السلطات الجديدة في سوريا تطلق عملية بطرطوس لملاحقة «فلول النظام المخلوع»    غوارديولا راضٍ عن أداء مانشستر سيتي رغم استمرار نزيف النقاط    طارق السعيد يكتب..من المسؤول عن تخبطات هيرفي؟    عمومية كأس الخليج العربي تعتمد استضافة السعودية ل"خليجي 27″    وزارة الثقافة تُطلق المهرجان الختامي لعام الإبل 2024 في الرياض    السعودية: نستنكر الانتهاكات الإسرائيلية واقتحام باحة المسجد الأقصى والتوغل جنوب سورية    الجيش اللبناني يتهم الاحتلال الإسرائيلي بخرق الاتفاق والتوغل في مناطق جنوب البلاد    "رينارد" يستبعد "الشهراني" من معسكر الأخضر في الكويت    بموافقة الملك.. منح وسام الملك عبد العزيز من الدرجة الثالثة ل 200 متبرع ومتبرعة بالأعضاء    أسبوع أبوظبي للاستدامة: منصة عالمية لبناء مستقبل أكثر استدامة    مدرب قطر يُبرر الاعتماد على الشباب    وزير الشؤون الإسلامية يلتقي كبار ضيوف برنامج خادم الحرمين الشريفين للعمرة والزيارة    تدخل جراحي عاجل ينقذ مريضاً من شلل دائم في عنيزة    الإحصاء: إيرادات القطاع غير الربحي في السعودية بلغت 54.4 مليار ريال لعام 2023م    وزير الخارجية يصل الكويت للمشاركة في الاجتماع الاستثنائي ال (46) للمجلس الوزاري لمجلس التعاون    استخدام الجوال يتصدّر مسببات الحوادث المرورية بمنطقة تبوك    السعودية رئيسًا للمنظمة العربية للأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة "الأرابوساي" للفترة ( 2025 - 2028 )    الذهب يرتفع بفضل ضعف الدولار والاضطرابات الجيوسياسية    استمرار هطول أمطار رعدية على عدد من مناطق المملكة    الفكر الإبداعي يقود الذكاء الاصطناعي    «الإحصاء»: 12.7% ارتفاع صادرات السعودية غير النفطية    حلاوةُ ولاةِ الأمر    بلادنا تودع ابنها البار الشيخ عبدالله العلي النعيم    حملة «إغاثة غزة» تتجاوز 703 ملايين ريال    "الثقافة" تطلق أربع خدمات جديدة في منصة الابتعاث الثقافي    "الثقافة" و"الأوقاف" توقعان مذكرة تفاهم في المجالات ذات الاهتمام المشترك    أهازيج أهالي العلا تعلن مربعانية الشتاء    وطن الأفراح    المملكة ترحب بالعالم    شرائح المستقبل واستعادة القدرات المفقودة    منع تسويق 1.9 طن مواد غذائية فاسدة في جدة    63% من المعتمرين يفضلون التسوق بالمدينة المنورة    نجران: «الإسعاف الجوي» ينقل مصاباً بحادث انقلاب في «سلطانة»    أمير نجران يواسي أسرة ابن نمشان    العناكب وسرطان البحر.. تعالج سرطان الجلد    فرضية الطائرة وجاهزية المطار !    «كانسيلو وكيسيه» ينافسان على أفضل هدف في النخبة الآسيوية    لمن لا يحب كرة القدم" كأس العالم 2034″    واتساب تطلق ميزة مسح المستندات لهواتف آيفون    المأمول من بعثاتنا الدبلوماسية    مسابقة المهارات    تدشين "دجِيرَة البركة" للكاتب حلواني    إطلاق النسخة الثانية من برنامج «جيل الأدب»    نقوش ميدان عام تؤصل لقرية أثرية بالأحساء    اطلاع قطاع الأعمال على الفرص المتاحة بمنطقة المدينة    ما هكذا تورد الإبل يا سعد    أفراحنا إلى أين؟    