بعد غياب دام أربع سنوات كاملة، عادت مجلة "إبداع" المصرية إلى الصدور ورئيس تحريرها هو نفسه الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي، الذي كان أعلن استقالته من منصبه احتجاجاً على مضايقات في النشر. وتأخر المجلة في الصدور، حوّلها من مجلة شهرية الى مجلة شبه سنوية. وكانت"إبداع"دخلت منعطفات عدة عبر اصطدامها مع الذوق العام وتقليديته، ثم مع الجماعات الدينية. وأشهر تلك الصدامات عندما نشرت المجلة قصيدة"أنت الوشم الباقي"للشاعر عبدالمنعم رمضان، وكتب عنها الكاتب الراحل ثروت أباظة مقالاً عدائياً في جريدة"اللواء الاسلامي". أما العدد الجديد الذي صودر حين صدوره فهو يضم 400 صفحة وكتب افتتاحيته وزير الثقافة المصري فاروق حسني وجاء فيها:"ليس لمفردة من المقدرة على إثارة الخيال وحفز طاقاته ما لمفردة "إبداع"إذ هو أساس التحقق الذي يخرج الى الواقع المرئي والمحسوس معطياً الحياة قيمة وطعماً". وكتب رئيس التحرير حجازي:"إن مجلة"ابداع"لا يمكن إلا أن تكون للتجديد والتجريب، غير أن التجريب ليس مجرد رفض لشكل موروث أو عجز عن استخدامه، بل هو استفادة منه وبحث عن شكل آخر أو أشكال أخرى أوسع وأطوع للتعبير عن روح العصر وذوقه". وتصدرت الملف الشعري قصيدة للشاعر فاروق شوشة تتسم بغنائية واضحة يقول فيها"النيل الطيب يرعى موعد أوبتنا/ يفتح في الفجر ذراعيه ليعانقنا / وتذكرنا دلتاه وموسيقاه / بليالٍ لا يطمسها النسيان / يسكنها حجر الأشجان / وتشعلها نار الأحزان / يا وجه النيل الطيب / هل تغفر للأحفاد الأوغاد إساءتهم؟". وتضمن الملف نفسه قصيدة عمودية للشاعر عبد اللطيف عبد الحليم الملقب ب"أبو همام"تحت عنوان"امرؤ القيس في بلاط قيصر".واحتوى الملف على قصائد للشعراء: جودت فخر الدين، محمد سليمان، محمد أحمد حمد، والياس فتح الرحمن، البهاء حسين، حلمي سالم، والأخير اثارت قصيدته المعنونة"من شرفة ليلى مراد"احتجاج"الرقابة الداخلية"للهيئة المصرية العامة للكتاب التي تصدر المجلة، ما أدى إلى مصادرة العدد لئلا يصل الى ايدي اعضاء البرلمان من جماعة"الإخوان المسلمين"فيضعوا وزير الثقافة - كالعادة - في موقف حرج، رغم أن القصيدة منشورة في ديوان"الثناء على الضعف"الذي صدر أخيراً عن دار"المحروسة"، ويلاحظ أن حلمي سالم، أجرى تعديلات طفيفة في القصيدة، فحذف مفردة الله المنشورة في أصل القصيدة بالديوان، واستبدلها بمفردة الرب. وحتى العنوان الذي جاء في المجلة وهو"من شرفة ليلى مراد"ليس له أي أثر في الديوان، الذي يشغل موقعاً مهماً في تجربة الشاعر حلمي سالم الممتدة منذ اكثر من خمسة وثلاثين عاماً، منذ نشر ديوانه الاول العام 1972 بالاشتراك مع الشاعر رفعت سلام. ولم يسبق أن أثار شعر حلمي سالم مثل هذه الاحتجاجات، وإن كان خاض"معارك"عدة من قبل لا سيما حول قضية الحريات، عبر مقالات ينشرها هنا وهناك. وفي بقية مواد العدد قصص لكتاب مثل: ادوار الخراط، جمال الغيطاني، سعيد الكفراوي، نعمات البحيري، يوسف أبو رية، ميرال الطحاوي، عيسى الحلو، وسحر الموجي. وتضمن العدد ملفاً عن نجيب محفوظ لم يتم التجهيز له في شكل جيد، مع أن علمين نقديين شاركا فيه هما عبد المنعم تليمة، ومحمود الربيعي، اللذان كتبا على عجل، ولم يفيا القضايا المطروحة حقها. وشارك في الملف: مصري حنورة، ومحمود سلامة وعبد السلام الشاذلي والسماح عبد الله. وتميز الملف بلوحات سيف وانلي لشخصيات رواية"المرايا". ومن اهم ما تضمنه العدد حوار أجراه الشاعر حسن طلب - نائب رئيس تحرير المجلة - مع فؤاد زكريا، وهو يلقي الضوء على عَلَم فكري بارز، لعب دوراً ليس يسيراً في الثقافة المصرية والعربية، وشغل مواقع مهمة عدة مثل إدارته لسنوات سلسلة"عالم المعرفة"الكويتية، ورئاسته لجنة الفلسفة في المجلس الأعلى للثقافة المصري. وعلى أية حال لم ترقَ غالبية الدراسات المنشورة في العدد الى مستوى اللحظة الراهنة، وهذا لا يعود الى طبيعة الموضوعات التي عولجت، لكنّ طريقة تناولها ما عدا دراسة شاكر عبد الحميد عن رواية"موسيقى المول"للروائي محمود الورداني.