يذهب بعض الروس الى أن محاولة عزل روسيا، وتخريب علاقاتها بالدول الصناعية الكبرى، تعود الى انعقاد قمة سان بطرسبورغ العام الماضي. وموسكو أدركت الأمر فعمدت الى اجراءات قوية أرادت منها الارتقاء بعلاقتها بالعالم الديموقراطي الى مستوى جديد. وبعد عام على ذلك، ينبغي الاقرار بأن النتائج جاءت على خلاف التوقع، فالعلاقات تردت. وقد يحتاج إصلاحها الى سنين طويلة. وتدور المناقشة على أسباب ذلك. ويقول أنصار الرأي الروسي ان الغرب لم يعد العدة للقبول بروسيا فلاديمير بوتين، القوية والواثقة بنفسها، محل روسيا بوريس يلتسن، الضعيفة والمفككة والمستجدية. وعلى هذا، رفضت موسكو الامتثال للدور المرسوم، أي دور التابع للغرب الكولونيالي، والتلميذ النجيب في مدرسة الديموقراطية الغربية. وهذا التعليل، ومهما بدا من حيث الشكل عادلاً، يعاني ثغرة مهمة وخطرة تهدمه من أساسه. فهذا المنطق موجه أصلاً الى الداخل، أي الى المواطن الروسي الذي ترسخت في وعيه وقناعاته، طوال العهد السوفياتي، نظرية"المؤامرة الامبريالية"على موسكو". والمشكلة هي أن الخطاب الروسي الحالي يتمسك بالفهم التقليدي لبناء العالم والعلاقات الدولية، في عصر انتقل من طور الى طور، وارتدى رداء العولمة. وطبيعة النظام الدولي الجديد تقتضي ان نواصل محاولات اقناع الآخرين بعدالة موقفنا، ولو كان هؤلاء"شركاء استراتيجيين". وتؤدي المصطلحات القريبة الى قلوب وعقول الروس، جراء الحقبة السابقة، مثل الامبريالية والاستعمار وسباق التسلح، وصولاً الى مصطلح بوتين الجديد، الديموقراطية السيادية، في الغرب الى أثر يخالف الأثر المنشود، وتبعث على الدهشة والاستغراب والاستياء. فيرتفع جدار فصل بين روسيا والغرب، لا ينفك يعمق الهوة بينهما. والتصريحات القوية والمواقف النارية التي انقادت اليها السياسة الخارجية الروسية، في أثناء الشهور الأخيرة، في محاولة تعديل كفة علاقاتها بالغرب، عقيمة ولا طائل منها. وقد لا يرضي مشروع الرئيس جورج بوش نشر درع صاروخية في أوروبا القادة الأوروبيين. وقد تخوض الشركات اليابانية حرباً في سبيل الأسواق الأميركية. ولكن الثابت أن أحداً، في مجموعة الدول الكبرى لا يتهم الآخرين بمحاولة زعزعة الأمن في أوروبا، أو تدمير قدرتها الاقتصادية جواباً عن خلافاته معهم. ويترتب ذلك على أن"الديموقراطية لا تحترب داخل بيتها"، على ما يجدر بنا أن لا ننسى. ولكن اذا استرسلت روسيا في التغريد خارج السرب الديموقراطي وأدمنت الكلام بلغة أخرى، فقد تشارك في قمم البلدان الكبرى مشاركة من يخوض معركته الأخيرة. عن سيرغي ستروكان، "كومرسانت" الروسية، 8/6/2007