آل الشيخ يلتقي ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة والزيارة    الزهراني وبن غله يحتفلان بزواج وليد    الدرعان يُتوَّج بجائزة العمل التطوعي    أسرتا ناجي والعمري تحتفلان بزفاف المهندس محمود    اكتشاف سناجب «آكلة للحوم»    دور العلوم والتكنولوجيا في الحد من الضرر    خادم الحرمين وولي العهد يعزّيان رئيس أذربيجان في ضحايا حادث تحطم الطائرة    منتجع شرعان.. أيقونة سياحية في قلب العلا تحت إشراف ولي العهد    مفوض الإفتاء بجازان: "التعليم مسؤولية توجيه الأفكار نحو العقيدة الصحيحة وحماية المجتمع من الفكر الدخيل"    نائب أمير منطقة مكة يطلع على الأعمال والمشاريع التطويرية    إطلاق 66 كائناً مهدداً بالانقراض في محمية الملك خالد الملكية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"الحياة" ترصد تفكيك التنظيمات المتشددة في الذكرى الأولى لهجمات الدار البيضاء . معتقلون و"خلايا نائمة" و"أمراء دم"... وتجنيد انتحاريين في "قندهار" والشيشان" المغربيتين
نشر في الحياة يوم 15 - 05 - 2004

في الذكرى الأولى للهجمات الانتحارية في الدار البيضاء، في 16 أيار مايو 2003، ترصد "الحياة" وضع التنظيمات الدينية المتشددة في المغرب، بدءاً ب"المغاربة الأفغان" الذي قاتلوا مع المجاهدين وعادوا الى بلادهم، مروراً بتنظيمات "السلفية الجهادية" و"الصراط المستقيم" و"الهجرة والتكفير". ويتناول هذا التقرير أيضاً تفاصيل عن المهاجمين الانتحاريين وخلفياتهم وطريقة استقطابهم، ورد فعل السلطات على هجماتهم وتفكيكها خلايا المتطرفين واعتقال الآلاف منهم.
تشكل مناسبة عيد الأضحى لدى المغاربة فرصة للتأمل، كونها ارتبطت بأحداث عنف قاسية. فذات صباح استفاق المغاربة في يوم عيد الاضحى على انباء اعدام مجموعة من الاشخاص كانوا تورطوا في محاولة لزعزعة الأمن والاستقرار عبر ادخال اسلحة الى البلاد وقتل عدد من قوات الأمن ضمن ما يعرف بأحداث "مولاي بوعزة" في الاطلس المتوسط عام 1974. وقتها كانت الفترة مطبوعة بمظاهر احتقان سياسي بين المعارضة والقصر.
والآن ينبش المغاربة في تاريخهم عبر استحضار تلك الاحداث وغيرها بحثاً عن حقائق المرحلة، لكنهم يختلفون في تقويمها. غير ان الثابت، في غضون ذلك، هو ان أحكام الإعدام التي كانت تصدرها محاكم عسكرية ومدنية كانت تُنفّذ فعلاً، بعكس الواقع الحالي حيث يقضي عشرات الاشخاص المدانين في الهجمات الانتحارية في الدار البيضاء في 16 ايار مايو العام الماضي ما تبقى لهم في سجن القنيطرة وتحديداً في "ممر الموت" الذي يؤوي المدانين بالاعدام، في انتظار الساعة الصفر.
وقائع الاتهامات التي وُجّهت الى عدد من هؤلاء، خصوصاً المنتسبين الى تنظيمات "الصراط المستقيم" و"الهجرة والتكفير" و"السلفية الجهادية"، وجدت امتدادها ذات صباح من يوم عيد الاضحى لعام 2002 عندما قتل اشخاص يُنعتون ب"امراء الدم" الشاب فؤاد الكردودي لأسباب دينية قيل انها تتعلق بزعم "خروجه عن الاسلام". واللافت في عملية القتل التي ستكشف عن جرائم أخرى مروعة، أنها جاءت بعد صدور فتوى من "أمير" جماعة "الصراط المستقيم" الميلودي زكرياء. ومن المفارقات ان المحكمة برأته في المرة الأولى من تهمة التحريض على استخدام العنف، قبل ان تعود الى تقليب صفحات ذلك الملف بعد هجمات الدار البيضاء التي كشفت تغلغل تنظيمات متطرفة في احياء هامشية في عدد من المدن المغربية تدين باستخدام العنف وتكفير الدولة والمجتمع. وكما جاء في مخطوطة لزكرياء فإن "الاحزاب تُشرّع الكفر والدولة تعلن الكفر. والعلمانيون كفرة"، الى غير ذلك من "التخريجات" التي ستتحول لاحقاً وثائق ادانة ضد المتهمين وتثير جدلاً فقهياً وسياسياً امام المحاكم.
