في سوق الكتب في شارع المتنبي يمسك المواطن العراقي علي السعدي بيده كتاباً يتضمن ابحاثاً دينية ويتذكر ان هذا الكتاب المذهّب كلفه الدخول الى سجون الرئيس المخلوع صدام حسين وتحمل التعذيب فيها. قال السعدي: "عندما كنت طالباً أدرس الأدب عام 1982 وجد ضباط في الاستخبارات لديّ كتاباً لمحمد صادق الصدرالذي اغتاله النظام العراقي السابق في العام 1999. واتهموني بتنظيم مجموعة سياسية، وامضيت ثلاث سنوات في السجن وعانيت الكثير"، كاشفاً عن آثار جروح حول معصميه بسبب القيود، وعن نزع سجانيه ثلاثة من أسنانه. كان السعدي واحداً من الكثير من الكتاب والادباء والمفكرين ومتعاطي شؤون الثقافة الذين يلتقون في السوق الاسبوعية للكتاب في شارع المتنبي الذي يقع في قلب بغداد العتيقة التي تعج بالرواد كل يوم جمعة لشراء وبيع الكتب والمجلات، وهو يتفرع من أشهر شوارع العاصمة العراقية شارع الرشيد، وتطل بدايته على احد اعرق جوامع الحي القديم المسمى "جامع الحيدرخانة". ويشيرالكاتب معن علي الذي كان يبيع مجموعة من البيانات الشيوعية القديمة، اضافة الى كتب لعلماء شيعة ان مسجداً في شارع المتنبي سُمِح خلال العهد العثماني ببيع الكتب امامه بعد صلاة الجمعة، وتمت منذ ذلك الوقت المحافظة على هذا التقليد. ولما وُضِعَ العراق تحت الانتداب البريطاني أقام البريطانيون مقرهم الرئيسي في الشارع نفسه. واضاف معن: "كانت الايام صعبة على المثقفين الذين بدأوا يبيعون كتبهم ليؤمنوا لقمة العيش لعوائلهم". واوضح ان شارع المتنبي تحول ايضاً مركزاً للتجارة بالكتب التي تهاجم النظام العراقي السابق. وقال: "كنا نخبئ الكتب الممنوعة، واذا اردنا بيعها كنا نبيعها بسرعة كبيرة خوفاً من افتضاح أمرنا". ويؤكد بائعو الكتب في شارع المتنبي انهم يملكون اكثر الكتب ندرة في الشرق الاوسط، وكانت المقاهي حول السوق تشهد نقاشات حادة بين مختلف المفكرين لعقود طويلة أكان في الفكر أو الفلسفة أو السياسة. الا ان الحظر الذي فُرِض على العراق بعد اجتياحه الكويت عام 1990 قلب المعادلات وبات الاقتصاد العراقي في وضع يرثى له. ويتوقع تجار الكتب اليوم نهضة بعد ان أزال الاميركيون نظام صدام حسين. ويختزن شارع المتنبي كتباً كثيرة مرصوفة في المكتبات على الواح خشبية وهي تحمل عناوين ثقافية وتاريخية وسياسية وحتى معلوماتية. وبالامكان العثور على كتب محمد باقر الصدر الذي اغتيل عام 1980 وآية الله الخميني، الى جانب كتب عن الحيوانات والرياضة او المنوعات. كما يمكن العثور على كتب ومجلات انكليزية. والطريف ان رواد هذا الشارع العريق ما زالوا يستطيعون العثور على كتب لصدام على رفوف المكتبات.