لم تعصم قوانين تأميم الموارد الطبيعية البوليفية الرئيس "الرفيق" إيفو موراليس من تظاهرات الاحتجاج العمالية والفلاحية. فتشهد العاصمة لاباز، تظاهر عمال المناجم التي تديرها التعاونيات، خلافاً لتلك التي تتولى الدولة إدارتها، وتنديدهم بإلغاء امتيازات ضريبية كانوا يتمتعون بها الى وقت قريب. وكان تظاهر عمال التعاونيات أدى خارج لاباز، في ختام 2006، الى مصادمات بينهم وبين عمال مناجم الدولة، والى وقوع قتلى في صفوف الجماعتين. فلم تنقض 24 ساعة، هذه المرة، على نزول العمال الى شوارع العاصمة، وتوجههم الى قصر الرئاسة،"بالاثيو كويمادو"الذي تحميه قوى الأمن وتفجيرهم الديناميت على جاري عادات محلية، حتى استقبلهم الرئيس البوليفي، ورد امتيازاتهم الى سابق عهدها. والحق أن هامش سياسة موراليس يضيق. فبعد اقتتال عمال مناجم الدولة وعمال مناجم التعاونيات، اضطر الى إعلان الطوارئ في مدينة كوشابامبا، وهي ثالث مدن بوليفيا. وكان محافظ الولاية، أو واليها، قرر إجراء استفتاء محلي على استقلال الولاية الذاتي. وهو الاستفتاء الثاني في المسألة نفسها، بعد استفتاء وطني سابق في تموز يوليو 2007 لم يحظ بالغالبية. فرد مزارعو الكوكا على قرار المحافظ بالنزول الى الشارع، ودعوة المحافظ الى الاستقالة. فسقط قتيلان في التظاهرة ومئة جريح. واضطر المحافظ الى العودة عن اجرائه المزمع. وعندها دعا موراليس مزارعي الكوكا، قاعدته وأنصاره، الى الهدوء. وتعاقبُ هذه الحوادث غداة 14 شهراً على فوز موراليس، المزارع الهندي من قوم أيمارا، بالرئاسة في دورة الانتخاب الأولى، لا يؤاتي الآمال العريضة التي عقدها الرئيس الجديد، وهو أول هندي يتبوأ المنصب في أميركا الجنوبية، وعقدها مواطنوه على ولايته. فما عدا تأميم المحروقات، تتعثر الموضوعات الأخرى بضعف الإجماع عليها. فمناقشة الدستور الجديد لم تكد تبدأ. ويرجح ألا يفي الرئيس بتموز الآتي موعداً للفراغ من مناقشة المواد كلها، وصوغ الديباجة المنتظرة. والبند الثاني في برنامج الاصلاح هو توزيع الأرض. وتبلغ مساحة هذه 94 مليون هكتار. وفي انتظار إقرار قانون الإصلاح الزراعي، الأرياف تغلي خوفاً واضطراباً. وعلى رغم حسم مسألة استقلال الولايات الذاتي في الاستفتاء العام قبل ثمانية أشهر، لم تطوَ المسألة، ولا يزال البوليفيون مختلفين. وتناصر أربع ولايات، تتصدرها ولاية سانتا كروز الكبيرة، مطلب الاستقلال الذاتي، واقترعت ب"نعم". ويتهدد الخلاف، إذا تفاقم، وحدة بوليفيا الوطنية. ويندد أهل سانتاكروز ب"الغرباء"الوافدين الى المدينة، والولاية الغنية، من لاباز والسهل الداخلي والعالي "ألتيبلانو"، ويتهمونهم بنهب موارد الولاية وعاصمتها. وينعى سياسيو لاباز، وأولهم محافظها المنتخب روبين كوستاس، على موراليس وأعوانه وأنصاره اتخاذهم تسلط هوغو تشافيز، رئيس فنزويلا، قدوة ومثالاً. ويبعث الاستقلال الذاتي