إيران وليست تركيا من يقلق الأكراد. هذا ما تسمعه من مصادر واسعة الإطلاع في الإقليم. طبعاً يبقى القلق من الدور التركي قائماً ومعلناً، لكنه ليس داهماً هذه الأيام. اعتقال الضباط الإيرانيين الخمسة في أربيل على أيدي قوة عراقية تؤكد ايران انها تعمل بأمرة الاميركيين قبل اشهر قليلة أغضب طهران التي اعتبرت أن دور"البيشمركة"الكردية حاسم في إبلاغ الأميركيين بوجود هؤلاء الضباط وبطبيعة مهماتهم. بعد أسابيع قليلة على الاعتقال تحركت بعض مجموعات"أنصار الإسلام"المتمركزة تقليدياً على الحدود العراقية - الإيرانية في منطقة بنجاوين في جبال هورمان. وقعت اشتباكات بين هذه المجموعات وبين"البيشمركة"، وهي المرة الأولى التي تتحرك جماعة"أنصار الإسلام"في تلك المنطقة القريبة من مدينة السليمانية، منذ تدمير مواقعها أثناء الحرب عام 2003. إيران ليست المصدر الوحيد لمخاوف الأكراد السائرين بتجربتهم للحكم الذاتي، بخطى حثيثة. فالإقليم الكردي محفوف بالمخاوف من جهاته الأربع: من سورية وإيرانوتركيا والداخل العراقي. والإقليم المزدهر هذه الأيام بحركة اقتصادية وعمرانية واسعة، يفصل بين السياسة وبين الاقتصاد، تماماً كما تفصل بينهما دول الجوار. الدول التي تصدِّر الخوف للأكراد تصدّر إليهم أيضاً البضائع والسلع، وتجار منها يجولون في أربيل باحثين عن فرص استثمار واتجار في هذه السوق الجديدة. فعلى رغم السجال الحاد بين رئيس الإقليم مسعود بارزاني والقيادة التركية، على خلفية تهديده بالتدخل في ديار بكر إذا واصل الأتراك تدخلهم في الإقليم، تقيم مئتا شركة تركية في أربيل... وعلى رغم الاحتقان الراهن بين القيادتين الإيرانية والكردية، يجوب تجار إيرانيون أنحاء الإقليم، ويتولى تجار من مدينة حلب السورية توزيع منسوجاتهم في الأسواق الكردية. تحقيق في الصفحة 11 كركوك ما زالت"قدس الأكراد"، كما يؤكد اكثر من مسؤول كردي. لا أحد هنا في أربيل يتصور خريطة للإقليم لا تتصدرها كركوك. نائب رئيس البرلمان مصطفى كركوكي وضع في مكتبه خريطة للإمبراطورية العثمانية طبعت في بيروت عام 1893 تبيّن أن كركوك جزء من كردستان. قيمة الخريطة طبعاً أنها عثمانية، وهي وثيقة في وجه"المقاومة التركية الشديدة لمنع ضم كركوك الى الإقليم الكردي". ويعد الأكراد أنفسهم لأكثر من منازلة من أجل"قدسهم". لوائح المرحّلين الأكراد من المدينة أصبحت جاهزة، والتقارير التي"تثبت كرديتها"أعدتها جهات متخصصة استقدمها الأكراد من جهات الأرض الأربع. ولا يغفل الأكراد"حقوقاً تاريخية"لهم في كثير من المناطق الأخرى، من دون ان يجعلوها جزءاً من مطالباتهم بضمها الى الإقليم. فالموصل مدينة مختلطة، ربطتها لجنة دولية في أعقاب الحرب العالمية الثانية ب"ولاية كردستان"، ووثائق إسقاط الجنسية عن عشرات الآلاف من الأكراد والتي أصدرها النظام العراقي السابق أعدت كي يشارك ضحاياها في عملية الاستفتاء على مصير كركوك. السجال المتجدد بين بارزاني والقيادة التركية رفع معدل المشاعر القومية الكردية المرتفع أصلاً، وأربيل تضج بأصداء السجال. والكلام على ان زعامتي جلال طالباني ومسعود بارزاني تتعديان أكراد العراق، يوظف اليوم في الرغبة بمساندة أكراد"الشتات"إخوانهم في الإقليم الكردي العراقي. لكن المعضلة كبيرة والدول المجاورة والقلقة من"النيات الاستقلالية الكردية"ليست دولاً صغيرة، والحليف الأميركي لن يضحي بمصالحه معها في مقابل إرضائهم بكركوك. "الحياة"زارت اقليم كردستان العراقي ورصدت التغييرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي رافقت ثلاث سنوات من الحكم الذاتي، بعدما كانت هذه التجربة محفوفة بخطر انقضاض صدام حسين عليها. فهناك الازدهار الاقتصادي المترافق مع الرغبة في اكتمال التجربة عبر ضم كركوك الى الإقليم، والتفاوتات الناجمة عن تحديث البنى المدينية، وأوضاع حقوق المرأة في ضوء سعي الأكراد الى تقديم تجربتهم الى المجتمع الدولي كنموذج يستحق الدعم.