على رغم درجة التأهب الأمني من قبل أجهزة الأمن الجزائرية التي اتخذت اجراءات جديدة عبر فرض مزيد من الصرامة على طول المحافظات الكبرى، تحسباً لتصعيد إرهابي محتمل، على خلفية ما شهدته منطقة القبائل أخيراً، واكتشاف عشرات القنابل زرعت في أماكن مختلفة، فإن تنظيم"قاعدة الجهاد في بلاد المغرب الإسلامي"استطاع أن يشن هجوماً ضخماً ونوعياً استهدف مقر رئاسة الحكومة ومركزين أمنيين في باب الزوّار على الأبواب الشرقية للعاصمة الجزائرية. ويريد تنظيم"قاعدة الجهاد في بلاد المغرب الإسلامي"من خلال هذه الهجمات الاستعراضية إعطاء انطباع بقدرته على زرع البلبلة في قلب العاصمة الجزائرية، عبر استهداف مركز الدولة، أي القصر الحكومي، وهو مبنى ضخم من طوابق عدة يعود إلى فترة الاستعمار الفرنسي، ويضم مكاتب رئيس الوزراء ووزارات عدة، بينها وزارة الداخلية، بهدف تحقيق صدى إعلامي واسع هو في أمس الحاجة إليه. وتبنى تنظيم"قاعدة الجهاد في بلاد المغرب الإسلامي"هذه الهجمات، وهي الأولى من نوعها في العاصمة منذ بدء المواجهة مع الجماعات المسلحة في التسعينات. وبدا كما لو أن هذه الهجمات جاءت رداً منه على مقتل 32 عنصراً من التنظيم، أبرزهم"أبو صهيب عبدالرحمن"على أيدي القوات النظامية في منطقة القبائل. وقد أفضت هذه العمليات الى شل نشاط التنظيم المسلح، ودفع بقية خلاياه، التي تمكنت من النجاة من عمليات الحصار التي تقوم بها قوات الجيش، الى تنفيذ هذه التفجيرات الانتحارية لدفع قوات الجيش الى رفع الحصار عن منطقة القبائل. وقد خلفت الحرب الأهلية التي دارت رحاها في الجزائر بين المؤسسة العسكرية وأجهزة المخابرات من ناحية، والجماعات الإسلامية المسلحة من ناحية أخرى، طيلة المرحلة الممتدة ما بين 1992 و2002، ما بين 150 ألفاً و200 ألف قتيل، وإن كان هذا العنف شهد تراجعاً ملحوظاً مع بداية عام 2003. وكانت السلطات الجزائرية درجت منذ عام 2003 على اثبات الروابط بين"الجماعة السلفية للدعوة والقتال"وبين تنظيم"القاعدة"الأم، مقدمة"الأدلة"، ومصدرها الوحيد هو قسم الاستخبارات والأمن أو من هم على علاقة به في الصحافة الجزائرية، بهدف الحصول على دعم مالي وعسكري من واشنطن. وقد سمح هذا الوضع للإدارة الأميركية بإدراج المجموعة السلفية على لائحة"المنظمات الإرهابية". وقد جهدت الأجهزة السرية في الجيش الجزائري، أي قسم الاستخبارات والأمن البالغ النفوذ الأمن العسكري سابقاً كي تقنع الرأي العام الدولي بأن"الجماعة السلفية للدعوة والقتال"مكلفة بانشاء مراكز لتنظيم"القاعدة"في منطقة الساحل الافريقي. وبعد فترة خففت الولاياتالمتحدة الحصار على الأسلحة المتوجهة إلى الجزائر، وأعلنت عن بيعها بعض التجهيزات العسكرية الخاصة بمكافحة الإرهاب. وكان وليم بيرنز، مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط، قد أعلن في أواخر العام 2002 من الجزائر العاصمة أن"على واشنطن أن تتعلم الكثير من الجزائر في مجال الحرب على الإرهاب". وهكذا تحولت الجزائر هدفاً