عُقد الاثنين الماضي في الدوحة الاجتماع الدوري لوزراء منتدى مصدّري الغاز الطبيعي روسيا، قطر، إيران، مصر، ترينيداد، اليمن، الإمارات، فنزويلا، الجزائر، بوليفيا، إندونيسيا، ليبيا، ماليزيا الذي تأسس عام 2001. وأخذ هذا اللقاء، على عكس الاجتماعات السابقة أهمية معينة، بسبب مخاوف الدول الصناعية الغربية من أن تقرر دول المنتدى المصدّرة للغاز تبلغ كمية احتياط الغاز في هذه الدول ثلثي الاحتياط العالمي، وتشكل صادراتها 60 في المئة من تجارة الغاز العالمية تأسيس تكتل شبيه بپ"منظمة الدول المصدّرة للنفط"أوبك. لكن الوزراء قرروا في نهاية الأمر، بعد تبادل وجهات نظر كثيرة مختلفة، تشكيل لجنة خبراء برئاسة روسيا، مضيفة الاجتماع الوزاري المقبل عام 2008، مهمتها النظر في خطوات تعزيز نفوذ المجموعة. من نافل القول إن الغاز الطبيعي يلعب دوراً مهماً ومتزايداً في صناعة الطاقة العالمية، وإن الغالبية المطلقة من محطات الكهرباء الجديدة في العالم تستعمل الغاز وقوداً لأسباب بيئية واقتصادية. ويتوقع أن يرتفع حجم تجارة الغاز العالمية إلى 14 في المئة من حجم استهلاك الغاز مقارنة بنحو سبعة في المئة حالياً. وتزداد تجارة الغاز المسال، على سبيل المثال، بمعدل ثمانية في المئة سنوياً منذ عام 1995 لتبلغ في عام 2005 نحو 142 مليون طن 189 بليون متر مكعب. ويُتوقع أن يشكل الغاز نحو 25 في المئة من مجمل مصادر الطاقة المستهلكة عالمياً في المستقبل المنظور، وهو ثاني اكبر مصدر طاقوي بعد النفط. وساعدت عوامل عدة في ازدياد أهمية الغاز، منها المنافسة مع النفط ومحاولة عدم الاعتماد عليه مصدراً وحيداً للطاقة، والاهتمام المتزايد بشؤون البيئة، وتحرير التجارة العالمية، وتغيير أنماط تجارة الغاز إلى عقود قصيرة الأجل بكميات اقل، وولوج القطاع الخاص مجال توليد الكهرباء، والمنافسة الشديدة لخفض النفقات، والمحاولات العديدة لتقليص أكلاف إنتاج الغاز وتسييله اعتماداً على تقنية جديدة. لهذه الأسباب كلها، يزداد الاهتمام بالغاز بعد أن كان الغاز المصاحب للنفط يُحرق في الماضي لعدم وجود أي استعمال يُذكر له حينئذ. أما سبب الضجة حول لقاء الدوحة فيعود أساساً إلى أسباب سياسية. فقد طرحت إيران في كانون الثاني يناير الماضي فكرة تحويل المنتدى إلى تكتل، وأيدتها في ذلك فنزويلا، واتخذت روسيا موقفاً وسطاً، هي التي أوقفت تصدير الغاز إلى أوروبا في كانون الثاني يناير 2006 فترة قصيرة جداً بسبب خلاف على السعر مع أوكرانيا، ووضعت سياسة جديدة باسم"قومية الموارد الطبيعية"تثير المخاوف في أوروبا. وتخوفت الدول الصناعية الغربية من هذه الاتجاهات، وكذلك من اتفاق بين الجزائروروسيا لتنسيق سياستيهما الاستثمارية والتسويقية في مجال الغاز في الخارج. في المقابل، ونظراً للطبيعة المعقدة والمكلفة لصناعة الغاز وتجارته العالمية والعلاقة الدقيقة والطويلة المدى بين المنتجين والمستهلكين، ارتأى بعض الوزراء التريث وعدم الولوج في إجراءات فعلية لتأسيس منظمة"أوبك"للدول الرئيسة المصدرة للغاز. وقال وزير الطاقة القطري عبدالله العطية بهذا الصدد:"من الأهمية بمكان تحسين الحوار بين المنتجين والمستهلكين"، وأضاف:"يتعين العمل بدرجة أعلى من التعاون لتحقيق الاستقرار في السوق وإعطاء الثقة للمستهلكين". من الواضح أن مصدري الغاز بحاجة إلى منتدى لتبادل المعلومات والخبرة للاستفادة من المتغيرات الكثيرة في تقنية التسييل والنقل، ولتحسين موقفهم التفاوضي مع الدول المستهلكة. وستزداد الحاجة إلى تعاون أكبر وتبادل معلومات أكثر مع التوسع المستمر في تجارة الغاز العالمية. وربما يكون البند الأول على قائمة التعاون البحث في طريقة جديدة لتسعير الغاز بدلاً من الطريقة الحالية التي تربط سعره بمعادلة ذات علاقة إما بأسعار النفط الخام أو بأسعار المنتجات النفطية. لكن من الواضح أيضاً أن على رغم رغبة بعض الدول في تأسيس تكتل جديد للدول المصدرة للغاز، إلا أن الطريق لا تزال طويلة جداً أمام هذه الفكرة قبل أن ترى النور. فهناك خلافات ومصالح مختلفة بين الدول المصدرة للغاز تمنع تأسيس تكتل كهذا قريباً، وهناك عقود واتفاقات بين المنتجين والمستهلكين تمنع تغيير بنود التعاقد بسهولة. إلا ان في نهاية المطاف، ومع الاهتمام المتزايد بالغاز في صناعة الطاقة العالمية، وحاجة الدول المصدّرة الى التعاون للحصول على شروط احسن، فان تأسيس منظمة للغاز، أسوة بالنفط والألومنيوم، هو مسألة وقت.