السنة لا تزال في بدايتها، غير انني واثق من انها ستنتهي، وأوقح ما أفرزت السنة كلها هو مقالات في"معاريف"تقلب الأدوار بين القاتل النازي الاسرائيلي وضحيته الفلسطيني. قاموسي في أنواع الشتائم والاهانات ثري جداً، فانا لستُ خريج مدارس بيروت وجامعاتها فقط، وإنما أعرف لغة شارعها أيضاً. إلا انني لا أحتاج مع الوقاحة الاسرائيلية الى كيل أي نعوت، فالبذاءة تدين نفسها، لذلك أكتفي بالتعليق المباشر المختصر على المادة التي أنا في سبيل عرضها على القارئ. أتلقى الصحف الاسرائيلية كل يوم، مترجمة الى الانكليزية، وأتلقى الاثنين من كل أسبوع ملحقاً للصحف الاسرائيلية يضم بعض ما نشرت من تحقيقات. وهكذا كان. وتلقيت الاثنين الماضي، والسنة في اسبوعها الأول ملحق الأسبوع، وهو يبدأ بتحقيق بعنوان"والعالم يدفع"كتبه بن - درور يميني ونشرته"معاريف"كجزء من سلسلة بدأت في أيلول سبتمبر الماضي. التحقيق الأخير يبدأ بمقدمة هي: الفلسطينيون في نظر الرأي العام العالمي هم أكثر الشعوب بؤساً في العالم، والأكثر تعرّضاً للاضطهاد في هذا الكوكب، شعب يملك كل صفات الضحية. وقد كتبت مقالات لا تحصى عن بؤسهم، عن فقرهم، عن لاجئيهم، ما مضى عليه عقود حتى الآن. مقالات"معاريف"تشكك في هذه المعلومات، فالكاتب في بلد يقتل النساء والأطفال يعرف ما لا يعرفه العالم كله، وهو من الوقاحة ان يقدم"معلومات"تناقض ما رأى العالم وتابع على امتداد عقود من التطهير الاثني في الأربعينات هناك كتب اسرائيلية توثقه ثم تحويل قطاع غزة الى معسكر اعتقال نازي قبل الانسحاب منه، الى قتل بنات المدارس، مثل ايمان الهمص، والطفل في حضن أبيه مثل محمد الدرة، مع ان الكاتب لو سئل لربما قال ان الولد انتحر كما انتحر المسيح قبل ألفي سنة. الحلقة الأولى في السلسلة الوقحة بامتياز كان عنوانها"والعالم صامت"، فهي تحدثت عن القتل الجماعي الذي مارسه عرب ومسلمون بحق عرب ومسلمين. وقالت ان عدد العرب، خصوصاً من الفلسطينيين، الذين قتلوا في النزاع مع اسرائيل قليل بالمقارنة. هذا عذر لا يقدر عليه سوى اسرائيلي، أو يهودي أميركي يؤيد اسرائيل والحرب على العراق مثلاً، فهو يقول طالما ان مسلمين قتلوا مسلمين فإن من حق اسرائيل ان تقتل فلسطينيين، أي ان جريمة في مكان تبرر جريمة في مكان آخر. وبهذا المنطق فقد قتل مسلمون 200 ألف مسلم في دارفور، فاذا قتل الاسرائيليون غداً مئة ألف فلسطيني فجريمتهم لها اسباب تخفيفية. طبعاً اسرائيل لا تقتل أقل بل أكثر، وإحصاءات جماعة"بتسلم"الاسرائيلية التي أعود اليها باستمرار تظهر ان اسرائيل قتلت منذ 29/9/2000 أضعاف ما قتلت الفصائل الفلسطينية مجتمعة، خصوصاً بالنسبة الى القاصرين حيث بلغ عدد الضحايا من الأولاد الفلسطينيين حتى نهاية العام الماضي 811 مقابل 119 ولداً اسرائيلياً، أي نسبة سبعة الى واحد وبما ان صدام حسين قتل مئات الألوف فمن"حق"الأميركيين قتل مئات ألوف العراقيين. التحقيق المزيّف الأول تبعه تحقيق أسوأ كان عنوانه"والعالم يكذب"فهو تحدث عن اللاجئين الفلسطينيين، وقال ان 40 مليون انسان نقلوا في تبادل مواطنين حول العالم، الا ان الفلسطينيين يصرّون على البقاء لاجئين. هو العذر نفسه، فالقتل يبرر القتل، والتهجير يبرر التهجير. الا ان اسرائيل في وضع أسوأ من أي بلد آخر في العالم، فالعذر هنا عنصري خالص، لأنه يعني في النهاية ان من حق يهودي ان يعود الى فلسطين بعد ألفي سنة أو ثلاثة آلاف سنة، ولكن ليس من حق فلسطيني ان يعود بعد 50 سنة. كانت هناك دويلات صغيرة لليهود في ما اسمه عندهم يهودية، واسرائيل كانت دويلة أصغر من اليهودية وأقل أهمية دينية. وهناك اليوم كتب لعلماء آثار اسرائيليين يقولون انه اذا وجدت اسرائيل يوماً فهي ليست على أرض فلسطين الانتداب، كما ان القدس اليهودية المزعومة لم تقم في أرض القدس العربية حيث لا يوجد أثر اسرائيلي واحد، وحجارة حائط المبكى نفسه ليست أقدم من عصر المماليك. هل يمكن ان توجد وقاحة أكثر مما سبق؟ يبدو ذلك مستحيلاً الا ان بن - درور يميني يتفوق على نفسه بالمقال الاخير"والعالم يدفع"فالعنوان يعكس غَرَض المقال الذي يزعم ان الفلسطينيين مسؤولون عن بؤسهم والعالم يفتح محفظة نقوده ويدفع لهم. اسرائيل دولة متسوّلة، وهي ستفلّس وتباع في المزاد من دون ثلاثة بلايين دولار تدفعها الولاياتالمتحدة لها كل سنة منذ عقود، وبلايين أخرى تتلقاها كل سنة من سندات الخزينة وتبرعات اليهود الأميركيين وغيرهم. واسرائيل لا تستطيع الوقوف على قدميها من دون سرقة أموال المكلف الأميركي، وهناك كونغرس أميركي باع ضميره وبلده للوبي اليهودي، ثم يتحدث مقال عما يتلقى الفلسطينيون من فتات. المقال نفسه يتحدث عن عشرات المقالات والدراسات الأكاديمية التي توثق بؤس الفلسطينيين، الا ان كاتباً يمينياً كاسمه يؤيد اجراءات حكومة نازية يعرف اكثر من الرأي العام العالمي، ومن أكاديميي العالم، ومن منظمات يهودية انسانية تدافع عن الفلسطينيين بهمة لا تعرف الكلل. وأعرف ان السنة في أولها إلا أنني أرشح سلسلة"معاريف"لجائزة الوقاحة الصحافية، فلا يمكن ان نرى خوتزباه أكثر، الا ان تطلع الصحيفة نفسها والكاتب بسلسلة جديدة.