ألغت المحكمة العليا في إسبانيا لوائح ترشيح إلى انتخابات الباسك تتضمن أسماء منتمين إلى محيط منظمة"إيتا"الموضوعة على لائحة الإرهاب الأوروبية. وتزامن ذلك مع رئاسة بروتستانتي متشدد لحكومة إيرلندا الشمالية واختيار أحد قادة حزب "شين فين" الكاثوليكي نائباً لرئيس الحكومة، بدا أن عملية السلام التي أطلقها الإيرلنديون والبريطانيون منذ تسع سنوات بدأت تؤتي ثمارها، فيما يتعثر الإسبان في محاولة نشر السلام في بلاد الباسك شمال. صحيح أنه لا يمكن مقارنة هاتين الحالين لعدم وجود عامل دين في النزاع الإسباني ولأن أهداف"شين فين"توحيدية لا انفصالية كما هو الحال مع الباسك التي تتمتع بحكم ذاتي لا تتمتع بمثله إيرلندا الشمالية، إضافة إلى أن مشكلة الباسك أكثر تعقيداً كونها تطاول إسبانيا وفرنسا معاً. وفي محاولة لتطبيق أمثولة السلام الإيرلندية في الباسك، زار الكاهن الإيرلندي آليك رايد شمال إسبانيا في أعقاب"الهدنة الدائمة"التي أعلنتها منظمة"إيتا"من جانب واحد قبل سنة. والتقى رايد هناك كل الأطراف الباسكية، لكن زيارته لم تثمر نتائج ملموسة على رغم خبرته في استعادة الفرص الضائعة، فهو أيد حمل السلاح في بلفاست عام 1969 ثم دخل وسيطاً للتهدئة هناك في الثمانينات. وكانت الحكومة الاشتراكية في مدريد، نالت موافقة البرلمان لإجراء لقاءات مع محيط"إيتا"من أجل التوصل إلى السلم الأهلي، لكن ذلك لقي معارضة شديدة من الحزب الشعبي المعارض، في حين أن شريحة كبيرة من الإسبان لا تريد الحوار قبل"إدانة إيتا الإرهاب ونزع سلاحها"، وتطالب هذه الشريحة ب"عدم دفع ثمن للإرهابيين لوقف القتل"، وترفض"تقديم تنازلات لهم من دون الحصول على أي ضمانات". وجاءت عملية تفجير"إيتا"جزءاً من مطار مدريد قبل خمسة أشهر، لتحبط الآمال في السلام وتثبت ما يقوله المعارضون أن المنظمة الباسكية"لا تعرف سوى لغة القتل والدمار". أما الحكومة فسارعت إلى نفي بدء التفاوض مع محيط الراديكاليين الباسكيين، فيما تواصلت الاعتقالات التي تقوم بها السلطات الأمنية الفرنسية والإسبانية لمواجهة"تحركات إرهابية"ويتخللها ضبط مستندات تشير إلى أن"إيتا"لا تعني ما تقول في شأن الهدنة. في المقابل، تنازلت النيابة العامة أمام دي خوانا العضو في"إيتا"الذي دين بقتل عشرات الأشخاص وأخرجته من السجن بعد ادعائه"إضراباً عن الطعام يهدد حياته". لكن"إيتا"ما زالت فاعلة والشرطة متخوفة في أي وقت من عملية إرهابية. أما الحزب الذي يشكل الذراع السياسية لمنظمة"إيتا"، فتغير اسمه مرات عدة كلما كشف أمره، فلجأ إلى استخدام حليفه حزب"التحرك القومي الباسكي"المرخص منذ 77 سنة، ليشكل لوائح مرشحين من أفراد عائلات أعضاء التنظيم العسكري والمقربين منهم. ورفضت المحكمة العليا 133 من تلك الترشيحات بناء على طلب النيابة العامة، لكن أصحابها استأنفوا الحكم أمام المحكمة الدستورية. واكتشفت المعارضة أن في المناطق التي يتمتع فيها حلفاء"إيتا"بشعبية مهمة، لم تتقدم النيابة العامة بطلب التدقيق باللوائح، بل تحاول، ب"إيحاء من الحكومة"، "تضييع الوقت كي تمرر مهلة الاعتراض ويتمكن الراديكاليون من الترشح"، بحسب ما تقول المعارضة. ويتخوف البعض من وصول مرشحين مؤيدين ل"ايتا"إلى البرلمان حتى يتمكنوا من الاطلاع على صناديق التوفير الباسكية التابعة للحكومة الإقليمية وحسابات كبار المودعين فيها، ما يعزز احتمال أن تطالبهم"إيتا"بدفع ضريبة حرب لها. ويعتقد بأن القوميين الراديكاليين سيعودون إلى البرلمان الباسكي على رغم أنهم ينتمون إلى مجموعة محظورة بحكم قضائي، وقد يكون بينهم من في إمكانه أن يلعب دور زعيم"شين فين"الإيرلندي جيري آدامز، على رغم عدم توافر أجواء لذلك، لا في الباسك ولا في مدريد.