لا توجد تحديداً كتابات أو دراسات مستفيضة عن هذه التنظيمات التي يعزى ظهورها الى تداعيات الحرب في افغانستان ولجوء عدد من الشبان المغاربة الى تلك الدولة ل"الجهاد" الى جانب الحركات المسلحة ضد الوجود السوفياتي وقتذاك، ثم عودة "الافغان المغاربة" - على غرار رفاقهم من "الافغان العرب" - بعد نهاية الحرب، اضافة الى التأثر بمنهجيات رواد هذه الحركات وفتاويهم.
لكن اللجوء الى العنف يرتبط في التجربة السياسية المغربية بأحداث لها علاقة بالصراع الفكري والعقائدي. ففي السبعينات قتل أفراد ينتسبون الى "الشباب الاسلامي" بزعامة الشيخ عبدالكريم مطيع الراحل عمر بن جلون، العضو القيادي في "الاتحاد الاشتراكي"، تحت مبرر الاختلاف الديني، وبعد ذلك اقام طلاب من تنظيم اسلامي محاكمة صورية لأحد الطلاب في جامعة وجدة على الحدود الشرقية مع الجزائر قضت بقتله. وفي عام 1984، لدى استضافة الدار البيضاء مؤتمر القمة الاسلامي، وزع ناشطون اسلاميون منشورات تدعو الى تكفير القادة، ونفذوا اعمال عنف في عدد من المدن قادت الى رصد ظاهرة العنف.
لكن الأمر يتخذ الآن طابعاً أكبر من خلال ظهور تنظيمات متطرفة أبرزها "السلفية الجهادية" التي نفذت عمليات قتل طاولت الضحايا عبدالعزيز فكري وسعيد روسين وعبدالعزيز الأسدي بين عامي 1999 و2000. وإضافة الى "السلفية الجهادية"، هناك "التكفير والهجرة" التي يُنظر الى داود المخملي على انه مرجعيتها الاساسية. وكان هذا الأخير يقيم في مدينة الناضور، على الساحل المتوسطي شمال البلاد. وأثارت حركته الاهتمام بعد رفضها الحصول على ترخيص لدفن الموتى أو إقامة عقود الزواج والاكتفاء بالطرق التقليدية في الأعراف، كذلك فإن منتسبين الى هذا التنظيم ظلوا يرفضون الصلاة في المساجد بزعم انها تدين بالولاء للسلطة، إضافة الى الإمعان في تكفير المجتمع من منطلق انه "كافر" وانه "استبدل بالشريعة الاسلامية قوانين وضعية". وبالنسبة الى موقفها من الحكام، فهي تعتبرهم "خارجين عن الشريعة" وان الوسائل السلمية في مواجهتهم لم تعد مجدية و"قتالهم بالسلاح واجب".
ويلتقي عند القناعة ذاتها منتسبون الى "الصراط المستقيم" يركزون على مفهوم التكفير والجهاد والتعامل بالأعراف بدل العقود الإدارية والقانونية. ومن ذلك حال شخص حرم ابناءه من الدراسة وفرض على زوجاته عدم الخروج الى الشارع، كما رفض حيازة بطاقة الهوية. وربما لهذا السبب تحديداً تمكنت الشرطة المغربية من تفكيك خلية لتنظيم "القاعدة" كانت تعتزم شن هجمات ضد منشآت سياحية مغربية وبواخر غربية عند مضيق جبل طارق عام 2002، إذ ان زواج المتهمين السعوديين محمد العسيري وزهير الثبيتي ومسفر الغامدي من مغربيات بطرق عرفية كان من بين المعطيات التي قادت الى تفكيك الخلية التي دين المنتسبون اليها بالسجن ونقلوا قبل بضعة شهور الى السعودية لقضاء فترة العقوبة. بيد ان التحقيقات التي جرت معهم قادت بعد هجمات الدار البيضاء الى الربط بين التنظيمات المغربية وتنظيم "القاعدة" بزعامة أسامة بن لادن.