لتنظيم"القاعدة"، وبالتالي حليفة طبيعية للولايات المتحدة، كما كانت مطاردة اسامة بن لادن مبرراً لاحتلال أفغانستان واقامة قواعد عسكرية في آسيا الوسطى المنطقة الاستراتيجية لواشنطن. وهكذا تحولت"الجماعة السلفية للدعوة والقتال"لتشرعن الوجود العسكري الأميركي في الساحل الافريقي الذي بات يصور على أنه قاعدة خلفية محتملة لتنظيم"القاعدة". وفي 2 تشرين الثاني نوفمبر 2006 غيّرت"الجماعة السلفية للدعوة والقتال في الجزائر"اسمها ليصبح"قاعدة الجهاد ببلاد المغرب الإسلامي"، وتكرس ولاؤها لأيمن الظواهري الذي حمّلها بدوره شرف قيادة وتنسيق عمل"القاعدة"الأم في بلاد المغرب العربي، بعدما انضوت تحت لوائها باقي الجماعات الإسلامية المتشددة في البلدان المغاربية، والتي أجمعت على التكاتف والاتحاد! وبعدما قامت بأول تفجيراتها في قرى عدة في منطقة القبائل شرق الجزائر، مؤكدة أن الدور سيكون في المرة المقبلة على دول الجوار وستكون الضربات موجعة أيضاً. ومنذ آذار مارس عام 2004 كان الجنرال تشارلز والد، مساعد قائد القوات الأميركية في أوروبا، يؤكد أن عناصر من تنظيم"القاعدة"يحاولون أن يستقروا في القسم الشمالي من افريقيا، في الساحل وفي المغرب. فهم يفتشون عن ملاذ، كما في أفغانستان حين كانت حركة"طالبان"تتولى الحكم. إنهم بحاجة إلى مكان مستقر كي يتجهزوا ويتنظموا ويجندوا عناصر جديدة. لا شك أن هذه الهجمات لاقت استنكاراً شديداً من مختلف مكونات المجتمع المدني الجزائري، لا سيما الإسلامية منها، إذ أصدرت الأحزاب الجزائرية الموالية والمعارضة بيانات شجبت فيها الهجمات، وأعلنت تضامنها مع الدولة، ودعت الى التحام جميع الفرقاء السياسيين في وجه ما سمته بالهجمة الإرهابية التي تتعرض لها البلاد. ويرى المحللون في شؤون الحركات الإسلامية في منطقة المغرب العربي، أن تنظيم"قاعدة الجهاد في بلاد المغرب الإسلامي"يعاني أزمة حقيقية، بسبب تزايد أعداد"التائبين"الذين تخلوا عن العمل المسلح قصد الاستفادة من سياسة المصالحة الوطنية وتدابير العفو الشامل، وكذا بسبب الضغوط التي تمارسها وحدات الجيش الجزائري على بعض المسالك التقليدية بالمناطق الحدودية مع مالي وليبيا. وقد تحول هؤلاء التائبون إلى"مخبرين"بدرجة امتياز في الفترة الأخيرة، وبالمعلومات الميدانية الدقيقة التي يوفرونها للأجهزة الأمنية، باتوا يهددون أمن عناصر التنظيم المسلح ككل. وكانوا السبب في معظم العمليات الناجحة التي قامت بها قوات الأمن الجزائري، خصوصاً بعد اعتقال عشرة ناشطين تونسيين كانوا في طريقهم إلى الجبال الجزائرية لتلقي تدريب عسكري على أيدي قيادات التنظيم المسلح، وهو ما عزز الانطباع بأن تنظيم"قاعدة الجهاد"قد يكون مخترقاً بشكل يصعب التعامل معه. لقد ترافقت هجمات الجزائر مع الهجمات الانتحارية الجديدة التي تعرضت لها مدينة الدار البيضاء قبل يوم واحد من أحداث الجزائر، والتي قضى فيها أربعة انتحاريين ومفتش شرطة، وخلفت ضحايا وصدمات في صفوف الأهالي. وكانت مصادر أمنية مغربية قالت إن