هل نعيش أو أعيش أنا حتى نرى ديك تشيني يحاكم مع أركان المحافظين الجدد بتهمة دفع الولاياتالمتحدة الى حرب غير مبررة على العراق قتل فيها مليون عراقي، وشرد ملايين غيرهم داخل العراق وخارجه؟ الشاعر قال: من عاش بعد عدوه/يوماً فقد بلغ المنى. وليس لي عدو شخصي، نائب الرئيس الأميركي أو غيره، إلا أن تشيني عدو العرب والمسلمين، وعدو شعب العراق، وإذا حوكم بتهمة ارتكاب جرائم حرب، تصل الى درجة إبادة الجنس أكون وأهالي الضحايا بلغنا المنى، مع ايضاحي أنني أتمنى العدالة لشعب العراق، ولا أطلب شيئاً لنفسي. طالبت غير مرة بمحاكمة تشيني، ولست وحيداً، فهناك ألف حملة تطالب بمحاكمته، وهناك دعوات لعزله، وصلت الى الكونغرس نفسه. اليوم أعود الى الموضوع لأنني أعتقد بأن هناك أدلة كافية على جريمة تشيني وعصابة الحرب، فكتاب جورج تنيت، الرئيس السابق لوكالة الاستخبارات المركزية، يمثل المسمار الأخير في نعش كذب ادارة بوش. تنيت الذي بقي على رأس الوكالة سبع سنوات شهدت ارهاب 11/9/2001 والحرب على افغانستان ثم العراق، خرج عن صمته بكتاب عنوانه"في عين العاصفة"يقدم أدلة كافية تدين تشيني وبول وولفوفيتز وريتشارد بيرل ودوغلاس فايث ولويس ليبي، وآخرين، وتربط العصابة مباشرة بنائب الرئيس الذي أقنع بضرورة الحرب رئيساً جاهلاً تهرّب من الخدمة العسكرية ليصبح القائد الأعلى للقوات المسلحة الأميركية، أي أقوى جيش في العالم. تنيت يقول ان عصابة الحرب قررت فور وقوع الارهاب ضد مركز التجارة العالمي في نيويورك والبنتاغون في واشنطن، أن العراق مسؤول ويجب أن يدفع الثمن. الكتاب ومقابلة تلفزيونية الأحد الماضي يوفران المعلومات التالية: - بعد يوم من ارهاب 11/9/2001 رأى تنيت بيرل، وكان رئيس مجلس سياسة الدفاع، فقال هذا إن العراق يجب أن يدفع ثمن ما حدث أمس، هم مسؤولون. ورد تنيت أن معلوماته تقول إن"القاعدة"مسؤولة ولا شيء فيها عن العراق. - تنيت أبلغ كوندوليزا رايس، وكانت رئيسة مجلس الأمن القومي، في صيف 2001، ان معلومات الاستخبارات هي أن"القاعدة"ستشن سلسلة هجمات هائلة على أهداف داخل الولاياتالمتحدة، إلا أن رايس كلفت مسؤولين من الدرجتين الثانية والثالثة متابعة الموضوع. - تشيني حمّل العراق المسؤولية منذ اليوم الأول، وخطابه في المحاربين القدامى في 26/8/2002 سأعود اليه بعد أيام أكد أن العراق استأنف برنامجه النووي وأنه يملك أسلحة دمار شامل. ونجح تنيت بعد ستة أشهر في منعه من تكرار التهمة في خطاب جديد بعد أن أكد للرئيس أن لا معلومات لدى الاستخبارات تظهر وجود علاقة مع"القاعدة"، أو أن العراق يمثل خطراً على الولاياتالمتحدة. أتوقف هنا لأذكّر القراء بأن بيرل حليف وولفوفيتز منذ أيامهما الأولى في العمل الحكومي، وأن بيرل كان من المحافظين الجدد الذين وقعوا دراسة رفعت الى بنيامين نتانياهو، رئيس وزراء اسرائيل، سنة 1996 تدعو الى حرب على العراق. وقد عمل وولفوفيتز مع فايث لتقديم معلومات استخبارات بديلة تزعم وجود علاقة مع"القاعدة"، وبرنامج نووي عراقي. وكان حليف هؤلاء ليبي، مدير مكتب تشيني في حينه، الذي دين في قضية عميلة الاستخبارات فاليري بلامي. أتوقف هنا لأقول إن كلام تنيت عن عمل تشيني لحرب على العراق يكاد يكون تكراراً حرفياً لتجربة مع وزير الدفاع السابق دونالد رامسفيلد رواها ريتشارد كلارك، رئيس مكافحة الاستخبارات السابق، في كتابه"ضد كل الأعداء"قبل ثلاث سنوات، فهو أيضاً فوجئ بأن رامسفيلد دعا الى حرب على العراق بعد ارهاب 11/9/2001 مع أن كل معلومات الاستخبارات كانت تربط"القاعدة"لا العراق، بذلك الارهاب. تنيت يقول بوضوح في كتابه إن ادارة بوش لم تدرس خطة الحرب، ولم تناقش موضوع ادارة العراق بعد الحرب، فأركان الادارة كانوا عقدوا العزم على مهاجمة العراق، ولم يكونوا يريدون أي معلومات تعارض خططهم. يفترض بعد نشر معلومات تنيت أن يجتمع الكونغرس لبدء خطوات عزل الرئيس، فجريمة العراق أهم من ممارسة سلفه الجنس مع مونيكا لوينسكي، ويفترض كذلك بدء اجراءات قانونية ضد ديك تشيني وعصابة الحرب بتهمة القتل، قتل مليون عراقي و 3400 جندي أميركي، ومئات الجنود الآخرين من"التحالف"المزعوم، والمتعاقدين الأجانب وغيرهم. إلا أن شيئاً من هذا لم يحدث بل ان الرئيس بوش ونائبه تشيني وبّخا الكونغرس لأن الأعضاء يريدون ربط الموافقة على النفقات العسكرية بجدول زمني لانسحاب القوات الأميركية من العراق. وكان الرئيس بوش قال حرفياً في 20 من الشهر الماضي أمام طلاب مدرسة ثانوية في ميشيغان"يوماً بعد يوم، وحياً بعد حي، تحقق القوات الأميركية تقدماً تراكمياً في بغداد". ولم ينته الشهر حتى كانت وزارة الخارجية الأميركية نفسها تقول إن الهجمات الارهابية ضد المدنيين زادت في 2006 عنها في 2005 بشكل كبير، وكان للعراق وأفغانستان وحدهما 29 في المئة من مجموع الارهاب في العالم. وفي اليوم نفسه أعلنت القيادة الأميركية في العراق إن القتلى من الجنود الأميركيين خلال نيسان ابريل تجاوز مئة جندي، وهو أعلى رقم شهري منذ 2003. إدارة بوش مسؤولة عن كل هذه الجرائم، وفي حين يستطيع جورج بوش أن ينجو بحجة الجهل والغباء، فإن جناية تشيني وعصابته ارتكبت عن سابق تصور وتصميم والأدلة تكفي وتزيد لمحاكمة أرجو أن أعيش لأراها.