كتبت صباح أمس ان القضية الفلسطينية انتهت، ورجوت أن أكون مخطئاً ففزعت ببقية آمالي بعد الظهر الى الصديق أحمد الطيبي، عضو الكنيست، ووجدته مثلي تشاؤماً، فقد كان أول كلامه "اخبارنا سيئة" و "اغتيال فلسطين بأيادٍ فلسطينية". الدكتور الطيبي يعرف الجانب الاسرائيلي، كما لا نعرفه نحن، وهو قال لي انه كان يتمنى لو رأى الفلسطينيون الذين يقتلون بعضهم بعضاً في شوارع غزة الابتسامات الصفراء على وجوه أعضاء اليمين الاسرائيلي في الكنيست، وفرحهم بالفلسطينيين الذين ينفذون ما تمنى اليمين الاسرائيلي دائماً. أحد الأعضاء اليمينيين قال للدكتور الطيبي:"ما رأيك في أصحابك؟ ما رأيك في الجرائم التي يرتكبونها ضد الفلسطينيين؟"ولم يجد الأخ أحمد ما يقول سوى ان المتقاتلين"ليسوا منا، فهم يعملون ضد الشعب الفلسطيني". وهو أضاف ان صحافياً اسرائيلياً قال له:"ان ما يحدث في قطاع غزة هو حلم اسرائيل، فهي أرادت دائماً فصل الضفة الغربية عن قطاع غزة، وأنتم فعلتم ذلك، وسهلتم الوضع عليها، فبدل ان تبقى قضية واحدة تستطيع اسرائيل ان تعمل على تقنية سياسية مع الضفة، وتقنية أمنية مع غزة". الدكتور أحمد الطيبي ترحم على ايام أبو عمار وهو يذكر شعراً"والذئب أرحم من اخوتي"، وعندما سألته عن قرار أبو مازن إقالة حكومة اسماعيل هنية قال ان الرئيس الفلسطيني اتخذ قراره مضطراً فقد كانت هناك محاولة انقلاب على السلطة. ورأي الدكتور الطيبي ان رئيس الوزراء الفلسطيني لا يستطيع ان يرفض قرار الرئيس محمود عباس، فهو عين في منصبه بقرار من الرئيس ويعزل بقرار منه. ومع هذا كله فالرئيس محمود عباس يحظى بتأييد دولي وعربي واعتراف غير متوافر للدكتور هنية و"حماس". كنت أريد أن أسمع من العضو العربي في كنيست اسرائيل ما يشجع ووجدته أكثر حزناً مني، فهو قال ان عينه دمعت لدى رؤية المقاتلين من"حماس"ينزلون العلم الفلسطيني ويرفعون مكانه علم"حماس"الأخضر. وأضاف ان عشرات الألوف قتلوا في سبيل العلم الفلسطيني، وفي كل الثورات لا يمسّ العلم، والفلسطينيون في النهاية نسيج وليسوا كلهم"حماس"او"فتح". سألت الدكتور الطيبي عن دور عربي محتمل لإنهاء الكارثة، فقال ان الميدان أقوى من الدور العربي، وهو حاول الاتصال هاتفياً مع الأخ خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي ل"حماس"ولم ينجح، ورأيه ان الأخ أبو الوليد يفهم السياسة وارهاصات الموقف الدولي، وحدود قدرة الفصائل الفلسطينية، فاذا كان موافقاً على ما يجري في قطاع غزة فتلك مصيبة، وان لم يكن موافقاً فالمصيبة أعظم. الدكتور الطيبي سأل كيف سيدار قطاع غزة اذا حكمته"حماس"وحدها، فهناك مسؤولية تجاه الناس يجب ان يتحملها من يحكم، واسرائيل مع وجود"حماس"أغلقت البلد على أهله، ولا اتصال لاسرائيل مع"حماس"، ولا تحويل أموال، ولا معابر الى الخارج. ولم يخف الدكتور الطيبي ضيقه بتصرفات"فتح"التي اتسمت في رأيه بالغرور على مدى سنوات، وانتهت بتفتت داخلي وفساد وسوء ادارة. حاولت ان أسمع من الدكتور الطيبي شيئاً ايجابياً، الا انه بقي على تشاؤمه وهو يحدثني عن فريد الغادري الذي جاء الى اسرائيل بدعوة من بنيامين نتانياهو، وتكلم في لجنة الخارجية والأمن في الكنيست مطالباً الاسرائيليين بعدم الانسحاب من الجولان. أخونا أحمد قال لي انه فوجئ بالغادري أمامه في الكنيست فقال له بحضور الصحافيين وكاميرات التلفزيون:"أنت يا غادري غدار، تقوم بعمل حقير ومشين وتستجدي اسرائيل ان تبقي على احتلال أرضك. انت أداة رخيصة بيد نتانياهو واليمين الاسرائيلي لمنع الانسحاب. اخجل وأغرب عنا...". الغادري أميركي يقول انه معارض سوري، وأقول ان له من اسمه نصيباً، وفي الحديث الشريف"تفاءلوا بالكنى فإنها شُبهة"، وأزيد بنصح القارئ ان يسجل الغادري في خانة"واطي"فهو من نوع أحمد الجلبي وفؤاد عجمي وكل غدار خؤون، أي أسفل سافلين والعياذ بالله. وكنت أعتقد بعد مَثَل هذين في العراق ولبنان اننا لن نرى مثلهما، غير اننا عشنا لنرى الغادري يخطب في مؤتمر اسرائيلي ويقول وأترجم حرفياً عن نص بالانكليزية لوكالة اسوشييتد برس:"لا تعقدوا سلاماً مع ديكتاتور حتى لا تقنعوا الشعب السوري بأنكم لا تهتمون بحرياته، ولا تهتمون برفاهيته". الاسرائيليون تهمهم الحريات السورية والرفاه؟ الاسرائيليون انفسهم لا يقولون هذا، غير ان الغادري يقوله، وينسى ان أي ديكتاتور يذهب ويبقى الوطن.