جدد رئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة طرح مبادرته لحل الأزمة اللبنانية عبر تشكيل حكومة وطنية توزع الحقائب فيها وفقاً لحجم الكتل النيابية، شرط التوافق على برنامج تنفيذي لمقررات الحوار الوطني والنقاط السبع، وبرنامج باريس -3، مشدداً على اجتثاث الارهاب وحماية الفلسطينيين. وتوجه السنيورة الى اللبنانيين بكلمة في الذكرى السابعة للتحرير التي تحل اليوم، ضمنها مواقفه من كل الأمور التي تشهدها الساحة اللبنانية سياسة وأمناً. وقال: "تحل الذكرى السابعة لتحرير الجنوب العزيز من قوات الاحتلال الإسرائيلي مختلفة عن مثيلاتها في السنوات الست الماضية، وذلك لثلاث نواح: الأولى أنه كان على لبنان في تموز يوليو من السنة الماضية أن يخوض مرة أخرى، تجربة التصدي والمقاومة في وجه عدوان إسرائيلي غاشم خلَّف ضحايا أعزّاء، ودماراً كبيراً في الجنوب وضاحية بيروت، وسائر أنحاء لبنان. والثانيةُ أنّ الجيش الوطني اللبناني انتشر في جنوبلبنان، لحماية أهله، وحدوده، وهو أمر ما كان متوافراً طوال أكثر من ثلاثة عقود. والثالثةُ أننا نتقدم في ملف تحرير مزارع شبعا، ووضعها تحت عهدة الأممالمتحدة، تخليصاً لها من الاحتلال الغاشم وإعادتها إلى حضن الوطن، وأملاً بأن تبادر الشقيقةُ سورية للتعاون في وضع السيادة اللبنانية على تلك البقعة العزيزة من أرض لبنان موضع التنفيذ من خلال ترسيم الحدود بين البلدين الشقيقين". وأوضح السنيورة أن"أعمال المقاومة وتضحيات المقاومين، وصمودُ أهلنا في الجنوب المقاوم، وكذلك صمود شعبنا اللبناني الأبي منذ انطلاق الشرارة الأولى للتصدي للعدو المحتلّ، أدت الى الانسحاب الإسرائيلي عام 2000، وشكل ذلك كله خطوة كبيرة باتّجاه حسم الصراع على الأرض والسيادة لمصلحة لبنان". وأضاف:"كذلك الأمر في حرب تموز، حين وقف اللبنانيون جميعاً سواعد متضامنة، وإرادة واحدة، كما وقفوا منذ أواخر الأربعينات، صوناً لأرضهم وكرامتهم وإنسانهم، ومشاركة في تحمل أعباء الصراع العربي مع العدو الإسرائيلي على فلسطين، والذي خاض الجيش اللبناني الفتي آنذاك معركته الأولى إلى جانب أشقائه العرب عام 1948". وقال السنيورة:"أمامنا اليوم وغداً وبعد غد ثلاثة تحديات: تحدّي استكمال تحرير الأرض، وتمكين جيشكم الوطني من حماية الحدود الدولية مع فلسطين المحتلّة، وصون أجواء لبنان وحدوده البرية والبحرية، وأمامنا التحدي الآخر، تحدّي إزالة آثار العدوان برفع الأضرار، والتعويض على اللبنانيين الذين تحملوا مآسي الاجتياح والاحتلال وكذلك العمل على إعادة الإعمار، ونشر سلطة الدولة اللبنانية وحدها كاملة غير منقوصة على أرضها. وأمامنا التحدي الثالث، تحدّي تحقيق الأمن الوطني، والسلام الوطني، والنهوض الوطني، والذي تؤشر إلى أهميته وخطورته أحداث الشمال الأخيرة ضد الجيش اللبناني وقوى الأمن، والتفجيرات وأعمال الاعتداء في بيروت وغيرها، والتي تنال من حياة وأمان المدنيين اللبنانيينوالفلسطينيين". وأكد السنيورة:"في هذا الموضوع، يهمني أن أشدد على أن اللبنانيين وبعد تجاربهم المرّة طوال السنوات الماضية، استقر خيارهم على الدولة المدنية الديموقراطية وأداتها الأمنية الشرعية - أي الجيش الوطني وقوى الأمن الداخلي وباقي الأجهزة - وفي هذا لا يمكننا، ولن نقبلَ المسَّ بهيبة الدولة والجيش والمؤسسات، لكن كل ذلك على قاعدة الحفاظ على القانون وحسن تطبيقه على المواطنين اللبنانيين وعلى المقيمين". وقال:"سمعت خلال الأيام الماضية كلاماً كثيراً وتحريضاً ظالماً وتعبئة مغرضة، هدفها القول إن الدولة اللبنانية والجيش اللبناني أو الحكومة اللبنانية تستهدف اللاجئين الفلسطينيين في لبنان أو الشعب الفلسطيني. والحقيقة أن الجيش اللبناني كان ضحية عدوان مجرم قامت به منظمة إرهابية تنتحل صفة الإسلام والدفاع عن فلسطين". وأكد"أن الفلسطينيين في لبنان في المخيمات وخارجها، اخوتنا ونحن نتقاسم معهم منذ النكبة مرَّ العيش قبل حلوه. فلا يجرّبن أحد أن يدخل بين الدولة اللبنانية، وبين الشعبين اللبنانيوالفلسطيني في لبنان. هم اخوة لنا أعزاء وسيبقون كذلك في شتى الظروف. لكن علينا أن نكون واضحين في فصلنا بين