أمير منطقة تبوك يستقبل سفير جمهورية أوزبكستان لدى المملكة    بيئة تبوك تقيم معرضاً عن المضادات الميكروبات    تعليم جازان يحتفي باليوم العالمي للطفل    إحباط تهريب 939 كجم من الحشيش و82 ألف قرص مخدر    جامعة الملك خالد تنظم زيارات لطلابها للمراكز والمعالم الثقافية والأثرية    مستشفى أحد رفيدة يُنفّذ "الأسبوع الخليجي للسكري"    رافضاً الإفصاح عن معلومات.. هوكشتاين: نمشي خطوة خطوة    ماذا سيواجه أطفال 2050؟    عبدالعزيز بن سعد بن يستقبل مدير مرور منطقة حائل السابق والمعين    وزراء داخلية الخليج يعززون التعاون الأمني المشترك في اجتماعهم ال41 بالدوحة    العيسى يستقبل باحثين ومُتخصصِّين بالشؤون السياسية والعلاقات الدولية بمجلس العلاقات الأمريكية الخارجية    وصول الدفعة الأولى من ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة والزيارة للمدينة المنورة    «السعودية للكهرباء» شريك استراتيجي في النسخة الثانية من منتدى المحتوى المحلي    هتان السيف: جاهزة لمواجهة الجزائرية ليليا عثماني.. والجمهور سبب قوتي    دراسة تقول إن كرة القدم الاحترافية لا تشهد تطبيق معايير السلامة المطلوبة    أمير الرياض يرأس الاجتماع السنوي الثاني للمحافظين ومسؤولي إمارة المنطقة    وزير العدل يبحث مع رئيس مؤتمر لاهاي للقانون الدولي الخاص سبل تعزيز التعاون    بعد صواريخ «أتاكمز».. أمريكا تدعم أوكرانيا بألغام مضادة للأفراد    نائب أمير الشرقية يستقبل مدير عام التعليم    وزير الدولة للشؤون الخارجية يستقبل نائب وزير خارجية جمهورية طاجيكستان    المرأة السعودية أثبتت كفاءتها في سوق العمل وارتفعت نسبة تقلدها للمناصب القيادية    NHC تطلق مشروعًا تعليميًا في وجهة خزام بمعايير عالمية بالشراكة مع مجموعة مدارس الرياض    المملكة ترسّخ ريادتها "الإنسانية" باستضافة مؤتمر "التوائم الملتصقة"    استخدام الجوال أثناء قيادة المركبة يتصدّر مسببات الحوادث المرورية في المدينة    استشهاد وفقد 20 فلسطينياً في قصف إسرائيلي على منزل بمخيم جباليا    ارتفاع أسعار الذهب    دراسة التوجهات الدولية في العلوم والرياضيات والمعروف ب TIMSS    «الموانئ» للشركات المتعاقدة: التزموا ببطاقات تشغيل الشاحنات    «الوظائف التعليمية»: استمرار صرف مكافآت مديري المدارس والوكلاء والمشرفين    السواحة: ولي العهد صنع أعظم قصة نجاح في القرن ال21    نائب أمير جازان يطلع على جهود تعليم جازان مع انطلاقة الفصل الدراسي الثاني    تحالف ثلاثي جامعي يطلق ملتقى خريجي روسيا وآسيا الوسطى    مصير «الأخضر» تحدده 4 مباريات    الرومانسية الجديدة    واعيباه...!!    الشؤون الإسلامية في جازان تقيم عدد من الفعاليات التوعوية والتثقيفية وتفتح فرصاً تطوعية    فرص تطوعية لتنظيف المساجد والجوامع أطلقتها الشؤون الإسلامية في جازان    رهانات زيارة ماكرون للمملكة العربية السعودية    خبر انطلاق منتدى مكة لريادة الأعمال وحفل التدشين    كلب ينقذ سائحاً من الموت    إدارة الخليج.. إنجازات تتحقق    المعداوي وفدوى طوقان.. سيرة ذاتية ترويها الرسائل    القراءة واتباع الأحسن    جمع الطوابع    في مؤجلات الجولة الثامنة بدوري يلو.. النجمة في ضيافة العدالة.. والبكيرية يلتقي الجندل    تعزيز البنية التحتية الحضرية بأحدث التقنيات.. نائب أمير مكة يستقبل رئيس الشؤون الدينية    صدور موافقة خادم الحرمين الشريفين.. استضافة 1000 معتمر من 66 دولة    نجوم العالم يشاركون في بطولة السعودية الدولية للجولف بالرياض    25% من حوادث الأمن السيبراني لسرقة البيانات    مراحل الحزن السبع وتأثيرتها 1-2    الاستخدام المدروس لوسائل التواصل يعزز الصحة العقلية    تقنية تكشف أورام المخ في 10 ثوانٍ    نائب أمير مكة يستقبل رئيس الشؤون الدينية بالمسجد الحرام والمسجد النبوي    محافظ الطائف يستقبل الرئيس التنفيذي ل "الحياة الفطرية"    مجمع الملك فهد يطلق «خط الجليل» للمصاحف    أمير تبوك يستقبل المواطن ممدوح العطوي الذي تنازل عن قاتل أخيه    وزير الدفاع ونظيره الفرنسي يبحثان آفاق التعاون العسكري    لبنان نحو السلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ألف وجه لألف عام - فرويد في رسالة الى أينشتاين : الثقافة وحدها تمنع الحروب