الانتحاري الذي فجر نفسه هو سعيد بلواد، مولود في الدار البيضاء في 1976، وكان ينتمي الى مجموعة من أربعة أشخاص، فجر ثلاثة منهم أنفسهم، واصيب الرابع بالرصاص قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة في المستشفى متأثراً بجروحه. وتعيش الأجهزة الأمنية المغربية حالاً من التأهب القصوى تحسباً لوقوع انفجارات جديدة، وهي تبحث الآن عن عشرة انتحاريين شديدي الخطورة، يعتقد أنهم مختبئون في الدار البيضاء عقب مقتل الأربعة، وهم على استعداد لتفجير أنفسهم كما فعل أولئك. وترى السلطات المغربية أن الإرهابيين الأربعة الذين لقوا حتفهم لم يتمكنوا من تحقيق أهدافهم الدموية بفضل يقظة وحرفية أجهزة الأمن المغربية التي ضاعفت من يقظتها منذ حادث التفجير في مقهى للانترنت في الدار البيضاء في 11 الشهر الماضي من أجل الحيلولة دون تنفيذ مخططاتها. ولم تكن أمام الإرهابيين الذين كانت الشرطة تلاحقهم بعد تحديد أماكن وجودهم من خيار آخر سوى أن يفجروا أنفسهم، بغرض أن يحصدوا معهم أرواح ضحايا أبرياء. وكانت مدينة الدار البيضاء - القلب الاقتصادي للمغرب - شهدت في أيار مايو 2003 تفجيرات عدة في غاية من العنف، أكدت نهاية دورة تاريخية من الموافقة الاجماعية على السياسة القائمة على رفض المواجهات بوساطة العنف في الثقافة السياسية المغربية. ومثلت تلك التفجيرات التي استهدفت مراكز أجنبية وسياحية ومطعماً يهودياً تابعاً للطائفة اليهودية في فيردان، مفاجأة الإسلام السياسي المغربي، إذ أن المغرب لم يشهد في تاريخه السياسي الحديث هجوماً مسلحاً قوياً ومنظماً من العنف داخل المدن. إنه تحد كبير لهيبة الدولة، ولكنه أيضاً للإسلاميين التقليديين، الذين يرفضون اللجوء الى العنف. ويجمع المحللون أن تلك التفجيرات شكلت تحولاً استراتيجياً مهماً، لأنها أطلقت العنان لأول نزاع بين الدولة المغربية الموالية للغرب والتنظيمات الإسلامية المتطرفة، إذ أعلنت الرباط أن بعض الانتحاريين الذين نفذوا التفجيرات مرتبط بتنظيم"الصراط المستقيم"المغربي الإسلامي المحظور والمتعاطف مع تنظيم"القاعدة"بزعامة أسامة بن لادن. هذا الإسلام السياسي المتطرف أصبح موجوداً في المغرب، ويتميز عن"الإسلام الرسمي المشرعن من السلطة"الذي يجسده حزب"العدالة والتنمية"التشكيلة الرئيسية للمعارضة البرلمانية، وكذلك عن تنظيم"العدل والإحسان"الأقل مرونة في مواجهة السلطة. وتؤكد الهجمات التي وقعت في كل من الدار البيضاء وتونس مع بداية هذه السنة، وأخيراً في الجزائر، والتي أوقعت عشرات الضحايا، أن قضية الجهاد لم تعد محصورة في نزاعات طرفية مثل أفغانستان والشيشان أو يوغوسلافيا السابقة، بل إن الاستهداف بات يطاول قلب العالم العربي الإسلامي، فهو يصيب الأردن والسعودية والمغرب والجزائروتونس. إذ تكشف هذه الهجمات أمام العالم تجذر شكل ايديولوجي أصولي جديد وهو"التكفير"الذي لا يكتفي بمحاربة الولاياتالمتحدة أو إسرائيل، بل يدين أيضاً الحكام المسلمين وكل من يقدّم لهم الدعم من قريب أو