لم يجد السعوديون بداً من أن يطلقوا على الشارع المعروف ببيع الصحون اللاقطة، وصيانة التلفزيونات، تسمية شارع "إبليس" على رغم أنه ليس الشارع الوحيد الذي تباع فيه الصحون اللاقطة، إلا أنه أشهرها على الإطلاق. أما لماذا تسمية "إبليس"، فليس لأن العمالة الوافدة تقوم ببيع الصحون اللاقطة وصيانتها فقط، بل لأن الأزقة الخلفية للشارع، والغرف الداخلية للمحال تشهد عمليات بيع لكل ما يتعلق بالتقنيات الممنوعة. فيمكن الحصول على كل القنوات المشفرة مقابل بضعة ريالات، وأياً كانت صعوبة الشيفرة، فالبنغاليون يستطيعون فكها، وإن لم تشفر إلا قبل لحظات. لا يجرؤ وافد من غير البنغاليين على البيع في ذلك الشارع، فهم يسيطرون على السوق بشكل واضح، والتسعيرة ثابتة لكل الخدمات. وعلى رغم أنه من الممكن الحصول على تسعيرة أقل إلا أن العامل لا يستطيع أن يرفع صوته بالسعر مخافة أن يسمعه جاره البنغالي أيضاً فتنشب مشاجرة بينهما. لذا، يهمس بصوت خافت يكاد لا يسمع، ويتحدث"شبز"عن تسعيرة خاصة ليكسب زبوناً، شرط ألا يخبر أحداً في المحال المجاورة لأنه قد يقع في مشكلة مع زملاء في المهنة ومواطنيه. "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، المتخصصة في متابعة القضايا الأخلاقية لا تتوقف عن ملاحقتهم. وتصادر مئات البطاقات المشفرة أسبوعياً من ذلك الشارع، وعلى رغم تخوف البنغاليين من الهيئة فيشكل واضح، إلا أن عمليات القرصنة وبيع البطاقات الكروت المخالفة لا تتوقف. رنة جوال من أحد البنغاليين في أول الشارع إلى زميله الذي في آخر الشارع كفيلة بإخباره أن شيئا"غير مريح"قد يحدث. فيخفي كل ما لديه من ممنوعات، ومبالغة في التخفي، يلجأ بائعون إلى تغيير القنوات الموجودة على الشاشات المعروضة للبيع، إلى قنوات دينية، أو إلى القناة السعودية الأولى، ظناً منهم أن ذلك يبعد الشبهات. وغير بعيد من سوق"إبليس"، يقع"حراج الكومبيوتر"، وهو السوق الأشهر لبيع لوازم الكومبيوتر. وعلى رغم أن الباعة ليسوا من البنغاليين، إلا أن العمالة هي من الجنسية نفسها ووجدت لنفسها مكاناً لا يقل أهمية عن وجودها في شارع"إبليس". فحين ترى أحدهم وقد ارتدى"الاوفرهول"المخصص لعمال غسيل السيارات، لا تعتقد أن العامل يغسل السيارات فقط، بل إن عمله الأساس هو بيع البرامج المنسوخة أياً كانت، ومخابئه تمتلئ بعشرات الصفحات من قوائم البرامج المنسوخة. بلطف واضح يتقدم اسماعيل من المتسوقين ويهمس إليهم الكلمة الشهيرة"برامز... برامز"ويقصد بها"برامج". يستطيع إسماعيل أن يعرف ما الذي تريده من طريقة سؤالك ولباسك، هل تريد برامج عادية أو برامج دينية أو برامج للاختراق والتجسس، وهو ما يحدد القائمة التي سيخرجها لك. أحياناً يخطئ اسماعيل في تحديد رغبة المشتري، لكن المشتري الحاذق يعرف قائمته بنفسه، ليعود ويسأل اسماعيل عن القائمة الأخرى التي يخبئها، وتحمل كثيراً من المسلسلات والأفلام غير المصرح ببيعها. وزارة الإعلام، وأمانات المدن، وهيئات الأمر بالمعروف ساهمت كثيراً في مكافحة هذه النشاطات، ولم يعد من المستغرب الإعلان عن القبض على مخزن يضم 100 ألف قرص تحتوي على أفلام خليعة، أو برامج منسوخة. لكن إلغاء الظاهرة أمر ليس بالسهل خصوصاً مع كثرة العمالة الوافدة وتكاتف أفرادها في ما بينهم. وإذا كان البنغاليون يحتكرون سوق الصحون اللاقطة والبطاقات المشفرة، والبرامج المنسوخة، فإن أعداداً كبيرة من الأفريقيين تسيطر على سوق غسيل السيارات. وبات أصحاب السيارات لا يرضون بأن يغسل سياراتهم غير رعايا إحدى دول الوسط الأفريقي الذين يشتهرون بجودة غسيلهم وإخلاصهم في ذلك. ومن المستغرب أيضاً أن تجد عاملاً بنغالياً أو هندياً يعمل في غسيل السيارات. تنافس الأفارقة في ما بينهم دفعهم إلى ابتكار طرق غريبة لغسيل السيارات، يصفها كثيرون بالمسرفة والمبذرة أحياناً. ويشير رياض عبد العزيز 22 عاماً الذي يمتلك سيارة فاخرة إلى أنه يحرص على أن يغسل سيارته"لدى عمالة أفريقية لا تستخدم مياه التحلية العادية، بل تستخدم المياه المعبأة والمخصصة للشرب!". ويرى رياض أن المياه المعبأة والمحلاة تحافظ على طلاء السيارة من التقشر أو بهتان اللون. طرق التنافس تتجاوز الماء لتصل إلى نوعية الصابون المستخدم في الغسيل وطريقة الرش، واستخدام بعض المواد البترولية على المياه لإضفاء اللمعان أيضاً.