كان عام 2006 منعطفاً في السينما الأميركية. فبعض الأفلام حاز أرباحاً كبيرة مثل"قراصنة الكاريبي - 2"، وأثارت أخرى اهتمام المتفرجين مثل"بورات"، وهو يتناول نظرة الأميركيين الى المهاجرين من أوروبا الشرقية. وأسعفها نظام التسويق العريض والحضور الكثيف على نطاق عالمي، فصنع مخرجون كبار، مثل سكورسيزي وإيستوود ودي بالما، وآخرون شباب، مثل مان وإيناريتو وصوفيا كوبولا، أشرطة جميلة لقيت الاستحسان والإقبال. ويعالج فيلم"المغادر"The Departed المواجهة بين جهاز الشرطة ونظام العصابة. فكلاهما أفلح في"زرع"عميل سري في جسم الآخر. وتذرع سكورسيزي بالعمالة المزدوجة هذه إلى تسليط الضوء على مسألة زيف الهوية. وهي موضوع تصدر موضوعات السينما. فللهوية الزائفة دينامية درامية تقود الى الكشف والاسقصاء، وتخوض في قضية كيانية تتطاول الى تشابه الوجوه وما يتستر عليه التشابه. فصور المخرج الأميركيين في صورة أمة باردة وممكننة، تقتتل فيها السلطات، وتعمل في اقتتالها تقنيات نافذة. وجعل الولاياتالمتحدة بلداً لپ"الجرذان"من وشاة ومخبرين. وشخصيات الفيلم كلها تسكنها التعاسة. فعلاقات الحب مستحيلة، والناس مضطربون ومتنازعون. وصنع كلينت ايستوود فيلمين يكمل واحدهما الآخر ويتمه، وهما"ذاكرة آبائنا"وپ"رسائل من ايووجيما". ويروي الشريطان وقائع من الحرب العالمية الثانية. الأول يروي ما يتناقله الأميركيون، والآخر ما يتناقله اليابانيون. وكانت الصيغة الأميركية ألذع نقداً من الرواية اليابانية. ويتناول إيستوود شاغلاً من شواغل السينما هو صدق الصور السينمائية وغير السينمائية وأثرها السياسي، على ما في العبارة من تدافع وتناقض. وتنم رواية المخرج الأميركي الكبير بترجحه العميق بين إقراره بحاجة المجتمعات الى التضحية ببعض ناسها في سبيل بلوغها الحداثة، وبين شعوره الحاد بفداحة الخسارة الناجمة عن التضحية هذه. وأخرج فيلم"بابل"أليخاندرو غونزاليس اناريتو. وقوامه حبك حوادث ثلاث، تقع في ثلاث قارات المغرب الافريقي، والولاياتالمتحدة والمكسيك الأميركيين واليابان الآسيوي. ويصف الشريط دواخل الأفراد المعاصرين، وشعاب هذه الدواخل الكثيفة. ويحمّل الناس كلهم المسؤولية عن العالم ومصيره. ونالت أفلام المغامرات، وفي طليعتها"قراصنة الكاريبي - 2"وپ"عودة سوبرمان"، وأفلام الترفيه، مثل"أكس مان -3"وپ"شفرة دافنشي"، وپ"مهمة مستحيلة-3"، الشطر الأعظم من العوائد. وتخص استوديوات هوليوود 60 مليون دولار موازنات الأفلام المتوسطة الإنتاج، وترصد 36 مليوناً لتسويقها. وهي ستختار مشاريع الأفلام التي تقر إنتاجها، أو يقترحها منتجون مستقلون يحظون بدعمها، ومعيارها استعادتها الاستثمارات في الأفلام المزمع انتاجها. فبعد نجاح فيلم"المغادر"وقّع سكورسيزي عقداً مع استوديوات"باراماونت"يتولى بموجبه تطوير أفكار وخطط في السنوات الأربع الآتية. وفي المقابل، ترفض استوديوات هوليوود خطط السينمائيين الخالية من قصد التسويق وحظوظه. فينصرف هؤلاء الى إنجاز أعمال قليلة التكلفة. ويلجأ بعضهم الآخر الى أوروبا تحدوهم غايات اقتصادية. ولعل وودي آلن وديفيد لينش وبول فيرهوفن من رواد هذا اللجوء. وإلى"قصص النجاح"هذه، شهد عام 2006 انقلابات في الاستوديوات، وإرباكات في الأسواق الداخلية، وبعض العثرات في الأسواق العالمية. فعلى رغم فوز"قراصنة الكاريبي-2"، اضطرت شركة ديزني للإنتاج الى بعث استوديو"بيكسار". وهذا لمع نجمه قبل 10 سنوات مع شريط الرسوم المتحركة الرقمي،"توي ستوري"قصة ألعاب. وعمدت الشركة الى إلغاء 20 في المئة من الوظائف، في فرعها"لايف"الذي أنتج سلسلة قراصنة الكاريبي، سعياً في خفض تكلفة الحلقتين الثالثة والأخيرة. وفسخت"باراماونت"عقدها مع النجم المعروف توم كروز، بعد 14 سنة من العمل، على رغم نجاح سلسلة"مهمة مستحيلة"، جزاء رغبته في حصة أكبر من توزيع اقراص"دي في دي"المدمجة. وتعثرت الأسواق الداخلية بمستقبل توزيع الپ"دي في دي"، وتكاد معاييرها لا تستقر على حال، وبعسر الانتقال الى تقنيات العرض الرقمي في الصالات. وعلى الصعيد العالمي، نافست الأفلام الفرنسية واليابانية الأعمال الأميركية في أسواقها الداخلية، وانتزعت منها حصة اكبر من حصتها المستقرة. وبلغت الحصة الجديدة 35 في المئة من المشاهدين في سوقي البلدين. ويشكو مستقبل السينما الأميركية، في البلاد التي تعتزم هذه السينما غزوها، بعض الاضطراب، ولا سيما في الهند، حيث لا أمل في منافسة الأفلام المحلية. ولا تنفك"الجمعية الأميركية للأفلام السينمائية"تكافح القرصنة في انحاء العالم، وأولها اسواق جنوب شرقي آسيا. وتفتقر السينما الأميركي في الأثناء، الى مواهب جديدة. فكبار مخرجيها اليوم مثل ايستوود وآلن وسكورسيزي ودي بالما ولوكاس وسبيلبرغ، بلغوا الستين أو السبعين من العمر. وتعاظم موازنات الإنتاج والتسويق يدعو السينما الأميركية التجارية الى الحذر في إيلاء سينمائيين شباب التصرف في الموازنات هذه. عن بيار غرا، "كومونتير" الفرنسية، ربيع 2007