وكان زواج السعودي زهير الثبيتي من المغربية رجاء بن موجان التي قُتلت في الهجمات الأميركية على افغانستان عام 2001 ورغبته في الزواج من شقيقة لها تقيم في المغرب، نقطة الانطلاق في التحريات الأمنية والقضائية. إلا ان المعطيات التي رُصدت وقتذاك عرضت لأسماء شيوخ وناشطين سهّلوا مهمات وتحركات خلية "القاعدة" وضمنهم الشيخ احمد رفيقي المدعو "ابو خديجة" الذي تردد انه ساعد افراد الخلية في الزواج والتحركات. لكن اعتقاله لاحقاً تم على خلفية هجمات الدار البيضاء، وليس تحركات خلية "القاعدة" في 2001 و2002. وساد الاعتقاد انه تُرك الى جانب ناشطين آخرين تحت الرقابة، فيما صدرت الأحكام ضد أفراد الخلية من دون التركيز على تهمة الانتساب الى "القاعدة"، على رغم حصول القضاء على إفادات عن اجتماع احد افرادها مع اسامة بن لادن وتلقيهم تدريبات في معسكر "الفاروق" في افغانستان وغيرها من الوقائع التي تؤكد ارتباطهم ب"القاعدة". والأرجح ان الأمر كان يتعلق برغبة أجهزة الأمن في مواصلة عملية الرقابة ضد ناشطين في تنظيمات متطرفة، فلم تُشر الى قضية الانتساب الى "القاعدة" او المشاركة في الجهاد "كي يسهل رصد الخلايا النائمة"، على حد تعبير مسؤول أمني بارز. لكن احداً لم يكن يتوقع ان تضرب هذه الخلايا بقوة وعنف عبر تجنيد انتحاريين، في سابقة هي الأولى من نوعها في البلاد.
حين يقول مسؤولون مغاربة انهم كانوا يتوقعون حصول "شيء ما" لكن ليس من قبيل الهجمات الانتحارية في الدار البيضاء، فالأرجح انهم كانوا يستندون الى تقارير أمنية، خصوصاً بعد اكتشاف خطة لتهريب اسلحة من ثكنة عسكرية في تازة، شمال فاس. وعلى رغم ان أجهزة الأمن اعتقلت المتورطين في العملية بعد اقل من 48 ساعة على حدوثها العام الماضي، فإن الأهداف التي كانت متوخاة من استخدام تلك الاسلحة بقيت غامضة. وقبل ذلك ببضعة أسابيع كان لافتاً إقدام السلطات على تشديد الرقابة على المرافئ والمعابر والمطارات. وتردد وقتذاك ان مسلحاً يتحدر من أصول جزائرية تسلل الى البلاد وانه في صدد التخطيط لهجمات. وساعد في زيادة المخاوف من تعرض البلاد الى اعمال إرهابية ان عمليات تمشيط واسعة في صفوف التنظيمات الاسلامية، خصوصاً في فاس وتطوان وطنجة والدار البيضاء، مكّنت من وضع اليد على منشورات وأشرطة تحض على استخدام العنف و"الجهاد" المسلح.
هجمات الدار البيضاء
بعد حوالى عام من تفكيك خلية "القاعدة" نتيجة تعاون أمني، خصوصاً مع الاستخبارات الاميركية التي سرّبت الى عواصم في شمال افريقيا معلومات عن إمكان تعرضها لهجمات تشنها "خلايا نائمة" في "القاعدة"، جاءت الهجمات الانتحارية ضد مواقع سياحية ودينية في الدار البيضاء لتدخل المغرب في عمق الحرب الدائرة ضد الإرهاب. ذلك انها المرة الاولى التي ينفذ فيها شبان مغاربة عمليات انتحارية. واستهدفت هجماتهم فندق "فرح" ومطعماً اسبانياً ومقبرة ونادياً يهوديين، وخلّفت ما يزيد على 40 قتيلاً.