نشر في الحياة يوم 04 - 05 - 2007

في سنة 1932، نظمت "عصبة الأمم" وهي المنظمة التي كانت، منذ نهاية الحرب العالمية الأولى، أول تنظيم لأمم العالم، وكانت لاحقاً سلف منظمة الأمم المتحدة، حلقة خطابات متبادلة بين كبار مفكري العالم، مطلوب منها أن تساهم في خير البشرية عبر تبادل الأفكار. وكان من بين المفكرين الذين اقترحت عليهم العصبة تبادل الخطابات والأفكار مؤسس التحليل النفسي سيغموند فرويد من ناحية، والعالم ألبرت أينشتاين من ناحية ثانية. ولسوف يكون السؤال"لماذا الحرب؟"العنوان العام لذلك التبادل، علماً أن الخطاب الأول جاء من مكتشف نظرية النسبية الذي بعث الى فرويد رسالة يقترح عليه فيها أن يكون التبادل بينهما متعلقاً بمسألة ما يمكن فعله بغية حماية الإنسانية من لعنات الحرب. يومها بعد شيء من التردد استجاب فرويد الى الدعوة وقرر خوض النقاش على طريقته. والرسالة الرد التي كتبها فرويد يومها، نشرتها عصبة الأمم في العام 1933، في لغات ثلاث هي الألمانية لغة الكتابة والفرنسية والانكليزية، ثم راحت ترد منذ ذلك الحين في ثنايا الأعمال الكاملة لفرويد تحت عنوان"لماذا الحرب؟". وفي العربية أوردها سمير كرم، كواحد من فصول كتاب أصدره، عن"دار الطليعة"في بيروت، سنة 1977، تحت عنوان"أفكار لأزمنة الحرب والموت". وهذا النص الفرويدي، هو دائماً من الأهمية، بحيث يبدو لنا من المفيد العودة إليه والتذكير به دائماً لعل في العودة فائدة ما، لنص كتبه عالم كبير عرف الكثير عن الغرائز البشرية، وربط الحرب بتلك الغرائز، من دون أن ينكر أبداً دوافعها السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية، موجهاً إياها الى عالم آخر، لم يكف هو أيضاً عن مناهضة الحرب، كل حرب بوصفها مجرد قتل وتدمير لا تكسب منها الإنسانية شيئاً في نهاية الأمر مهما كانت هوية المنتصر أو المهزوم.
يلفت فرويد في نصه الى أن مكاتبه يبدأ حديثه بالإشارة الى العلاقة بين الحق والقوة، وهو يثني على هذه البداية، لكنه يتساءل عما إذا لم يكن من الأجدى إبدال كلمة"القوة"بكلمة"العنف"لأنها أكثر جسارة وفظاظة؟ ويضيف:"إن الحق والعنف يبدوان لنا اليوم كنقيضين. وعلى ذلك فإنه يمكن ان نبين بسهولة ان الواحدة منهما نشأت عن الأخرى". ويقول فرويد:"إنه لمبدأ عام ... ان صراعات المصالح بين الناس تسوى باستخدام العنف. هذا صحيح للمملكة الحيوانية بأسرها، وهي المملكة التي لا يملك الناس استبعاد أنفسهم منها". ومنذ البداية، يؤكد فرويد"في قطيع بشري صغير كانت القوة العضلية الأكثر تفوقاً هي التي تقرر من يملك الأشياء، وإرادة من هي التي ستسود". ولكن سرعان ما أضيفت الأدوات الى القوة العضلية، قبل أن تحل الإدارات محل تلك القوة."فالفائز بات من يملك الأسلحة الأفضل أو من يستخدمها في شكل أكثر مهارة". ويلفت فرويد هنا الى انه"من اللحظة التي أدخلت فيها الأسلحة أي الأدوات بدأ التفوق يحل فعلاً محل القوة العضلية. ومع هذا بقي الغرض النهائي من القتال كما هو: إجبار طرف طرفاً آخر على التخلي عن طلبه أو وقف مسيرته بفعل الدمار الذي يلحق به، وبفعل شل قوته. وهذا الغرض يتحقق بالكامل إذا أباد عنف المنتصر خصمه بصفة نهائية، أي بعبارة أخرى إذا ألغى وجوده أي قتله. وكانت لهذا ميزتان أولاهما أن الخصم يصبح غير قادر على تجديد تصديه لإرادة المنتصر، وثانيتهما ان قتل العدو كان يشبع ميلاً غريزياً .... ناهيك بإمكان أن نضيف الى هذا كله"ان العدو يمكن ان يستخدم في إنجاز خدمات مفيدة للمنتصر إذا ترك حياً في حال من الخوف المستديم". وتلك كانت، بالنسبة الى فرويد"البداية الأولى لفكرة الإبقاء على حياة العدو. ولكن، بعد ذلك، كان يتعين على المنتصر أن يعالج تعطش خصمه المهزوم الى الانتقام...".
