يتكرر مشهد القبض على مطلوبين وضبط ذخيرة حية ومخططات تخريبية. يختلف هذا المشهد في أنه جاء صادماً للمتابعين، خصوصاً أنه تضمن رقماً كبيراً من المطلوبين، الذين ينتمون إلى سبع خلايا مختلفة، وتقنيات جديدة في خزن السلاح في المخابئ، وأنباء عن مبايعة 61 شخصاً منهم لزعيمهم في مكةالمكرمة. صور الأسلحة والذخيرة الحية وهي تستخرج من باطن الأرض، ومن مجاري المنازل، علقت في أذهان السعوديين بشدة هذه المرة، في الوقت الذي كانت التحركات الأمنية تسجل إنجازاتها بين الوقت والآخر بالملاحقات والعمليات الاستباقية الناجحة. غير أن هذه الصور والمشاهد باتت هاجساً يضع المزيد من علامات الاستفهام، وربما تزايد المخاوف لدى المواطن العادي. ويقول الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية عبدالله بن بجاد العتيبي ل"الحياة":"أكدت وزارة الداخلية السعودية أن لها السبق في اجتثاث بؤر الإرهاب في السعودية وملاحقة عناصر الفئة الضالة، وهذه الخطوات الاستباقية تبشر بالخير، لكن ما أود أن أؤكد عليه أن الإرهاب في السعودية يحتاج سنوات طويلة، والاهم من ذلك هو بحاجة لتخفيف مصادره والمنابع التي تعززه". وأضاف:"في اعتقادي هناك خطوات لابد من الوقوف معها بشكل صادق، ففي المشهد السعودي لابد من محاسبة جميع مصدري الفتاوى التي تعزز الكراهية بين المسلمين، فهنالك فتاوى تصدر ضد أشخاص معنيين في السعودية من مثقفين وأدباء وضد مؤسسات اجتماعية مدنية وضد فعاليات ثقافية، وهناك حشد لشبان". ويعتقد المحلل السياسي مشاري الذايدي"أن الكشف الأخير تطور كبير على مستويين، الأول الأمني المتمثل بإحباط تنظيم بمثل هذه الضخامة والتشعب، والثاني تطور من جهة القاعدة، إذ كشفت العملية الأخيرة أن لدى"القاعدة"القدرة على التلون وتغيير التكتيكات والأساليب، ومن الواضح كذلك أن لها القدرة على التجنيد، الأمر الذي يؤكد أن الحرب على الإرهاب امر ليس سهلاً، خصوصاً وأنهم فئة غير معزولة، بل كشفت العملية الأخيرة أنهم في تزايد وتشعب". ويقول الكاتب السعودي فارس بن حزام، وهو المتابع لشؤون"القاعدة"، إن جزءاً كبيراً من المقبوض عليهم أعمارهم تحت سن ال23 عاماً، وأن معظمهم ليست له مواقف عنيفة، وغير مجهزين لأية مواجهة مسلحة، لكنهم يتبنون الفكر الضال. واشار إلى أن هذا العدد من الموقوفين يمكن تقسيمه إلى نوعين، الأول مرتبط ب"القاعدة"ارتباطاً قديماً ومنهم مقاتلون وقادة، والثاني يتكون ممن تلقوا الفكر الضال في الداخل، ويمكن وصف عملهم، بأنه إعادة لبناء التنظيم، بعد الضربات المتلاحقة التي تلقاها سابقاً وهؤلاء يتبنون أفكار التنظيم باستهداف المنشآت النفطية وبعض المصالح الداخلية. ويؤكد اللواء المتقاعد يحيى الزايدي أن النجاح الأمني في محاصرة الإرهاب تحقق بامتياز. ويشير، إلى أن ضبط هذا العدد الكبير من دون مواجهات مسلحة دليل على نجاح العمل الاستخباري، الذي لا بد من أن يكون شمل الرصد والتحليل والمتابعة والتحقيق، ومن ثم التنفيذ بأساليب محكمة يتم فيها القبض على المطلوبين بطرق سلمية. غير أن مراقبين آخرين انتقدوا غياب الملاحقة الفكرية ل"الفئة الضالة"، وطالبوا بإعلان"حالة طوارئ فكرية"غير مسبوقة، تتناسب مع حجم الجهد الأمني الكبير. ويقول ابن حزام:"على رغم كل النجاحات التي تجيَّر لرجال الأمن في مواجهة الفكر الضال، إلا أن المواجهة الفكرية للتنظيم ما زالت خجولة". وذكر العواجي في معرض حديثه عن المنتمين إلى"الفئة الضالة"ممن أعلن القبض عليهم أمس، أن"ارث الجهاد الأفغاني ارتد علينا بأثر رجعي في وقت سابق، وأن النار المستعرة في العراق أوجدت جيلاً جديداً ممن يتبنون ثقافة العنف والتكفير". وطالب بعض المحسوبين على التيار الديني، ممن وصفهم ب"الصامتين"، بالخروج من عزلتهم وإطلاق صوت الحق أمام عامة الشعب، لتبيين الموقف الشرعي والإنساني أمام مثل هذه الأعمال العدوانية. وقال رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية والقانونية الدكتور أنور ماجد عشقي عن عملية القبض على هذه الأعداد الكبيرة من الإرهابيين، إنها تعطي دليلاً على وجود متابعة لهم، وطول نَفَس أجهزة الأمن، حتى استطاعت القبض عليهم، قبل أن تؤدي مخططاتهم الآثمة إلى دمار شامل في المنشآت النفطية وغيرها.