بعيد. ويلجأ هذا التيار إلى العنف السياسي ضد الدول من أجل ارغامها على"العودة إلى شرع الله والمجتمع النبوي للإسلام الأول"، لا يسعى فقط إلى إطاحة الأنظمة الفاسدة وغير الشعبية، بل إلى تطهير النظام السياسي القائم. وكانت حركة"التكفير والهجرة"قد ظهرت إثر انشقاق في السبعينات في جماعة"الاخوان المسلمين"المصرية لتكون حاملة لأكثر الايديولوجيات دعوة للعنف في العالم الإسلامي ابتداء من التسعينات على وجه الخصوص. وقد مثل هذا التوجه قطيعة مع سائر التيارات الإسلامية النازعة الى المشاركة في الحياة السياسية الشرعية من أجل إقامة الدولة الإسلامية من خلال الانتخاب عند الضرورة. ويطلق على هذه الحركة اسم"السلفية التكفيرية". ويتكون هذا الإسلام السياسي المتطرف في المغرب العربي من جناحين: الأول، جناح"الأفغان المغاربة"الذين قاتلوا مع أحزاب المجاهدين الوجود السوفياتي في أفغانستان، والثاني"السلفيون المجاهدون"الذين جسدوا القطيعة مع المملكة العربية السعودية عشية حرب الخليج الثانية. ويعد بروز هذا الشكل الجديد للإسلام الراديكالي بالطبع من عدد متزايد من الاخفاقات السياسية والايديولوجية، على الساحة العربية عموماً، والساحة المغربية خصوصاً، نهاية العالمثالثية المناهضة للامبريالية الغربية والمدافعة عن حركات التحرر الوطني، وافلاس الأحزاب الاشتراكية العربية ومأزق الحركات الإسلامية المعتدلة، يضاف إليها جميعها عودة أميركا لاحتلال العراق، والدعم المطلق الذي تقدمه لإسرائيل، وقيام الأنظمة العربية بتأميم المرجعيات الدينية الرسمية في العالم العربي كي تخدم الرأاسمالية التابعة. وينتمي المغرب والجزائر إلى دائرة البلدان العربية، حيث أن الحركة الإسلامية تحولت عنصراً رئيسياً من عناصر التركيبة السياسية الحالية في مشهدها السياسي. ولعل الحضور الشعبي الحقيقي للحركات الإسلامية في منطقة المغرب العربي أوسع من نسبة التمثيل التي أتيحت لها، لا سيما في الجزائر والمغرب، إذ أنها تستند الى تيار معارض في الوقت عينه ما زال خارج اللعبة حتى الآن. ويبدو التناقض الصارخ الآن في المغرب العربي بين الرأي العام - الذي أصبح ملتفاً حول الحركة الاسلامية، لا سيما في المدن المتوسطة، والأحياء الفقيرة من المدن الكبرى، حيث تستقر الأجيال الأولى من الريفيين النازحين الى المدينة - وبين الأنظمة المغاربية التي لا تزال تفضل التحالف مع الغرب عامة، والولاياتالمتحدة الأميركية على وجه الخصوص. ولقد أصبح شمال افريقيا في نظر الاسلاميين المتطرفين اقليماً تابعاً للولايات المتحدة يتوجب والحال هذه"تحريره". ينتمي هؤلاء الاسلاميون المتطرفون الى جيل جديد من الأصوليين المنبثقين من مناخ التهميش في أحياء مدن الصفيح المغاربية، التي تستقبل النازحين من الفلاحين الذين لا يملكون أرضاً والمقتلعين من الأرياف الفقيرة، نتاج حركة الرسملة التي عمت البلدان المغاربية منذ عقد السبعينات من القرن الماضي. ويعيش سكان مدن الصفيح هذه من المتاجرة بالممنوع والسرقات والشطارة غير