وبعد هذه المقدمات يستعرض فرويد تاريخ الجنس البشري ليستخلص انه يكشف"سلسلة لا نهاية لها من الصراعات بين جماعة، أو جماعات، وأخرى... بين وحدات أكبر وأصغر... كانت تسوى دائماً بقوة السلاح"، مستخلصاً، انطلاقاً من التجربة التاريخية ان"الحروب من هذا النوع تنتهي دائماً إما بالإضرار بأحد الأطراف أو إسقاطه نهائياً". ويرى فرويد أننا إذا عدنا الى أزمنتنا الحاضرة، على ضوء ذلك الواقع التاريخي الذي يصف تبدلات الأمم والإمبراطوريات والجماعات وحلول واحدة منها، مكان الأخرى، ستتوصل الى النتيجة نفسها وهي"أن الحروب لن تمنع إلا إذا اتحدت الإنسانية في إقامة سلطة مركزية يسلم إليها حق إصدار الحكم على كل الصراعات بين المصالح"وينطوي هذا في رأي فرويد، على ما يبدو لنا بديهياً في علم السياسة:"خلق سلطة عليا وتزويدها بالقوة الضرورية"، علماً أن أياً من هذين لن تكون له أية قيمة من دون الآخر...
وبعد هذا الحديث السياسي، الذي يبدو فيه فرويد وكأنه يلتزم بالغرض الأساس الذي يقف وراء المشروع ككل، كما للنص الوارد في رسالة أينشتاين، نرى مؤسس التحليل النفسي يعود الى صحة الأساس: الحديث عن الغريزة البشرية وعن اختيار الحرب كوسيلة للبقاء أو للسيطرة. فهو ما كان في إمكانه أن يختم نصه من دون أن يطل على هذه المسألة. ومن هنا يقول مخاطباً أينشتاين:"... انك تعبر عن دهشتك إزاء حقيقة أنه من اليسير للغاية جعل الناس متحمسين للحرب، وتضيف، شكك بأن هناك شيئاً ما يفعل فعله فيهم غريزة الكراهية أو التدمير يقطع نصف الطريق للالتقاء مع جهود مثيري الحروب". وهنا يستميح فرويد أينشتاين عذراً، ليرسم له جزءاً من أفكاره التي قادته الى هذا الاستنتاج فيقول:"يذهب فرضنا الى ان الغرائز الإنسانية من نوعين فحسب: غرائز تسعى للحفاظ على النوع والتزواج التوحيدي ونسميها غرائز شبقية، بالضبط بالمعنى الذي يستخدمه أفلاطون في محاورة"المائدة"ونسميه نحن غرائز جنسية، مع مد نطاق الشعور الشائع للجنسية عن قصد -، وغرائز أخرى تسعى الى التدمير والقتل والتي نصنفها معاً على انها غرائز عدوانية أو تدميرية. وما هذا كما ترى سوى إيضاح نظري للتعارض المألوف بين الحب والكراهية.... ويرى فرويد أن ظواهر الحياة تنشأ من عمل النوعين معاً، حيث دائماً ما يكون النوع مصحوباً بالنوع الآخر". والحال أن هذه المقدمات الجديدة هي التي قادت فرويد الى الافتراض، أخيراً، بأن الغريزة التدميرية تعمل داخل كل كائن حي وهي تكون"من أجل تحطيم الحياة وردّها الى حالها الأصلية، حال المادة غير الحية. ومن هنا فإنها تستحق أن تسمى غريزة الموت، بينما تمثل الغرائز الشبقية/ الجنسية الجهد من أجل الحياة. وفي هذا السياق، لا يفوت فرويد أن يرى ان المخلوق الحي إنما يرى دائماً انه يحافظ على حياته الخاصة من طريق تدمير حياة خارجية".
وفي النهاية إذ يربط فرويد إفلات الإنسان من الغرائز التدميرية بفعل الثقافة فيه، لأن الثقافة تفعل قبل أي شيء آخر، في مجال تقوية العقل الذي يتحكم في الحياة الغريزية، محدثاً انعطافة أساسية في وجود الدوافع العدوانية. ويتساءل فرويد: إذا كان الذين يحوزون الثقافة والعقل يتحولون الى بشر مساكين،"كم من الوقت يتعين علينا أن ننتظر قبل أن يصبح باقي البشر مسالمين أيضاً؟". في ذلك الحين لم يحر فرويد جواباً على هذا السؤال، لكنه أضاف:"قد لا يكون من قبيل التفكير الطوباوي أن نأمل بأن يؤدي الموقف الثقافي من ناحية، والفزع المبرر من عواقب الحرب من ناحية ثانية، الى وضع نهاية لشن الحروب"أما بأية سبل وعلى أية خطوط جانبية سيتم هذا الأمر"فذلك أمر لا قبل لنا بتخمينه. ولكن شيئاً واحداً يمكننا أن نقوله: ان كل ما يدعم نمو الثقافة يفعل في الوقت نفسه ضد الحرب".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.