منازعات وأهواء قديمة يعود بعضها الى أوائل القرن التاسع عشر وولادة الحركة الاستقلالية عن اسبانيا. ولكنه، من وجه آخر، ذريعة تتذرع بها طبقة أوليغارشية عريقة من كبار الملاكين. ففي ولاية سانتا كروز، تتصدر المجتمع المحلي"طبقة"ضيقة من 47 أسرة. وتملك هذه عشرات الآلاف من الهكتارات التي حازتها في عهود الديكتاتورية العسكرية، ولقاء ولائها هذه الديكتاتوريات. وتنسب طبقة سانتا كروز الغالبة، وهي طبقة ثرية ومقاولة ومبددة في آن، الى حكام لاباز البيروقراطية الطفيلية، والإيديولوجية المقيدة بقيد"الطائفية"الحرفية والاقتصادية. وفاقم انتخاب إيفو موراليس التقابل أو التناقض بين قطب العمل المنتج والمثمر، ويفترض في سانتا كروز التمثيل عليه، وبين قطب الاعتراض والشلل، ويفترض في لاباز رفع لوائه. فهو، أي موراليس، نفخ في مخاوف خصومه ومعارضيه حين أراد تحكيم الغالبية البسيطة في تعديل مواد الدستور، بدل الثلثين، على ما ينص الدستور، وتدعو الأعراف الدستورية اليه. فاضطر الرئيس الى التراجع. ودعا ميليشيا صغار المزارعين والعمال الهنود الى مؤازرة القوات المسلحة، والتصدي لدعاة الاستقلال الذاتي بالقوة. وحين ارتفعت الاحتجاجات وتعاظمت، اضطر الى الوعد بتجريد الميليشيا من السلاح وحلها. ويخشى مراقبون محليون كثر انفجار حرب أهلية. فخصوم موراليس انقبلوا الى أعداء، على قول أحدهم، وهو وزير سابق. والذين توقعوا انتهاج موراليس سياسة مانديلا، الافريقي الجنوبي، خاب فألهم حين رأوه يسير على خطو تشافيز. ويرد أنصار موراليس بأن الإجماع يحسن ويطلب على شرط ألا يطيح الانجازات التي انتظر تحقيقها 30 عاماً من غير طائل. ووراء موراليس حزب أقرب الى النقابة منه الى المنظمة السياسية. وتحمل الجماعة النقابية رئيسها على حامل لوائها، وممثلها المباشر. وهو يدين لها، في حسبانها، بالحساب. فهو مِلكها الخاص. ولا شأن للبوليفيين الآخرين بالرئاسة، وبسياستها، وبتأليفها بين المصالح المختلفة والمتفرقة. ويحسب أنصار موراليس، شأنه هو، أن ما عليه إلا دعوتهم الى التظاهر، والنزول الى الطرقات، ليلبوا الدعوة. وينبغي، على ما يرون، أن يحسم التظاهر الخلاف، ويرجح كلمة الرئيس. ويتوقع موظفون في وزارة الأرض أن تتخفف بوليفيا من"اللاتيفانديين"كبار ملاكي الأرض، وتسود الملكية الأهلية الجماعية، في غضون أسابيع. ويرى الموظفون أنفسهم أن صفة الاجواء السياسية تتقدم احتمالات نجاحه الاقتصادية. فإذا لم"يعمل"الاصلاح الزراعي، ولم يضطلع بمهمات الانتاج الضرورية، لم يعن ذلك بطلانه، ولم يعبه أو يقدح فيه، وفي صوابه. ف"إدارة"موراليس لا يعنيها في شيء طي صفحة المثال السوفياتي، وإخفاق كاسترو، إخفاقاً مدوياً، وما تستبعه العولمة من منافسة وتداول. وعلى شاكلة رئيسها، لا تزال النقابة دنياها، ولا دنيا سواها. عن دومينيك أوديبير، "لوبوان" الفرنسية ، 29 /3/ 2007