص بالكتب وهي الأشهر عربياً ومركزها شارع المتنبي الذي أحالت الهجمات المفخخة مكتباته الى ركام، وأخرى مختصة بالحيوانات، وثالثة بالأقمشة والملابس والمقتنيات المنزلية، إلا أن بعضها بدأ بالاندثار بعدما بات يشهد ركوداً. وفي شارع المتنبي الشهير يتوقف نشاط الباحثين عن الاصدارات بعد حظر التجول، ويقول ثامر الأعظمي صاحب مكتبة"إن السوق تعثرت كثيراً بعدما كان لا مجال للمشي فيها، فممر المشاة ضيق ومحدود، وبعدما احتلت بسطات الكتب مساحة واسعة من الشارع بات يعاني من قلة الزائرين، وكنا نعتمد في رزقنا على أيام الجمعة، إلا أن قرار حظر التجول وتزامن فترته مع ذروة عملنا أديا الى تدهور الأوضاع، ناهيك عن استهداف السوق أكثر من مرة بهجمات وقذائف هاون". رواد شارع المتنبي من أدباء ومثقفين وطلبة، يشعرون بفراغ كبير أيام الجمعة بعدما تعودوا قضاء يوم العطلة بين واجهات الكتب التي تتكدس في أحضان أرصفة الشارع. ويشير الأديب ناظم السماوي إلى أن"الذهاب الى شارع المتنبي ليس لمجرد مشاهدة الكتب أو شرائها فحسب، بل هو تقليد لدى البغداديين"، وأعرب عن أسفه لحرمانه من تلك المتعة، وقال:"ليس من السهولة أن تذهب الى هناك، حتى لو ذهبت، ستجد الشارع خاوياً من زائريه". وفي مكان ليس ببعيد عن شارع المتنبي تقع"سوق الغزل"التي تعد واحدة من أشهر أسواق الجمعة وتتخصص ببيع الحيوانات الأليفة ويعرض فيها أصحاب المحال الدجاج والأرانب محشورة في اقفاص، إضافة الى الكلاب وأنواع نادرة من الصقور والببغاوات والثعابين وأسماك الزينة وأدوات الصيد. إلا أن سوق الغزل على حافة الانقراض هي الأخرى بعد تعرضها لهجمات أكثر من مرة، قتلت العشرات من روادها ومن الحيوانات وباعتها، كما ان لقرار حظر التجول أثراً بالغاً في تراجع نشاط السوق. ويقول جابر خضير المختص ببيع الأفاعي إن"قرار حظر التجول أيام الجمعة قضى بشكل تام على هذه السوق التاريخية"، ويضيف:"منذ نحو عشرين عاماً وأنا أمارس مهنة بيع الحيوانات، وكانت أيام الجمعة بالنسبة إليّ كأيام العيد". فيما يصر سمير ناجي على الاستمرار في مزاولة مهنته في السوق ويقول:"افنيت حياتي في تربية الطيور والدواجن حتى أصبحت مهنتي التي اعتاش منها وليس بمقدوري العمل في اعمال اخرى، وما زلت آتي الى السوق يوم الجمعة قبل موعد فرض حظر التجول لأمارس مهنتي وانتظر ان تعود الحياة الطبيعية إلى بغداد أولاً ومن ثم إلى السوق". ونجد العراقيين في مختلف المدن والمحافظات يزورون السوق بعضهم يأتي لبيع ما لديه من حيوانات، وبعضهم يأتي للشراء، وآخرون يأتون لمجرد الفرجة والاستمتاع بمشاهدة الحيوانات المنتشرة في أروقة السوق حتى باتت كأنها حديقة حيوانات. أما سوق البالة في منطقة الباب الشرقي وسط العاصمة، فمختصة ببيع الملابس الرجالية الجديدة والمستعملة. عمران داود صاحب بسطة في هذه السوق تضرر مثل غيره من أصحاب البسطات من قرار منع التجول، ويقول:"كان يرتاد السوق الكثير من الشباب الذين يجدون بضاعتنا رخيصة وتلبي رغباتهم، لأنها مستوردة من مناشئ أجنبية وسعرها زهيد مقارنة بأسعار الملابس في مناطق بغداد الأخرى، كما ان هناك من يجد في السوق بضاعة لا يجدها في بقية أسواق العراق". ويضيف:"أما الآن ومنذ تطبيق قرار الحظر لم يعد يرتاد السوق سوى عدد محدود من الزبائن ولفترة قصيرة، ما سبب لنا خسارة كبيرة ودفعنا الى ترك هذه المهنة والبحث عن أعمال أخرى".