وطرح توقيت الهجمات واختيار الدار البيضاء مسرحاً لها مباشرة بعد تهديدات صدرت عن بن لادن ضد عواصم عربية واسلامية كثيراً من التساؤلات، خصوصاً انها جاءت متزامنة مع هجمات الرياض التي حصلت قبلها بأيام فقط. إلا ان نجاة أحد الانتحاريين ووقوعه في الاعتقال كشف "مناطق الظل" في تلك الاحداث المروعة. فقد قاد اعتقال "الانتحاري الرابع عشر" محمد العماري الذي كان يعمل حارساً للسيارات، الى اكتشاف خلفيات ومعطيات مثيرة عن الهجمات التي خُطط لها قبل حوالى ستة شهور من تنفيذها. وكان يفترض ان تنفذ في التاسع من ايار، إلا انها اُرجئت بسبب صعوبات تقنية اعترت اعداد المتفجرات، الأمر الذي حدا ب"الأمير" المحتمل لافراد المجموعات الأربع عبدالقادر بنتاصر المعروف باسم "مول الصباط" اي صاحب الحذاء الى اعطاء أوامر بالتنفيذ في وقت لاحق حدده في السادس عشر من الشهر.
كان فضاء الأحياء الهامشية عند المدخل الشمالي لمدينة الدار البيضاء مسرح التدريب والإعداد قبل التنفيذ. وأفاد قرب تلك الضواحي من إحدى الغابات على ضفة نهر "الوادي المالح" وبعض المناطق التي تستخدم كمقالع للرمال، في تحويلها الى قواعد للتدريب. وساعد أيضاً في اضفاء السرية على تلك التدريبات ان تلك الغابة تستخدم متنزهاً لسكان الدار البيضاء والمحمدية، ما جعل زياراتها المتوالية لا تثير الاهتمام.
وقد تفرق افراد المجموعات الانتحارية الى اربع فرق، الأولى تضم الانتحاريين محمد العروسي ومحمد العرباوي ومحمد حسونة ويقودها أميرها خالد بن موسى، وكُلّفت تنفيذ الهجمات ضد مطعم "دار اسبانيا"، والثانية تضم الانتحاريين عادل الطايع ويوسف كوثري وأميرها سعيد عبيد، وكُلّفت تفجير مطعم "بوزيتانو"، والثالثة يقودها أميرها عبدالفتاح بوقيضان وتضم حسن الطاوسي وحسن الأسمر ومحمد العماري، وكلفت الهجوم على فندق "فرح"، والرابعة يقودها أميرها محمد مهني وتضم خالد التائب وعبدالرحيم ولد الغالية ورشيد جليل وعهد اليها تفجير نادي الرابطة اليهودية القريبة من المقبرة اليهودية.
والرابط بين افراد هذه المجموعات أنهم يقيمون في حي شعبي فقير اسمه "كريان طوما" وكان بعض ازقته يُنعت بأسماء مثل "الشيشان" و"قندهار" للدلالة على تزايد نفوذ الحركات المتطرفة، وكان يفد اليها شيوخ "السلفية الجهادية" لالقاء دروس دينية.
لكن افراداً من اسر الانتحاريين اصيبوا بالذهول جراء تورط افراد المجموعات في الاعمال الارهابية. فالمتهم احمد العروسي كان في السادسة والعشرين من عمره، وكان يعبر ازقة الحي من دون اثارة الاهتمام. غير انه تحوّل قبل بضع سنوات الى شخص غريب. اطلق لحيته واستبدل باللباس المغربي لباساً افغانياً، ولم يعد يجتمع مع رفاقه في الحي، وظل يراوده حلم الهجرة غير الشرعية. في حين ان والدة خالد بن موسى ظلت على يقين ان ابنها مجرد مراهق وانها حاولت مرات عدة ان تجد له عملاً في الحي أو غيره، لكنها ستفاجأ حين يدهم رجال الشرطة منزلها بحثاً عن وثائق أو منشورات تخص ذلك الانتحاري الذي بلغ عمره 21 سنة.
ويبدو وضع الانتحاري خالد التائب مغايراً. اذ كان شاباً مرحاً عُرف بولعه الكبير بكرة القدم، ولعله لهذا السبب شاهد سكان ذلك الحي مباراة في كرة القدم قبل يوم واحد أو يومين من موعد الهجمات، كان أبطالها هم الانتحاريون انفسهم.