المشروعة. وتقع هذه"الغيتوات"البائسة على مسافة قصيرة جداً من العواصم المغاربية، لا سيما الدار البيضاء: فلا توجد فيها لا مياه جارية ولا مجارير ولا كهرباء فيما المياه المبتذلة السامة والكريهة الرائحة تتجمع في وطأة الحر في الأزقة ليحوم حولها البعوض حاملاً أنواع الأمراض كافة. المقيمون في الأحياء السكنية المدينية يسمون هذه الأحياء"الشيشان"في دلالة واضحة على تفككها المدني والاجتماعي والثقافي. وقد تحولت هذه المناطق المهمشة الى خير معين للاسلاميين الأصوليين. ذلك أن الفارق بين الاسلاميين الأصوليين المتطرفين والاسلاميين المعتدلين المنضوين ضمن الشرعية السياسية على غرار حزب العدالة والتنمية في المغرب أو حركة مجتمع السلم في الجزائر ليس تكتيكياً فقط بل اجتماعي أيضاً. ثم ان اسلاميي الجماعات المسلحة ليسوا من شبان المناطق الفقيرة في قلب المدن القديمة التاريخية، ولا من المناطق الصناعية والمجمعات السكنية الكبرى التي هجرتها الأحزاب ونقابات اليسار وحتى اليسار المتطرف من زمن طويل، لتشهد منذ انتصار الثورة الاسلامية في ايران هيمنة المناضلين الاسلاميين التقليديين. الاسلاميون المتطرفون هم من المستلبين الخارجين من بيئات اجتماعية مفككة لم يعرفوا فيها سوى حياة الغيتوات البائسة والمليئة بالعنف حيث عوملوا معاملة الحيوانات المفترسة. وهم باسم مفهوم ضيق للاسلام يردّون هذه الوحشية القاسية ضد النظام القائم. غير ان"القاعدة"الأم ليست الا ماركة مسجلة تختص بموجة اسلامية لا مركزية، يصعب اختراقها، التي يبدو أنها في تنام مستمر، ولا توجد الا عبر الانغراس في التربة المحلية. فهناك تنظيمات اسلامية متطرفة تتجاور في تنظيم"القاعدة". بعد الآباء المؤسسين من قدامى حرب افغانستان والقادمين من بلدان الشرق الأوسط والمغرب العربي، التحق بالحركة في عقد التسعينات جيل جديد من الاسلاميين الراديكاليين كالجهاد الاسلامي، والصراط المستقيم، والتكفير والهجرة، والجماعة الاسلامية المسلحة، والجماعة السلفية للدعوة والقتال وهي كلها تنظيمات اسلامية سرية، تشكل شبكة مساندة لتنظيم"القاعدة". وهي لا تسعى الى أي شرعية سياسية أو استراتيجية في لجوئها الى استخدام العنف في أقصى مداه ضد العدو الجديد المتعدد الأشكال الغرب بعدما عانت إخفاق الحركات الاسلامية في مختلف البلدان العربية. المواجهات المسلحة الحاصلة في بلدان المغرب العربي، والتفجيرات الأخيرة التي حصلت في الجزائر العاصمة وقبلها الدار البيضاء، لا يمكن تفسيرها بارتباطها بالإرهاب الدولي فقط، بل انها تجد جذورها في التربة المحلية، لا سيما اصطفاف الأنظمة المغاربية على أرضية الخط السياسي الأميركي، والتنسيق الأمني المكثف بين وكالة المخابرات المركزية الأميركية وأجهزة الاستخبارات المغربية. اضافة الى هذين العاملين، هناك الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي عجزت الحكومات المغاربية عن معالجتها بما يحقق مطامح الطبقات والفئات الشعبية الفقيرة، والتي تغذي تنظيمات