أثارت روايتان صدرتا اخيراً لكاتبتين من اميركا اللاتينية بسبب كون البطلة في كل من العملين من المتعاملات مع الغزو الاسباني في القرن السادس عشر. وما أثار الضجة الأدبية بشكل أكبر، تقديم البطلتين بنظرة تعاطف تحررهما من الخيانة الوطنية. الكاتبة الأولى هي المكسيكية لورا اسكويفل التي عرفها العالم من خلال روايتها"مثل الماء للشوكولا"ثم من خلال الفيلم المستمد من تلك الرواية. وفي روايتها الجديدة، تقدم اسكويفل شخصية مالينش المرأة التي كانت تنتمي الى السكان الأصليين للمكسيك والتي تواطأت مع القائد هرنان كورتيس في غزو البلاد وقتل المئات من اهلها. أما الأكثر غرابة عند المنتقدين للنصين الروائيين، فكون احدى الكاتبتين هي الروائية التشيلية ايزابيل الليندي التي قدمت في كتابها الأخير"اينيس حبيبة روحي"شخصية امرأة اسبانية الأصل اسمها اينيس سوراز كانت على علاقة مع بيدرو دي فالديفيا أحد قادة الغزو الاسباني الذين ساهموا في الإبادة الجماعية للسكان الأصليين. ترجمة الرواية الى الانكليزية تصدر في شهر حزيران يونيو المقبل والضجة الإعلامية حولهما تروج لرواية الليندي على الأقل في بريطانيا. ويأتي صدور الروايتين بينما تعيد اميركا اللاتينية حالة من اعادة النظر بتاريخ الاستيطان الأبيض الذي بدأ في القرن الخامس عشر، اذ بدأ البعض يشدد من نظرته الى تاريخ الغزاة الاسبان الذي ساهم في إبادة حضارات عريقة مثل حضارة المايا والإنكا والأزتيك، حتى ان دولاً اعادت تسمية الاحتفال بيوم كريستوفر كولومبس الذي كان تكريماً للبحرية الأوروبية ووصولها الى شواطئ القارة عام 1492، وباتت هذه المناسبة الآن يوماً لإحياء ذكرى مقاومة السكان الأصليين للغزو. كما انه لا يجب ان ننسى أن وصول اثنين من ذوي الأصول الهندية الى سدة الحكم في بوليفيا والبرازيل في السنوات الأخيرة بدعم من احزابهما واكثرية شعبية، عزز الشعور القومي رسمياً وشعبياً لدى السكان الأصليين، ربما للمرة الأولى بهذه الصورة العلنية منذ استعمارهم من قبل الانسان الأبيض الذي حكم البلاد طوال القرون الماضية من خلال النخبة السياسية والعسكرية. بهذا المعنى قد لا يكون توقيت صدور الروايتين من صالح الكاتبتين اللتين تدافعان عن موقفيهما بالقول إن بطلة الرواية تعرضت لسوء فهمها وانها ليست امرأة سيئة بالمطلق، بل يجب إعادة الاعتبار لها واعتبارها نموذجاً قوياً وموحياً لنساء اميركا اللاتينية المعاصرات. أم سانتياغو صورت الكاتبة الليندي بطلتها في"اينيس حبيبة روحي"كامرأة محاربة ومغامرة اعتبرت في التاريخ التشيلي"ام مدينة سانتياغو"عاصمة البلاد، فقد بنت المستشفيات وحفرت الآبار واطعمت الفقراء، هذا اضافة الى مسالبها من قطع رؤوس الأعداء، الا ان تراثها لا يمكن ان يتركز في الجزء الاخير فقط! وتقول الليندي التي تبلغ الأن من العمر الرابعة والستين، ان وجهة النظر الذكورية قد هيمنت طويلاً على تأريخ الغزو الاسباني لأميركا اللاتينية، الا انها وبعد أربع سنوات من البحث في الأوراق والوثائق التاريخية، تعلمت كيف تقدّر وتعجب باينيس سوراز التي برزت من خلفية اجتماعية بسيطة في اسبانيا أوائل القرن السادس عشر، عندما كانت تعمل في حياكة الملابس. وكانت سوراز زوجة صغيرة عندما قطعت المحيط الأطلسي وجاءت الى البلاد الجديدة بحثاً عن زوجها الجندي المفقود. وبعد اكتشافها انها أصبحت أرملة، قررت البقاء هناك وأصبحت عشيقة القائد فالديفيا، والتحقت بالمجموعة الصغيرة من الجنود في معاركهم ضد القبائل في البيرو وتشيلي. في روايتها العاشرة الموثقة تاريخياً، تحكي الليندي قصة المرأة ذات الروح المتمردة المستقلة التي عاشت حياتها على ملئها حتى النهاية. ويتسم السرد بالكثير من التشويق والمغامرات والرومانسية. وما أغرى الروائية بشكل خاص في سيرة اينيس،"رفضها القهر أيا كان شكله"، كما تقول لأحد الصحفيين الذين قدموا مراجعة للرواية. إلا ان الليندي سبحت ضد التيار بقفزها فوق حوادث العنف والأمراض التي أصابت السكان الأصليين بفعل ذلك الغزو. وطنية؟ أما الكاتبة المكسيكية لورا اسكويفل، فقد جذبت روايتها التي صدرت بداية هذا العام بعنوان"لا مالينش"انتقادات لاذعة بعد ان حوَّلت امرأة اكتسب اسمها مالينش في اللغة والفلكلور المكسيكي معنى"العاهرة والخائنة"، الى بطلة وطنية. كانت مالينش عبدة عند شعوب الأزتيك لكنها أصبحت مترجمة وعشيقة لقائد الغزو كورتيس. وقدمت الكاتبة اسكويفل التي تكتب بأسلوب الواقعية السحرية، شخصية مالينش كمحاربة من اجل الحرية في مواجهة شعب الأزتيك الذي اضطهد اجدادها من شعب المايا وجرده من تراثه الروحي والثقافي. وتقول:"أتمنى ان تكون مالينش رمزاً أعلى لنساء هذا العصر اللواتي يجب ان يتمتعن بروح"الغزو". الا ان صحيفة اميركية متميزة مثل"واشنطن بوست"انتقدت الرواية واعتبرتها"عاراً على تاريخ مملوء بالذبح والإبادة على يد كورتيس ورجاله". وأياً كانت الانتقادات الموجهة للروائيتين، وبغض النظر عن دفاعهما عن شخصية نسائية من التاريخ الاستعماري، فإن رواية كل منهما قدمت قراءة تحتمل النقاش وتفتح الباب لقراءة التاريخ من وجهة نظر مغايرة للسائد المدون.