قبل 15 سنة، كان مؤيدو الضريبة الثابتة يعرضون الكثير من النظريات الداعمة والقليل من البيانات الواضحة. ودافع ميلتون فريدمان عن الضرائب الثابتة، لكن المؤسسة السياسية تجاهلت إلى حد بعيد هذه الجهود. وكان لهونغ كونغ ضريبة ثابتة، لكن النقاد رأوا أنها كانت حالة خاصة إلى حد ما. وفرض اقليما جيرسي وغيرنسي البريطانيان ضريبة ثابتة، لكن العالم الخارجي لا يعرف كثيراً عنها بل لا يزال يجهلها إلى حد كبير. العالم اليوم تغير، وبسبب المنافسة الضريبية، هناك 16 دولة تتمتع بأحد أشكال الضريبة الثابتة، ودولتان على وشك الانضمام إلى هذه المجموعة. وباستثناء أيسلندا وموريشوس، فإن كل الدول التي فرضت ضريبة ثابتة جديدة هي جمهوريات سوفياتية سابقة أو دول تابعة للكتلة السوفياتية السابقة، ما يعتبر دلالة على المنافسة الضريبية في المنطقة، ويبين الذين عانوا في ظل الشيوعية أقل عرضة لحرب الكلام الطبقية حول "فرض ضريبة على الأغنياء". وستصبح قائمة الدول التي تفرض ضريبة ثابتة أطول، فهناك ثلاث دول تسعى حالياً إلى الإصلاح الضريبي. وتبدو التوقعات واحتمالات النجاح جيدة في كل من ألبانيا وتيمور الشرقية حيث يلعب صندوق النقد الدولي دوراً في ذلك، على رغم ان البيروقراطية الدولية تدفع نحو معدل ضريبي أعلى، كما هو متوقع، في حين يبدو الوضع أكثر صعوبة في جمهورية تشيخيا لأن الحكومة لا تملك غالبية مطلقة في البرلمان. هذه النتائج تناقض ما جاء في دراسة أجراها صندوق النقد الدولي السنة الماضية وخلصت إلى ما يأتي:"في النظر إلى المستقبل، لا تكمن المسألة في احتمال أن تتبنى دول أخرى الضريبة الثابتة، بل في معرفة امكان تخلي الدول التي تبنتها عنها". لكن الأمر لا يقتصر على إسراع الدول في الانضمام إلى مجموعة الضريبة الثابتة، فأي دولة اعتمدت هذا النظام لم تعد إلى النظام القديم ذي المعدلات التمييزية. وحتى في سلوفاكيا، حيث وصلت إلى السلطة السنة الماضية حكومة اشتراكية - قومية ، حوفظ على نظام الضريبة الثابتة. ويدرك السياسيون المعادون للسوق أن ليس من الحكمة ان"تذبح الإوزة التي تبيض ذهباً". ولا يقتصر الأمر فقط على تبني مزيد من الدول الضريبة الثابتة، لكنها تتنافس الآن لخفض معدلات الضريبة. ان ثورة الضريبة الثابتة رافقها الكثير من الإنجازات ذات المغزى: أولاً، حوافز أقوى نحو سلوك إنتاجي. وفي شكل عام، تعني معدلات الضريبة الثابتة دائماً معدل ضريبة أدنى على العمل والادخار والاستثمار والأخطار والأعمال. ثانياً، تشجيع تراكم رأس المال. وكما لوحظ، فإن القليل من الأنظمة الضريبية الثابتة، ان وجدت، تصل إلى الهدف الذي يدور حول إلغاء كل الضرائب التمييزية على الدخل الذي يُدّخر ويستثمر. لكن، قام معظمها بخفض العقوبة الضريبية على رأس المال. ثالثاً، تسوية العبء الضريبي. إذ قامت بعض الدول مثل سلوفاكيا واستونيا وهونغ كونغ بعمل أفضل من غيرها، لكن معظم أنظمة الضريبة الثابتة تتضمن خفضاً في الأفضليات الخاصة التي تشوه قرارات السوق وتسبب عدم الكفاءة الاقتصادية. يبين تنامي مجتمع دول الضريبة الثابتة أن من الممكن التغلب على اعتراضات حرب الطبقات. ومن المحتمل ان تكون العولمة العامل الكبير وراء ذلك منذ أدرك السياسيون، في شكل متزايد، ان أنظمة الضريبة التأديبية تؤدي إلى تدفق الوظائف والاستثمارات على الأمم التي لديها قوانين وأنظمة ضريبية أفضل. هذا السيناريو يبعث على السرور، لكن لا تزال هناك عقبات كبيرة أمامه. أهمها البيروقراطية الدولية التي تشكل عائقاً أمام الإصلاح الضريبي، لأنها غالبا ما تعطي مشورة سيئة وتسعى تحديداً إلى إحباط المنافسة الضريبية. فعلى سبيل المثال، لدى منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية"مشروع الممارسات الضريبية الضارة"والذي كان يسمى أصلاً، وفي شكل غير حكيم،"المنافسة الضريبية الضارة" يسعى إلى إعاقة تدفق اليد العاملة ورأس المال من الدول ذات الضرائب المرتفعة إلى تلك ذات الضرائب المنخفضة. وتدرك المنظمة أهمية هذه المسألة بالنسبة الى مؤيدي التدخل الحكومي: إذ لاحظت في تقرير صدر في عام 1998، ان المنافسة الضريبية"قد تعيق تطبيق معدلات الضرائب التصاعدية وتحقيق أهداف إعادة التوزيع". في الواقع، يجري حالياً صراع عالمي. فمن جهة، هناك القوى المؤيدة للسوق التي تُقوّم المنافسة الضريبية كقوة دافعة من أجل الوصول إلى سياسة ضريبية أفضل. والثورة العالمية للإصلاح الضريبي هي أحد الأعراض التي تبين كيف تدفع العولمة السياسة العامة في الاتجاه الصحيح. ومن الجهة الأخرى، هناك البيروقراطيات الدولية مثل منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية يعارض أيضاً كل من المفوضية الأوروبية والأممالمتحدة المنافسة الضريبية. وتؤكد هذه البيروقراطيات حقها في إملاء ما يسمونه"أفضل الممارسات"بطريقة يمكنها ان تتحكم في أنواع السياسة الضريبية التي يمكن اعتمادها من جانب سلطة الاختصاص. على افتراض ان التطورات السياسية وبخاصة في الولاياتالمتحدة لا تغير ميزان القوى لمصلحة دول الرفاه في أوروبا، ستستمر المنافسة الضريبية بالازدهار ولن تتحقق أبداً"منظمة تعاون وتنمية اقتصادية للسياسيين". وأيسلندا الدولة الوحيدة من دول"العالم الأول"التي اعتمدت الضريبة الثابتة حتى الآن. ولكن ربما هي مجرد مسألة وقت قبل ان يؤدي التنافس الضريبي إلى إيجاد سياسة ضريبية جيدة في بقية دول أوروبا وحتى في الولاياتالمتحدة. * خبير في السياسة الضريبية في"معهد كيتو"في واشنطن. والمقال برعاية "مصباح الحرية" www.misbahalhurriyya.org