توضح الأرقام والإحصاءات التي تنشرها هيئة الأوراق المالية الإماراتية استمرار توزيع السيولة، على الفرص الاستثمارية داخل أسواق الأسهم بعيداً من العقلانية والعدالة والكفاءة، ما ينطبق أيضاً على أسواق خليجية وعربية كثيرة. ويعكس ذلك انخفاضاً في مستوى الوعي الاستثماري وتفشي ثقافة المضاربة بدلاً من الاستثمار الطويل الأجل، وسيطرة المضاربين على حركة الأسواق، فضلاً عن محدودية الدور الذي يضطلع به الاستثمار المؤسسي وضعف مستوى الإفصاح والشفافية. إذ أظهرت إحصاءات أن التداول بأسهم عشر شركات مدرجة في الأسواق المالية من أصل 115، استحوذ على نسبة 75 في المئة من إجمالي تداول الأسواق المالية، اضافة الى ان عدداً مهماً منها لا يتميز بمؤشرات جاذبة للاستثمار، مقابل تداول ضعيف بأسهم شركات تتميز بمؤشرات مالية ونمو وربحية قوية. فيما لا تشكل القيمة السوقية لأسهم هذه الشركات العشر سوى 29.1 في المئة من إجمالي القيمة السوقية لأسهم الشركات المدرجة. في المقابل لاحظنا أن قيمة تداولات أسهم شركتين، هما"إعمار"العقارية وپ"سوق دبي المالية"حصلت على نسبة 40 في المئة من إجمالي قيمة تداولات الأسواق المالية. وتمثل القيمة السوقية لأسهم الشركتين نسبة 16.8 في المئة فقط من إجمالي القيمة السوقية لأسهم الشركات المدرجة. كما تجاوزت قيمة التداولات على أسهم شركة واحدة هي"سوق دبي المالية"قيمة التداولات على أسهم شركات قطاع المصارف وعددها 21، وقيمتها السوقية 216.5 بليون درهم. إذ بلغت قيمة تداولات شركة"سوق دبي المالية"13 بليون درهم، بينما بلغت قيمة تداولات أسهم شركات قطاع المصارف 12.9 بليون درهم. مع العلم أن مضاعف سعر أسهم شركة"سوق دبي المالية"، وهو من أكثر المؤشرات شعبية للحكم على واقع الأسعار ومنطقها، يزيد مرات عدة على متوسط مضاعف أسعار أسهم قطاع المصارف، ما يؤشر الى سيطرة المضاربين على حركة السوق، وتركيزهم على أسهم شركات تتميز بانخفاض قيمتها السوقية ومحدودية رؤوس أموالها، وتجاهلهم مؤشرات الأداء وتقويم الأسعار، الذي لا يساهم في استقرار الأسواق، واستمرار تأرجح مؤشراتها وارتفاع أخطارها. ومعلوم أن حصر التداول يرفع الأخطار في الأسواق، لأن تركيزه على أسهم شركات محدودة لا يشكل عددها أكثر من 8 في المئة من عدد أسهم الشركات المدرجة، يساهم في ارتفاع أسعار أسهم هذه الشركات إلى مستويات لا تتناسب مع مستوى أدائها أو القيمة الحقيقية لأصولها، وفي صعوبة تكوين محافظ استثمار متنوعة استناداً إلى الأساسيات المالية والاستثمارية. كما يساهم تركز التداول في خفض عدد الفرص الاستثمارية المتوافرة داخل الأسواق بسبب انخفاض سيولة نسبة مهمة من الشركات المدرجة، اذ يفضل المستثمرون شراء أسهم الشركات التي تتميز بارتفاع سيولتها أي سهولة بيع أسهمها وشرائها. ولا تتوقف الاختلالات الهيكلية في بعض الأسواق الخليجية والعربية على توزيع السيولة، بل تمتد إلى تركز القيمة السوقية في أسهم عدد محدود من الشركات. وعلى سبيل المثال استحوذت القيمة السوقية لأسهم عشر شركات مدرجة في أسواق الإمارات على نسبة 63 في المئة من إجمالي القيمة السوقية الإجمالية. كما نلاحظ أن القيمة السوقية لأسهم شركة"إعمار"تشكل نسبة مهمة من القيمة السوقية الإجمالية، وينطبق ذلك على أسهم شركة"سابك"في السوق السعودية وأسهم"البنك العربي"في سوق الأسهم الأردنية. * مستشار "بنك أبو ظبي الوطني" للأوراق المالية