بأوضح كلام ممكن : إسرائيل رفضت المبادرة العربية، وترفض السلام. المبادرة تقول إذا انسحبت إسرائيل من الأراضي المحتلة، بما فيها الجولان، وإذا توصل الفلسطينيون والإسرائيليون إلى حل عادل لمشكلة اللاجئين، وإذا قبلت قيام دولة فلسطينية ذات سيادة على الأرض التي احتلت في حزيران يونيو 1967، فإن الدول العربية ستعتبر النزاع العربي - الإسرائيلي منتهياً وتدخل اتفاق سلام مع إسرائيل وتقيم علاقات طبيعية في إطار هذا السلام الشامل. هل هناك أوضح من هذا الكلام؟ إذا التزمت إسرائيل بكذا تلتزم الدول العربية بكيت. غير ان رئيس وزراء إسرائيل ايهود أولمرت رحب بالمبادرة العربية، وقال إنها تنطوي على عناصر إيجابية، ثم أصر على حذف"شرط"عودة اللاجئين الذي لا تشترطه المبادرة إطلاقاً، وإنما تفتح الموضوع للتفاوض، وأكد أولمرت في مقابلة مع"جيروزاليم بوست"، وقبل ان يجري أي اتصال موضوعه المبادرة، انه لن يقبل بعودة فلسطيني واحد الى ما اصبح إسرائيل. في أهمية ما سبق ان أولمرت اتّبع شرطه هو لا شرط المبادرة لبدء مفاوضات بإعلانه في مؤتمر صحافي انه مستعد لمقابلة القادة العرب المعتدلين، ودعاهم الى مقابلته. أولمرت قلب بذلك المبادرة العربية رأساً على عقب، فهو يقول انه اذا وافقت الدول العربية على التطبيع مع إسرائيل، فهو سيوافق على التفاوض مع الفلسطينيين طبعاً بعد حذف"شرط"العودة. الأمير سعود الفيصل قال له لا، وكذلك فعل السيد عمرو موسى، والسلطة الفلسطينية قالت انه يحاول انتزاع اعتراف عربي قبل التفاوض مع الفلسطينيين، ومن دون أي ضمانات في شأن نتيجة المفاوضات. أولمرت يحلم أو يهذي، فلا تطبيع مع العرب ابداً ولا اعتراف، ويكفي ان ننظر إلى مثل مصر، فبعد 27 عاماً من معاهدة السلام إياها لا تطبيع البتة مع شعب مصر، والشارع المصري أكثر عداء لإسرائيل من أي شارع عربي آخر، فالمصري وكل عربي يرى إسرائيل تقتل النساء والأطفال أتعبت القارئ بتكرار نشر الأرقام وتدمر وتغلق، ويعرف ان هناك عشرة آلاف فلسطيني في سجون إسرائيل، كما يلاحظ ان حكومة أولمرت، وهي متطرفة اصلاً، ردت على هزيمتها في حرب الصيف مع"حزب الله"، بزيادة التطرف وانضم إليها عنصري حقير هو افيغدور ليبرمان الذي يدعو الى تسفير فلسطينيي 1948 من إسرائيل إلى الضفة الغربية، ثم تسفير الجميع إلى الأردن. أولمرت ليس بعيداً عن ليبرمان، فهو في المقابلة الصحافية قال ان إسرائيل ليست مسؤولة عن تهجير الفلسطينيين، وإنما الدول العربية التي هاجمت إسرائيل بعد إنشائها. وهكذا فيهود أوروبا لم يسرقوا فلسطين من أهلها، والدول العربية معتدية، ولم تقع مذابح من نوع دير ياسين. وأغرب ما في موقف أولمرت انه يقول هذا مع ان هناك طائفة من المؤرخين الإسرائيليين الجدد الذين اصبحوا يعترفون بأن فلسطين سُرقت من أهلها، وأن هناك اعترافات إسرائيلية بالمذابح لتهجير الفلسطينيين، بل هناك اعترافات بتفجيرات صهيونية في العراق لحمل اليهود العراقيين على النزوح إلى إسرائيل. وكما كذب أولمرت على التاريخ، فهو كذب على السياسة اليومية، فأصر في المقابلة على ان غزو لبنان في الصيف الماضي لم يكن خطأ، وأن فضائح حكومته المتكررة غير مهمة. هذا هو أولمرت، والنتيجة ان ليس عند الفلسطيني، أو العربي بعده لا قبله شريك إسرائيلي في طلب السلام، فحكومة أولمرت أضعف من ان تعقد سلاماً ورئيس الوزراء أكثر تطرفاً من ان يقدم التنازلات المطلوبة للسلام، فلا يبقى له سوى قدرة عصابة الشر الإسرائيلية في الولاياتالمتحدة على توجيه السياسة الأميركية بما يخدم مصالح إسرائيل، ويدمر المصالح الأميركية في الشرق الأوسط، ويزيد الكره لكل ما هو أميركي حول العالم. وزيرة الخارجية الأميركية الدكتورة كوندوليزا رايس تحاول، غير ان هناك في الإدارة عناصر نافذة بقيادة نائب الرئيس ديك تشيني، لإحباط عملها، والنتيجة أنها لا تستطيع ان تبتعد عن الموقف الإسرائيلي بالقدر الكافي لتدعي أنها وسيط شريف ومحايد، فبعد أربع جولات في المنطقة في أربعة أشهر، وست جولات في سنة، لم تنتزع الدكتورة رايس من أولمرت سوى اتفاق على اجتماع كل أسبوعين مع الرئيس محمود عباس. وأسرع أولمرت بعد ذلك لتفريغ الاجتماعات الدورية هذه من أي محتوى فعلي كما فعل بالمبادرة فقال انه سيقصر حديثه مع الرئيس الفلسطيني على المسائل الأمنية والإنسانية، أي لا شيء، فكل ما على إسرائيل هو ان تنسحب فتتوافر للفلسطينيين حاجاتهم الأمنية والإنسانية. مرة أخرى، لا مفاوضات على أفق سياسي أو مرحلة أخيرة مع هذه الحكومة الإسرائيلية، فهي لا تريد السلام، وغير قادرة على تحقيقه لو أرادت، وإنما تكذب وتماطل، وتستعد لجولة حرب جديدة، فزعمها ان إيران وسورية و"حزب الله"تخطط لحرب جديدة في الصيف يعني انها تخطط لهذه الحرب، والدولة التي لم تعرف ما عند"حزب الله"من رجال وسلاح وهي أمامه وخلفه وحوله، لا يمكن ان تعرف ما في رؤوس رجال هي أفشل من ان تراهم.