الانتحاري أحمد المهني كان نموذجاً لشاب مراهق، لكنه تحوّل الى شخصية صارمة، لا يفتأ في كل الجلسات ان يتحدث في القضايا الدينية وفي انتشار مظاهر الانحراف والفساد في المجتمع. وكذلك حال الانتحاري يوسف الكوثري الذي ظل يبحث عن منفذ عمل قبل استقطابه في التنظيم يوم بدت عليه بوادر اليأس واحتمى بيقين ما كان يخفيه وراء صمته. تنبه أبوه لذلك، لكنه اعتبر الأمر عابراً.
وبعكس ذلك، كان الانتحاري سعيد عبيد الذي كان يبدو مرتاحاً في عمله، محاسباً في احد المحلات قبل ان ينقلب هو الآخر الى العالم الذي انجذب اليه رفاقه في ظروف وجيزة. بيد ان مظاهر الانعزال يشترك فيها الانتحاري عادل الطايع الذي ابتعد عن رفاقه من شباب الحي وانخرط في جلسات دينية خاصة، كانت تشمل مشاهدة أشرطة فيديو حول الجهاد والأوضاع في الشيشان وافغانستان وفلسطين. وكذلك كان بقية الانتحاريين الذين تمكنت منهم صناعة "الكاميكاز" التي تعزى الى "الأمير الوطني" للجماعة عبدالحق مول الصباط. غير ان وفاة الأخير لدى اعتقاله في الطريق من فاس الى الدار البيضاء ستترك تساؤلات وألغازاً حول ظروف الاستقطاب ومصادر التمويل والرؤوس الحقيقية لمدبري الهجمات، وإن كانت افادات الانتحاري الذي لم يفجر نفسه محمد العماري ورفاقه الذين فروا بعد تنفيذ الهجمات كشفت معطيات حول التخطيط لتلك الهجمات حين بدأ "الأمير الوطني" عبدالحق يوالي زياراته الى الأحياء الهامشية لاستقطاب الانتحاريين. وبعدما كانت اللقاءات الأولى تركز على درس المسائل الدينية والاخلاقية، انتقلت الثانية بسرعة الى التفكير في تنفيذ هجمات، ثم في سرعة أكبر الى البحث عن وسائل الحصول على المتفجرات والتدريب عليها لاختبار فاعليتها، ثم تقسيم المهمات بين أربع مجموعات، كان "أمير" كل واحدة منها يزور الموقع الذي عليه تفجيره، قبل الاتفاق على الموعد النهائي الذي فتح عيون المغاربة ليل 16 أيار مايو الماضي على قنابل بشرية حولت الدار البيضاء ومن خلالها المغرب الى ضحية ما زال يلملم آثار فجيعة تلك الليلة القاتلة.
ردود الفعل ... وتفكيك الخلايا
ارتدى رد فعل السلطات والأحزاب والمجتمع المغربي ابعاداً طاولت استحضار الجوانب الأمنية والمسافات السياسية وحدود الإفادة من مراجعة ما حدث عبر قراءات متعددة المنطلقات. ففي الجانب الأمني كان اعتقال خلايا ارهابية لها ارتباط مباشر أو غير مباشر بالهجمات، اذ وصلت اعداد المعتقلين الى الآلاف، خصوصاً في أوساط التنظيمات المتطرفة. وكانت البداية من الخيوط التي كشفها الانتحاري محمد العماري الذي لم يفجر نفسه في فندق فرح، وقادت افاداته الى تقصي المعلومات حول الانتحاريين في مرحلة أولى، ثم المشاركين المفترضين في العمليات، وكذلك المشاركين المحتلمين في هجمات متوقعة.
وقبل ان تنشر السلطات أسماء مطلوبين في التحقيقات وصورهم، أعادت أجهزة الأمن فتح ملفات حول علاقة الانتحاريين بتنظيمات "السلفية الجهادية" و"الصراط المستقيم" و"التكفير والهجرة". وكان لافتاً، في غضون ذلك، تسريع وقائع محاكمة معتقلين في صيف عام 2002 بزعامة المتهم يوسف فكري، وضمنهم المتهمون صالح زارلي وكمال الحوينشي وعبدالرزاق فوزي وعبدالعزيز الحمداوي والعربي دقيق وغيرهم، اذ صدرت احكام بإعدام ستة منهم من بينهم المتهم عمر معروف الذي قضى فترة من حياته مهاجراً في الدنمارك، وكذا الأمير المحتمل محمد دمير الذي ردد عبارة "الله أكبر" بعد ادانته بالاعدام وكان يُنظر اليه على انه أحد العناصر الخطرة.
