عشية الذكرى الثالثة للهجمات الانتحارية في الدار البيضاء التي أوقعت أكثر من 40 ضحية مغاربة وأجانب، ارتدى الجدل السياسي والثقافي في المغرب أبعاداً تستحضر أجواء الحادث المرعب. وكان كافياً أن يرخص المركز السينمائي المغربي عرض شريط"ماروك"لمخرجة شابة تتحدر من أصول مغربية يتحدث عن علاقة عاطفية بين مسلمة ويهودي لتنفجر الأصوات التي تطالب باستئصال تيار إسلامي يُنظر اليه على انه متطرف في توجهاته. وفيما طلب حزب"العدالة والتنمية"الإسلامي وزير الشؤون الإسلامية أحمد التوفيق ببيان الحكم الشرعي في مضمون الشريط الذي يعرض في قاعات سينمائية عدة، انبرت أصوات يسارية وعلمانية تحذّر من مخاطر السكوت عن ممارسات الحركات الإسلامية. ويقول باحث اجتماعي ان ردود الفعل حول الشريط السينمائي تخفي حذراً بالغاً إزاء الإسلاميين، خصوصاً في ضوء تقرير لمعهد أميركي عن الديموقراطية منح حزب"العدالة والتنمية"وضعاً متقدماً في استطلاع للرأي تحضيراً للانتخابات المقبلة. والملاحظ، في هذا الإطار، ان حزب"العدالة والتنمية"كان تراجع في السابق عن مطالبه لجهة حظر تنظيم مسابقات لاختيار ملكة جمال والإصرار على جعل يوم الجمعة يوم العطلة الأسبوعية ومناهضة الترخيص لمحلات بيع الخمور في الأماكن العامة، على خلفية الاتهامات التي وجهت اليه بتشجيع التطرف. ورأت أوساط في استخدام قضية الشريط السينمائي مدخلاً لإعادة إثارة موضوع المخاوف من الإسلاميين، خصوصاً وأن الحزب بدا مطمئناً الى انفتاحه على المحيط الإقليمي والدولي من خلال زيارات قام بها زعيم الحزب الدكتور سعد الدين العثماني الى اسبانيا وفرنسا وأميركا وكندا لشرح مواقفه إزاء القضايا المطروحة. غير أن تداعيات الهجمات الانتحارية استمرت على مستويات عدة، أبرزها مواصلة السلطات الأمنية تفكيك خلايا ارهابية تقول ان لها صلة بالهجمات، وتحديداً من خلال اعتقال مطلوبين كانوا اختفوا قبل ثلاث سنوات. وبعدما كانت التحريات في هجمات الدار البيضاء تقتصر على تداعيات الحادث الذي تورط فيه 14 انتحارياً ودين فيه إسلاميون بينهم من يوصفون ب"شيوخ السلفية الجهادية"، ارتدت القضية الآن طابعاً اقليمياً ودولياً من خلال رصد شبكات تضم رعايا يتحدرون من أصول مغربية، بعضهم تورط في حادث تفجيرات قطارات مدريد عام 2004، وبعضهم كان على صلة بتنظيم"القاعدة"لجهة استقطاب المناصرين وإنشاء تنظيم مغاربي في المنطقة على غرار"القاعدة في بلاد الرافدين"، وبعضهم أفادت تحريات استخباراتية بضلوعهم في التخطيط لهجمات في بلدان أوروبية. واللافت انه بعد ان كانت عمليات التمشيط التي قادت الى اعتقال مئات المشبوهين تشمل مدناً مغربية مثل فاس ومكناس وسلا وطنجة وتطوان وبني سلال والدار البيضاء، انتقل التوجه الى مناطق حدودية، خصوصاً المحاذية للصحراء وبلدان الساحل الأفريقي، في ضوء تفكيك شبكات تردد ان لها علاقات ب"الجماعة السلفية للدعوة والقتال"في الجزائر، وان افرادها كانوا يعتزمون التوجه الى العراق بعد تلقي تدريبات في معسكرات لجماعات متطرفة في الجزائر، لكنهم استبدلوا بخطتهم هذه تنفيذ أعمال ارهابية داخل المغرب وخارجه. وتحدثت المصادر عن وضع قوائم بتلك الاعمال التي كانت ستشمل سفارات وقنصليات اجنبية ومراكز استخبارات في بلدان غربية وأماكن للعبادة، ما يعني برأي خبراء في"الحرب على الإرهاب"ان الطابع المحلي لهجمات الدار البيضاء التي نفذها رعايا مغاربة تطور في اتجاه آخر. ويبدو ان عدم تنفيذ السلطات المغربية احكام الإعدام التي صدرت ضد أكثر من 15 متهماً في حادث الدار البيضاء، شجعت سلطات العواصم الأوروبية على تسليم المغرب مطلوبين من اسبانيا وايطاليا وبلجيكا وغيرها. وفيما ينفذ معتقلو"السلفية الجهادية"الذين تقدر أعدادهم بالمئات، اضراباً عن الطعام للضغط على السلطات لمعاودة محاكمتهم، استفاد أكثر من 60 معتقلاً من التنظيم ذاته من عفو ملكي، بينما ما زال آخرون ينتظرون المحاكمات.