يزعم قادة المعارضة اللبنانية من فريق 8 آذار مارس ان قوى أساسية في فريق 14 آذار مولت وساعدت تنظيم "فتح الإسلام" على التمركز في شمال لبنان. وكانت كلمة السيد حسن نصر الله في ذكرى التحرير، مساء 25 أيار مايو، قد ألمحت إلى مثل هذا الأمر. من جهة ثانية يتهم قادة 14 آذار سورية بتمويل هذا التنظيم وتدريب عناصره وتكليفه بمهمات محددة في لبنان. لكن المفارقة الكبيرة تكمن في رغبة المعارضة اللبنانية المعلنة في تكبيل يد الجيش اللبناني في معركته ضد هذا التنظيم. فالسيد حسن نصر الله يعتبر ان حسم المعركة عسكرياً سيؤدي من دون شك إلى حرب مخيمات جديدة، ليس هو في وارد تغطيتها. كما ان المشهد على المستوى الفلسطيني يوحي باستكمال لوحة هذه المفارقة الغريبة. فمروحة المواقف الفلسطينية تبدأ من الدعوة إلى الحسم العسكري فلسطينياً وعلى نحو عاجل، كما عبر عن ذلك أمين سر تنظيم حركة فتح في لبنان سلطان ابو العينين، مروراً بالتحذير من مغبة استهداف المخيم الفلسطيني بنيران الجيش، وصولاً إلى دعم حرية حركة هذا التنظيم من قبل المنظمات الأوثق ارتباطاً بسورية. والثابت في هذا المجال، وبحسب وقائع المعركة العسكرية التي تجري فصولها في محيط مخيم نهر البارد، ان قوات"فتح الإسلام"باتت بعد أسبوع من المعارك افضل تسليحاً واكثر عدداً، رغم الخسائر التي منيت بها والتي أمكن للصحافيين المتابعين ان يتثبتوا من فداحتها بأم العين. ويروي شهود عيان من محيط مخيم نهر البارد ان أسلحة ثقيلة من مدفعية وراجمات صواريخ باتت اليوم في حوزة مقاتلي"فتح الإسلام"، وانهم استعملوا بعضاً من هذه الأسلحة ابتداءً من ليل الأحد - الإثنين من الشهر الجاري. مما يعني ان تسليح هذا التنظيم ومده بالعتاد والعديد جار على قدم وساق، وبطبيعة الحال ليس تيار المستقبل ولا قوى 14 آذار - مارس، التي تدعو جهاراً إلى الحسم العسكري ضد هذا التنظيم هم من يمدونه اليوم بالسلاح. وسط هذا الصخب اللبناني - الفلسطيني كله، تنصلت سورية من هذا التنظيم، واعتبره وزير خارجيتها السيد وليد المعلم خارجاً على القانون السوري وملاحقاً في سورية نفسها. وبذلك وجد اللبنانيون انفسهم من كلا الجهتين المتناحرتين يواجهون اتهامات بدعم هذا التنظيم او تسليحه بخلاف سورية التي أعلنت إدانته سلفاً. لكن السلاح ما زال يتدفق على المقاتلين المتطرفين المتحصنين داخل مخيم نهر البارد، من دون ان يتسنى للمراقبين تحديد الجهة التي تمده بالعتاد والرجال. فيما يواجه الجيش اللبناني اتهامات تكاد تقرب من الخيانة الوطنية بسبب إمداده بذخائر وعربات نقل مصفحة من الولاياتالمتحدة الأميركية. والمفارقة في هذا السياق لافتة: ثمة حصار سياسي على تجهيز الجيش ومده بالذخائر اللازمة في معركة تشير كل الدلائل إلى أنها ستكون مكلفة على اكثر من صعيد. في مقابل ذلك ثمة طريق إمداد خفي تستفيد منه"فتح الإسلام"وتغذي من خلاله قدرتها على المواجهة والصمود في مواجهة حصار الجيش اللبناني. ما يجعل الحصار مقلوباً على نحو غير متوقع. فبعدما كان الجيش اللبناني محط إجماع لبناني وسوري من قبل، بات جيشاً محاصراً ومكبل اليدين في معركة استهدفته على نحو مباشر، في مواجهة تنظيم تتنصل من العلاقة معه وتأييده كل القوى السياسية اللبنانية، لكنه يتمتع بطرق إمداد آمنة وغير مشكوك في مصادرها. وإذ يحتاج الجيش اللبناني في معركته هذه إلى نوع من الغطاء السياسي الجامع بات اليوم اصعب من ان يحلم اللبنانيون بتحققه، فإن خصمه في المعركة يتحصل على مزيد من التأييد يوماً بعد يوم، من تنظيم القاعدة في بلاد الشام إلى جيش الإسلام، والله وحده يعلم أين ستتجه قافلة المؤيدين. على المقلب الآخر ثمة أخبار متواترة تفيد ان استئناف المفاوضات السورية - الإسرائيلية اصبح امراً مبتوتاً ولم يعد ثمة غير بعض اللمسات الأخيرة قبل إعلان افتتاحه رسمياً. ولو تحقق ذلك في القريب العاجل لبدا المشهد مقلوباً على نحو فادح: لبنان المتهم سورياً بتبعية حكومته لأميركا متهم بدعم القاعدة وتسجيل سابقة في هذا السياق، وسورية المتهمة بدعم الأصوليين وإيواء عناصر القاعدة ودعم حزب الله عدو إسرائيل الأول، تستعد لعقد اتفاق سلام مع إسرائيل. ما يعني ان هذا السلام سيحشر حزب الله بين مطرقة سورية وسندان إسرائيلي، او العكس، على ما يصرح مسؤولون إسرائيليون علناً ومن دون مواربة. وواقع ان حزب الله بلسان امينه العام سجل على نفسه سابقة التغطية على تنظيم مرتبط بالقاعدة ارتباطاً لا لبس فيه، ستجعل منه هدفاً سهلاً للنيران الصديقة والعدوة على حد سواء. كما لو ان حزب الله لا يستطيع ان يصبح لبنانياً إلا في لحظة تكالب الجميع عليه من كل الجهات. لكن مثل هذه اللبنانية تأتي متأخرة كثيراً إلى درجة انه لن يجد من يتذكر عنده هذه الصفة. * كاتب لبناني.