نحت التحقيقات تبعاً لذلك في اتجاه ما يعرف ب"الخلايا الارهابية" في مدن الدار البيضاء وفاس ومكناس وطنجة والصويرة والقنيطرة والرباط وسلا. اذ تبين انهم موزعون في طريقة مستقلة ويتزعم كل جماعة "أمير" تمت مبايعته. لكن اللافت في تلك الخلايا ان بعضها كان يقودها أمير من غير المغاربة، كما في حال خلية طنجة التي كان يتزعمها الفرنسي روبير ريشار انطوان الذي عرف بلقب "الحاج عبدالرحمن"، ما جعل التحقيقات تمتد الى خارج البلاد، وتحديداً عبر التعاون مع الاستخبارات الإسبانية والفرنسية والأميركية. وفيما تمكنت السلطات الاسبانية من اعتقال المغربي المطلوب عبدالعزيز بنيعيش، قادت تحريات الى الربط بين تلك الخلايا الموزعة في مدن مغربية عدة ونظيرات لها خارج البلاد. واحتاج الموضوع الى كارثة من حجم تفجيرات قطارات مدريد في 11 آذار مارس الماضي لإزالة اللثام عن مغاربة مطلوبين مثل عبدالرحيم زوكان الذي يقول المغاربة انهم نبهوا الاستخبارات الاسبانية الى خطورته، خصوصاً في ضوء معطيات كشفت عن انتساب المتورطين في تفجيرات مدريد الى "الجماعة الاسلامية المغربية المقاتلة" التي تفيد تقارير مغربية ان المطلوب محمد الكربوزي يقودها من خارج البلاد، وإن كان الأخير الذي دانته محكمة في الرباط غيابياً نفى ضلوعه في ذلك.
وعملت الاجهزة المغربية على التنسيق مع نظيراتها في عواصم أوروبية حيال خلايا مفترضة وأخرى وردت اسماء المنتسبين اليها في التحقيقات. وأفاد تقرير عرض أمام الكونغرس الاميركي ان لدى أجهزة الاستخبارات أدلة تبين ان تنظيم "القاعدة" قاد هجمات الدار البيضاء من الخارج في نطاق استراتيجية جديدة لنقل المعارك.
وسيثار في غضون ذلك الموقف من شيوخ "السلفية الجهادية" الذين اعتبرت فتاويهم نوعاً من الحض على استخدام العنف وإباحة هدر الأرواح من طريق دروس دينية كانت تلقى في المناسبات العامة خارج الفضاءات المرخص لها. ويتعلق الأمر خصوصاً بالشيوخ عمر الحدوشي وعبدالكريم الشاذلي ومحمد الفيزازي وحسن الكتاني الذين دينوا بأحكام بالسجن توزعت بين 30 و20 سنة. إلا ان مسار هؤلاء يختلف. اذ عرف عن الشيخ عبدالكريم الشاذلي انه كان نشطاً في تنظيم "الشباب الاسلامي" وحصل على الدكتوراه من خلال بحث اكاديمي عن "ابن تيمية" عام 2000. إلا انه اعتقل قبل ذلك في حوادث متفرقة بين سنوات 1984 و1992. غير انه لدى محاكمته نفى ان يكون دعا الى نصرة بن لادن، وأفاد انه كان يدعو الى الجهاد في فلسطين فقط، وإن الكلام الذي نسب اليه في بحث بعنوان "ضرب أميركا ونصرة القاعدة واجب شرعي" كان مجرد إشارة ذات أهداف تجارية لترويج كتبه.
ورأى الشيخ عمر الحدوشي في افاداته أمام المحكمة ان السلفية الجهادية "ابنة زنى"، في اشارة الى رفضها، مؤكداً ان "دروسه ومحاضراته كانت تدعو الى نبذ العنف".