إسلامية عدة تعمل في السرية التامة وتستفيد من الطبيعة المحافظة والتقليدية للمجتمعات المغاربية، كي تجسد اسلاماً متطرفاً راديكالياً في المغرب العربي يسير على خطى تنظيم"القاعدة". لقد طرحت التفجيرات على السلطات المغاربية مسألة جوهرية، ما هي الاستراتيجية التي ستتوخاها في مواجهة الاسلام السياسي المغاربي على اختلاف مشاربه واجتهاداته، هل ستستمر الأنظمة المغاربية في اتباع الأسلوب الأمني والعسكري، أم انها ستستخدم العصا والجزرة كي يدخل الاسلاميون في اللعبة الديموقراطية؟ لقد قامت الأجهزة الأمنية في البلدان المغاربية تونس، الجزائر، المغرب، بملاحقة الجماعات الاسلامية المتطرفة التي ينظر اليها كتهديد للأنظمة. لكن ذلك لم يفض الى نتائج ملموسة، لا سيما في ظل ما تشير اليه جماعات الدفاع عن حقوق الانسان من اعتقال أشخاص أبرياء وإخضاعهم للتعذيب، ما يؤدي الى بروز مزيد من الارهابيين. في المغرب أظهرت الانتخابات التشريعية التي جرت في ايلول سبتمبر 2002 القوة الحقيقية للاسلاميين الذين ينتمون الى حزب"العدالة والتنمية"، وهو الحزب الاسلامي الوحيد المعترف به رسمياً، والذي ضاعف عدد نوابه في البرلمان ثلاث مرات. ويجمع المحللون في الغرب على أن حزب"العدالة والتنمية"أصبح القوة المعارضة الأولى في المغرب، وهو يتقدم على اشتراكيي الاتحاد الاشتراكي للقوى الشعبية، وقوميي"حزب الاستقلال". ويكمن خوف الحكومة المغربية من أن تسقط مدن مغربية كبيرة عدة مثل الدار البيضاء والرباط وفاس وطنجة في أيدي الاسلاميين، الأمر الذي يذكر بالسيناريو الجزائري، حين فاز الاسلاميون الجزائريون في الانتخابات المحلية في حزيران يونيو 1990. الخوف المغربي مبني على أن حزب العدالة والتنمية ليس القوة الاسلامية الوحيدة في المغرب، فهناك الحركة الاسلامية التي يتزعمها الشيخ عبدالسلام ياسين: تنظيم"العدل والاحسان"، الذي لا تعترف به السلطة، فهو من دون شك أكثر التنظيمات الاسلامية أهمية في المغرب، ان من حيث عديده أو من حيث بنيته العقائدية. وقد سمح وجود جمعيات اسلامية خيرية في الحياة السياسية المغربية"السلام"،"البر"،"المشكاة"، وافادة من مبارحة اليسار الموجود اليوم في الحكومة موقع المعارضة، للحركة الاسلامية المغربية بالمطالبة بحقوقها السياسية، وباحتلال الشوارع من خلال التظاهرات الشعبية بوصفها وسيلة أخرى لتحقيق العلانية المرجوة. ويجمع المحللون للشأن السياسي المغربي سواء من العرب أو من الأجانب، على أن الحركات الاسلامية العاقلة في المغرب العربي تحرص على تفادي الوقوع في فخ العنف الذي يعصف بالبلدان المغاربية، وقد دانت هذه الهجمات التي هزت العواصم المغاربية، وهي ترى ان الذي يقطع الطريق على ظهور وتبلور نموذج"القاعدة"في المغرب العربي، هو فتح الحوار السياسي مع الحركات الاسلامية المعتدلة، واجراء مصالحات حقيقية لا تستثني أحداً، كي تكون جزءاً من المجتمع المدني المغاربي، الذي يسمح لها باستشراف سيناريوهات للمشاركة في الحكم أو لدعمه. * كاتب تونسي