منظمة إرهابية حاولت التسلق على عذابات الشعب الفلسطيني ونضاله، وبين إخواننا في المخيمات". وتابع السنيورة:"بالنسبة إلينا، الفصل واضح وجلي، الإرهاب سنعمل على اجتثاثه وضربه، أما إخواننا في المخيمات فسنعمل كما عملنا وأكثر على احتضانهم وحمايتهم. وستستمر الدولة اللبنانية بأجهزتها وإداراتها كلها في تعزيز مسيرتها لمعالجة صادقة وفاعلة للمسائل العالقة والتي جرى تحديدها في علاقة الاخوة الفلسطينيين مع الدولة اللبنانية، وكذلك في تحسين مجالات وظروف عيشهم وإقامتهم الموقتة في لبنان إلى أن يعودوا إلى ديارهم، وعلى ذلك لن يكون هناك استهداف ولن تكون هناك فتنة أو خصام بين اللبنانيينوالفلسطينيين". وأوضح السنيورة أن"هذه التحديات لا يمكن النجاح فيها إلا بالتوحد والتضامن كما كان عليه الأمر دائماً في وجه العدو الإسرائيلي، وفي وجه الجهات التي تريد زعزعة الأمن وقتل اللبنانيين وتيئيسهم". وأضاف:"قمنا معاً بالمهمة الأصعب، علينا أن ننهض بالمهمتين الكبيرتين الباقيتين، مهمة إعادة الإعمار، ومهمة تحقيق الأمن الوطني، والنهوض الوطني، مجمعين على ذلك قولاً وفعلاً، ومصممين على الدفاع عن الوحدة بين اللبنانيين، محافظين بذلك على أهم صيغة للعيش المشترك شكّلت نموذجاً لم يعد فقط حاجةً للبنان واللبنانيين بل هو حاجة عربية وإسلامية ودولية". وتابع السنيورة:"أخرجتنا التجارب المرة، وأخرجنا التصدي الشجاع لإرهاب العدو، من أمرين اثنين تحكما لعقود وعقود في حياة الوطن والمواطنين: خرجنا من النزاعات الداخلية المسلحة، وخرجنا من الخوف من عدوان إسرائيل. ويكون علينا بالمسؤولية العالية، وبالرحابة التي عرف بها اللبنانيون، وبالحكمة التي اتسم بها شيوخهم وكبارهم، وبالحب والحرص الذي عرفناه من الأشقاء والأصدقاء على لبنان، بهذه القيم السامية كلها، يكون علينا أن نخرج من الانقسام السياسي، ومن ارادات الآخرين في إبقاء لبنان ساحةً للصراعات والمصالح والمحاور الإقليمية والدولية البعيدة عن مصالح لبنان العربي السيد الحر المستقل"، مشدداً على أن"ذلك لا يكون إلا بالاستظلال بالدولة، والمشاركة في النظام الديموقراطي وآلياته، وتفعيل المؤسسات الدستورية التي بنيناها معاً بالدم والجهد وبالإرادة الوطنية الجامعة، والوفاء للبنان". وقال السنيورة:"في ظل الأزمة الحاضرة والمخاطر التي تنذر بها وتهدد لبنان والمنطقة، أريد أن أكرر مبادرتي من أجل الوفاق الداخلي على أساس الخيارات الوطنية التي تحفظ لبنان وسلامة أراضيه ووحدته وتصون عروبته ونظامه الديموقراطي وحرياته، وتحقق الأمن السياسي والاجتماعي، والوفاق المذكور لا يتحقق من دون حوار جدي ومكثف في المجلس النيابي يحدد البرنامج التنفيذي للسياسات والخيارات التي أجمع عليها اللبنانيون وذلك في ضوء الالتزام بأحكام اتفاق الطائف واستكمال تنفيذ بنوده". وتابع:"إن هذه المبادرة تشمل الاتفاق على برنامج تنفيذي لما تم التوافق عليه بالإجماع بشأن: قرارات الحوار الوطني، وبرنامج النقاط السبع، والتوافق على ما تضمنه مؤتمر باريس-3، وهو ما سيمكننا من السير في طريق الإصلاح الذي يضمن استعمالاً أفضل لمواردنا البشرية والمادية ويضمن لاقتصادنا النمو المستدام ولإنساننا عيشاً أحسن". وأكد أن"الاتفاق على برنامج تنفيذي كهذا سيشكل القاعدة الضرورية المتينة لقيام حكومة وحدة وطنية في هذه الظروف الاستثنائية بحيث تتوزع المقاعد الوزارية فيها وفي هذه الحالة بنسبة ما تتمتع به القوى السياسية المختلفة الممثلة في المجلس النيابي. ومن البديهي أن الحوار المطلوب، وهو القاعدة التي تقوم عليها حكومة الوحدة الوطنية، يسهم أيضاً في توفير الظروف للإعداد ولمواكبة الانتخابات الرئاسية ضمن المهلة الدستورية المحددة وتوفير أساس صالح لها من خلال رؤية وطنية جامعة". وقال السنيورة:"لن نستسلم لإرهاب المسلحين تحت أي عنوان اختبأوا. ولن ترعبنا أعمال التفجير، كما لم ترهبنا أعمال الاغتيال. ورسالتنا الوحيدة اليوم وغداً: الدولة المدنية، والأمن الوطني، والمسؤولية الوطنية والقومية، وحياة الشعب اللبناني ومستقبله، وإنهاء هذه الظواهر الإرهابية والإجرامية، من دون تردد وبأسرع ما يمكن".