لكن الشيخ محمد الفيزازي الذي توبع قضائياً بالحض على الارهاب، نشر قبل اسبوع من هجمات الدار البيضاء مقالاً مطولاً رد فيه على مزاعم أمير "الصراط المستقيم" يوسف فكري ورأى فيه ان تنفيذ الحدود الشرعية في قتل الخارجين عن الشرع "تترتب عليه مفاسد أكثر مما يتحقق من مصالح". وقال ان الواجب الشرعي في هذه الحال يكمن في "الاكتفاء بالفتوى والدعوة ونشر العلم بين الناس بالحسنى في حال كنا مؤهلين لذلك". وجاء رد الشيخ الفيزازي على رسالة يوسف فكري التي جاء فيها "كان بمقدرونا وبكل سهولة ان نقتل العشرات، بل المئات، ولكن ليقيننا ان هؤلاء انما هم ضحايا وليسوا طرفاً أولياً في الصراع بين جنود الحق وجنود الباطل"، في اشارة الى ضحايا قتلوا في الدار البيضاء والناضور بدعوى خروجهم عن الشريعة. وسبق ليوسف فكري ان أفتى في ثلاث عمليات قتل، طاولت عمه عبدالعزيز فكري في تشرين الأول اكتوبر 1998 ورجل شرطة ومرشداً رميت جثته في بئر مهجورة.
تنظيم العمل الديني
وفي الانعكاسات السياسية والدينية والاجتماعية لهجمات الدار البيضاء، انها أعادت التعاطي مع المجال الديني الى الواجهة، أبرزه معاودة النظر في تنظيم المساجد وتشكيل مجالس علمية جديدة اسندت مسؤولياتها الى نساء عالمات للمرة الأولى في تاريخ البلاد. كذلك، فإن الجدل السياسي حول مفهوم الحزب الاسلامي طرح بقوة، وفيما كان ينظر الى "العدالة والتنمية" على انه حزب اسلامي صرف، نزع الأخير نحو الإقرار بأنه حزب سياسي محض، وان المرجعية الاسلامية قيمة مشتركة بين الأحزاب السياسية كافة. كما اكد التزام صيغة التعددية السياسية. وثمة من يذهب الى ان اعتزال زعيمه السابق عبدالكريم الخطيب كان بسبب دفاعه عن بعض الشيوخ الذين توبعوا قضائياً في تهم الحض على العنف، كما في حال الشيخ حسن الكتاني الذي كان الخطيب دعا الى تشكيل لجنة لمؤازرته ومعاودة محاكمته. الا ان مصادر الحزب عزت اعتزاله لأسباب صحية، وإن كان خصومه السياسيون عرضوا لدوره في حشد التأييد للتطوع الى الجهاد في البوسنة والهرسك وفلسطين وافغانستان. وعلى رغم ذلك، فإن حضور "العدالة والتنمية" في الساحة السياسية لم يتضرر كثيراً، من خلال نتائج الانتخابات المحلية. لكن الملفات الاجتماعية ذات الارتباط بالمناخ الذي يمكن ان ينمو فيه التطرف طُرحت بحدة، سيما على صعيد البناء العشوائي الذي يقيم أحزمة من الفقر والتهميش تحيط بالمدن المغربية. ودعا العاهل المغربي الملك محمد السادس الى ايلاء مشكلة السكن والقضاء على احياء القصدير والأكواخ المنتشرة في كل الأرجاء والتي تنامت بفعل تكثيف حركة الهجرة من الأرياف الى المدن، خصوصاً بعد سنوات الجفاف الذي ضرب البلاد لفترات عدة، عناية خاصة.
اختيار الدار البيضاء لتنفيذ الهجمات الانتحارية ظل يُنظر اليه بصفته حدثاً موجهاً ضد قلب الاقتصاد المغربي، كون المدينة تمثل شرايين الحركة التجارية والمالية. إلا ان ضرب مصالح اسبانية ويهودية أعاد الى الأذهان دلالات ذلك الاختيار الذي سيجد مداه في تفجيرات قطارات مدريد. وبالقدر ذاته ستعرف البلاد هجمات على يهود يتحدرون من أصول مغربية وعلى سياح أجانب كما في أغادير الساحلية على المحيط الاطلسي. لكن التذكار الذي نُصب وسط الدار البيضاء ويضم اسماء كل الضحايا المغاربة والاجانب الذين سقطوا في الهجمات الانتحارية أُريد منه تذكير المغاربة، بأن تلك الهجمات لا يجب التغاضي عنها واعتبارها عابرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.