بعيداً من حمامات الدم في فلسطين والتقاتل على النفوذ والسلطة، استطاع الملحّن والمطرب الفلسطيني الشاب باسل زايد أن يعبر الحدود ويصل بسلامة إلى عمّان أول من أمس، بدعوة من مؤسسة"خالد شومان - دارة الفنون"، حاملاً رسالة حب وأمل مجبولة بالألم. إنها السابعة مساءً بتوقيت عمّان. لم يحن موعد الحفلة بعد. لكن صوتاً عذباً يجذب المارة قرب ذاك المكان الأثري في الجزء الشرقي من منطقة جبل اللويبدة وسط عمان، تسأل عن هوية المكان الذي تعبق رائحة الياسمين في أنفك مجرد أن تطأ رجلك مدخله. يأتي الجواب أنه معلم فني وعمراني ترسّخ حضوره منذ العام 1993 في وجدان الفنانين والمثقفين العرب، لما تستثيره مبانيه القديمة المسوّرة في نفوسهم من اشتباك مع الماضي والتراث. ترى الشباب والصبايا يتهافتون إليه بأناقة مهذّبة تحكي وجوههم السمراء في غالبيتها، عن سعادة ترتسم في عيونهم باحثة عن الفنون الجميلة والأصيلة. تدهشك الدار التابعة لمؤسسة خالد شومان بعمرانها الفريد. فهي تتألف من 3 أبنية سكنية يعود بناؤها إلى العشرينات من القرن المنصرم، تحاذي آثار كنيسة بيزنطية مقامة فوق معبد روماني حيث تجمّع الناس في مساحة بين ستة أعمدة ُرتّبت على شكل مسرح. الناس على الكراسي قبل ساعة من بدء الحفلة. هي ليست عادة عربية أن يأتي الناس قبل الوقت. لكنه يبدو أن مناصري الموسيقى في عمّان، خصوصاً ذوي الشعر الأبيض فمن هم فوق الأربعين، تجذبهم تلك الموسيقى الفلسطينية التي أتى بها ولحّنها باسل زايد من قلب رام الله وجنين والقدس. لم يكن زايد الذي ألّف فرقة موسيقية تحمل اسم"تراب"في العام 2004 ولاقت ترحيباً من الجمهور الفلسطيني والأردني، موسيقياً ومطرباً فحسب، بل كان أشبه بصحافي موضوعي ينقل صورة الحياة اليومية في بلاده من خلال عوده وصوته الدافئ. وقدّم مع العازفين الفلسطينيين نوبار فسكرجيان بيانو وأشرف البكري كمان والأردني نعيم حسن إيقاع أغنيات باللهجة الفلسطينية جمعت بين الحزن والحب والفرح والعدالة الاجتماعية، من أسطوانته التي صدرت العام الماضي بعنوان"هادا ليل"الى أسطوانته التي ستصدر قريباً"آدم". بدأ من الوردة والسلام حيث غنى من كلمات الفلسطيني محمود أبو هشهش"لأرمي عليك وردة بس إنت إرمي السلام"، ثم قدّم أغنية"كبرت المدينة وصارت مش إلي"التي تحكي حالة الاقتتال الحاصل بين الفلسطينيين أنفسهم من كلمات سامر الصالحي. ثم معزوفة بعنوان"انتظار"ملؤها الحزن الهادئ الذي يعبّر عن الغضب في نفوس الناس على المعابر الحدودية، لكنها موسيقى تعبّر أيضاً عن السلام داخل نفوس هؤلاء المقهورين. ثم انتقل إلى الزمن بأغنية"حدّ العمر حدّين وحدود حدّ حدود"، ثم"هيدا ليل"وهي عنوان الأسطوانة الأولى التي صدرت لفرقة"تراب"الفلسطينية، وأوضح زايد أنه لحّنها على ضوء الشمعة في إحدى ليالي القصف الموحشة. وكما ان هناك وقت للقتل والعنف في فلسطين، هناك أيضاً وقت للحب، بحسب زايد الذي أدى أغنية من كلمات عامر بدران بعنوان"شو يعني حب"ويقول مطلعها:"جرّب اطلع نصف الليل وشوف النجمة بتغنّي. ولما ترقّص نجم سهيل اسألها ولا تسألني تقول لك شو يعني حب". ثم قدّم زايد معزوفة"آدم"التي تحكي قصة طفل صغير يبيع الحلويات عند معبر قلندية حتى الرابعة فجراً. وحيا الناس على طريقتهم من خلال أغنية"مرحبا للناس لما تزهق الروتين"وهي أغنية حب على الطريقة الفلسطينية كما قال، من كلمات عامر بدران أيضاً. ثم جمع بين الحرب والحب الصعب في أغنية"شعرك ذهب". أما مسك الختام فكان لأغنية"مرّت دورية بالليل"ذات الإيقاع السريع، أثارت حماسة الجماهير التي لم تتوقّف عن التصفيق حتى أعاد أداءها. وقد تكون من أجمل ما كتب محمود أبو هشهش.