تبجيل الطلاب معلّميهم كما دعا الشاعر أحمد شوقي يوماً، شيء، وما يحدث على أرض الواقع شيء آخر. - شيماء ماهر محمود 14 سنة اصطحبت شقيقها شريف 25 سنة وصديقاً له إلى مدرستها الإعدادية للاعتداء على مديرة المدرسة بالضرب والسبب"تجرؤ"المديرة على "منع التلميذة من بيع الملابس داخل المدرسة". - توجهت الطالبة نور خيري زغلول إلى ثانوية مجاورة لمدرستها، وأثناء طابور الصباح خلعت حذاءها وضربت به إحدى معلمات المدرسة التي عاتبتها على تحدثها إلى شباب لا تعرفهم، في باص عمومي. - نشبت مشاجرة بين طالبات مدرسة ثانوية صناعية بسبب أولوية الدخول إلى الفصل، وقامت ثماني طالبات مسلحات بالأسلحة البيضاء والمفكات وقطع حديد بغلق باب المدرسة وپ"احتجاز المعلمات في داخل القاعة لمنعهن من إبلاغ الشرطة". - كان المعلم محمد نجيب 27 سنة يراقب طلاب المدرسة الإعدادية وهم يؤدون الامتحانات وعندما ضبط أحد الطلاب متلبساً بالغش منعه من ذلك. فاستدعى الطالب عدداً من أقاربه وانهالوا على نجيب ضرباً، أثناء خروجه. هذه بعض الحالات التي وردت في دراسة"بث ظاهرة العنف بين طلاب المدارس"، للبرنامج التنموي للمرأة والطفل. وهي تشكّل عينة من حوادث عرفت طريقها إلى اقسام الشرطة المصرية خلال السنوات الماضية. وتؤكد أن المطالبة بوضع حد للعنف في داخل المدارس المصرية لم يعد يقتصر على العنف الموجه من المعلم إلى الطالب، إذ أصبح العنف في الاتجاهين. فقد حدث أن اعتدى طلاب على معلمين بطرق مختلفة، بدءاً بالسب والشتم فالضرب... حتى الموت. ووتيرة حصول الاعتداءات على المعلمين والطرق التي تُنفّذ منها تدعو إلى القلق، لأنها لم تعد تثير الصدمة، مثلما في السابق. ويكشف تقرير، أعدّه"ملتقى الحوار للتنمية وحقوق الإنسان"جمعية حقوقية حول ظاهرة العنف في المدارس، السنة الماضية، أن هذه الظاهرة صارت تشمل اعتداءات الطلاب وأولياء الأمور على المعلمين، ويلحظ أيضاً تبادل العنف بين المعلمين أنفسهم أمام الطلاب، ما أدى إلى تحول المدارس ساحات للاقتتال وممارسة للعنف. وتضمّنت أرقام الدراسة رصداً لعدد من حوادث العنف في مدارس 13 محافظة مصرية، 8 حالات عنف ارتكبها الطلاب بحق معلميهم، و5 حالات عنف بين الطلاب، و8 حالات اعتدى فيها أولياء الأمور على المعلمين، و8 حالات تبادل عنف بين المعلمين داخل المدارس، و21 حالة عنف من المعلمين باتجاه الطلاب. ويرى سالم فريد، خبير تربوي أن"المجتمع المصري أُصيب باهتزازات أدت إلى إصابة نسيجه بعدد من التهتكات". ويشير إلى أن الانهيار المستمر والحثيث الذي أصاب بعضاً من قيم تربية النشء، وحدود التعبير عن الغضب وعدم الرضا، والخوف من العقاب، وقلة احترام القوانين والعادات والتقاليد وغيرها، كل ذلك أثّر في هيبة المعلم وشعور الطلاب تجاهه بالاحترام. وفي الوقت نفسه، لا ينفي فريد أن المعلم نفسه ساهم إلى حد كبير في الانتقاص من هيبته، حين سمح لنفسه بأن يتحول من"معلم الأجيال إلى أستاذ خصوصي يتعامل مع من يدفع أكثر". ويتساءل:"حين يقترض المعلم سجائر من طلابه داخل الفصل، ويدخنها معهم أوليس في ذلك الفعل وشاكلته انتقاص من هيبته واحترامه؟". ولا يمكن إغفال علاقة الطالب بالمدرسة في محاولة لفهم أسباب"استقواء"الطلاب على معلميهم. ففي دراسة أجراها"البرنامج التنموي للمرأة والطفل"تبيّن أن نسبة رفض الطلاب الذهاب إلى المدرسة بسبب"عدم الفائدة"من ذلك بلغت 44 في المئة، ولأن المعلمين يلجأون إلى الضرب والمضايقات 37 في المئة، ولأنهم لا يحبون المعلمين 26 في المئة. ومن الأسباب التي ذكرها الطلاب أنفسهم: ضعف شخصية المعلم، عجزه عن ضبط الفوضى، الضرب والتعنيف... لكن الطريف في الدراسة أن نحو نصف الطلاب يعتبرون العنف عموماً طريقة جيدة أو وحيدة للتعبير، أو للتباهي. وتلفت الدراسة إلى أن معظم حوادث العنف تقع في مدارس حكومية، وهي التي أصبحت حكراً على أبناء الطبقات الفقيرة وسكان المناطق الشعبية، حيث تروج ثقافة"البلطجة"، واخذ الحقوق والتعدي على حقوق الآخرين بالقوة لا بالقانون. ومن وجهة نظر المعلمين، يقول أحمد المر معلم في مدرسة ثانوية حكومية إنه لا يشعر بالأمان داخل الفصل، بسبب ميول بعض الطلاب إلى العنف الشديد في تعاملهم مع بعضهم البعض، ووقوع اعتداءات على زملاء، تبقى من دون معاقبة الطلاب الجناة. والمر"ينصرف"إذا شعر بالخطر يقترب منه. وتلاحظ دراسة البرنامج التنموي للمرأة والطفل أن معظم المعلمين يعتبرون أن القانون لا يحميهم إذا اعتدى عليهم طلاب داخل المدرسة. ويدعو بعضهم إلى إلغاء قانون حظر الضرب، والتقليل من صلاحيات الطلاب لأنها خلقت توازناً في القوى بين المعلم والتلميذ ساهم في مسح هيبة الأول بممحاة.