نادراً ما نأتي على سيرة المريء، على رغم ان امراضه وعوارضه شائعة. فهذا الأنبوب العضلي الضيق يبلغ طوله حوالى 40 سنتيمتراً، يبدأ من نهاية اللسان وينتهي في المعدة، وهو يتألف من 3 طبقات ليفية من الخارج وعضلة في الوسط، وغشاء مخاطي في الداخل. اما وظيفته فهي تأمين ايصال السوائل والأطعمة من الفم الى المعدة، فبعد انزلاق الطعام الى البلعوم تنفتح المصرّة المريئية العلوية، وبعد ذلك تقوم عضلات المريء بالتقلص والارتخاء لدفع الأغذية صوب أسفل المريء المزود بمصرّة حلقة تسمح للطعام بالنزول الى قلب المعدة، ولكنها تنغلق بعد ذلك لتحول دون ارتداد محتوى المعدة الى جوف المريء. يتعرض المريء لمشاكل صحية متنوعة سنحاول في السطور الآتية شرح بعضها: عسر البلع عسر البلع المريئي عارض كثير الحدوث، وفيه يشعر المصاب به ان الطعام ظل عالقاً في صدره، اذ كثيراً ما يشير المريض الى مكان توقف الطعام، وعادة يصاحب هذا الإحساس وجع أو حس الضغط في الصدر، ومن الممكن ان يترافق عسر البلع مع شكاوى اخرى مثل رائحة الفم الكريهة، التجشؤات، السعال، الألم أثناء البلع، وجع في الحلق والقرقرة في الصدر. ينتج عسر البلع من اسباب مختلفة في مقدمها تضييق اسفل المريء بسبب تكون انسجة ندبية ناجمة عن ارتداد مفرزات المعدة الحامضية الكاوية. ايضاً فإن تشنج المريء الناتج من اضطراب طارئ في عضلاته أو اعصابه المريء يعد من الأسباب الشائعة لصعوبة البلع، وغالباً ما يترافق هذا التشنج مع حرقة خلف عظمة القص عظمة منتصف الصدر بسبب انقذاف مفرزات المعدة الحامضية الى جوف المريء. كما يمكن للأورام الحميدة والسرطانية للمريء، والحروق الناتجة عن الأشعة العلاجية، ان تقف وراء مشكلة عسر البلع. اضافة الى ان عسر البلع قد يحصل نتيجة عدم مضغ الطعام جيداً، أو بكل بساطة عن تناول الطعام بسرعة البرق. يعالج عسر البلع بالكشف عن السبب الفعلي، وقد يتطلب الأمر احياناً إدخال تعديلات على نمط الغذاء كالاعتماد على المآكل الطرية أو المطحونة او السائلة. الارتداد المعدي - المريئي المعروف انه يوجد في نهاية المريء على الحدود مع المعدة، حلقة عضلية مهمتها إعطاء تأشيرة دخول للسوائل والأطعمة الآتية من الفم كي تنساب الى المعدة، ولكنها في الوقت نفسه تقوم بمنع ارتداد محتويات المعدة باتجاه المريء. لسبب أو لآخر، قد لا تقوم الحلقة المذكورة بواجبها المعهود إليها تاركة الفرصة لمفرزات المعدة ان تنقذف صعوداً الى قلب المريء، مسببة التهاباً موضعياً قد ينتهي بالتليف اذا لم يتم تدبيره. ان الارتداد المعدي - المريئي شائع كثيراً، إذ يطاول 30 الى 40 في المئة من الأشخاص، واللافت ان نسبة حدوثه تزداد سنة بعد اخرى، ويشاهد عادة في مختلف الأعمار ما بين الصغار والكبار، إلا انه اكثر شيوعاً بعد الأربعين من العمر خصوصاً لدى البدناء. ويتظاهر الارتداد المعدي - المريئي بعوارض عدة، اهمها الحرقة خلف عظمة الصدر الأمامية، اضافة الى الطعم المر في الفم، والتجشؤات المتكررة. وهناك مأكولات معينة تشجع على حدوث الارتداد اكثر من غيرها، مثل القهوة والشاي والكولا والشوكولاته والكحوليات والمآكل الدهنية والمقليات والعصائر الحمضية وصلصة البندورة والمتبلات والأطعمة الحريفة. كما ان هناك بعض الأمور التي تعجل في حدوث الارتداد المعدي - المريئي مثل الانحناء الى الأمام، وتناول وجبات عارمة، والاضطجاع فوراً بعد التهام وجبات الطعام، عدا عن هذا وذاك، فإن تناول بعض الأدوية يسهم في وقوع الارتداد. ان السيرة المرضية للشخص غالباً ما تسمح بوضع تشخيص الارتداد المعدي - المريئي، لكن الطبيب قد يلجأ احياناً الى اجراء بعض الفحوص مثل تصوير المريء الظليل أو فحص المريء بالمنظار، أو مراقبة افراز حامض المعدة من اجل وضع النقاط على الحروف، خصوصاً أن امراضاً أخرى كثيرة يمكن ان تعطي صورة سريرية مشابهة لتلك التي يعطيها الارتداد المعدي - المريئي، من بينها امراض الأقنية الصفراوية، وأمراض شرايين القلب، والقرحة المعدية، والتهاب المريء الأنتاني، والتهاب المريء الدوائي، وعسر الهضم، واضطرابات حركة المريء. يجب عدم إهمال الارتداد المعدي - المريئي لأنه قد يقود الى مطبات صحية، منها تضيق المريء، وداء باريت، والسرطان. إن علاج الارتداد يهدف الى إراحة المريض من معاناته، وبالتالي تجنب المضاعفات المتأتية عنه. والواقع ان للمصاب نفسه اليد الطولى في تحقيق الانتصار على مرضه، وذلك باتباع النصائح الآتية: - رفع رأس السرير من جهة القحف. - عدم تناول الطعام قبل الذهاب الى النوم. - تخسيس الوزن في حال السمنة. - تناول وجبات خفيفة في فترات متقاربة. - تجنب التدخين والمشروبات الروحية والشوكولاته والنعناع والمقليات والمآكل الدسمة. - تناول مضادات الحموضة. هناك عدد من المرضى قد يحتاجون الى تناول بعض الأدوية التي يقررها الطبيب، وفي بعض الإصابات المعندة قد يعمد الطبيب الى التدخل الجراحي لمنع حدوث الارتداد المعدي - المريئي. سرطان المريء سرطان المريء من الأورام الشائعة بين سرطانات الانبوب الهضمي، فهو يأتي في المرتبة الثانية في حدوثه بعد سرطان القولون والمستقيم وسرطان المعدة. ينتشر سرطان المريء في بعض مناطق العالم أكثر من غيرها، ففي شمال الصين ومنطقة بحر الخزر يزيد حدوثه ثلاثين مرة عن بقية بقاع الدنيا. وحتى الآن لا تزال الأسباب الفعلية لسرطان المريء مجهولة ولكن هناك عوامل مؤهبة لوقوعه مثل التدخين وشرب الكحوليات، والمقليات، وبلع المخرشات الكاوية، والارتداد المعدي - المريئي، وتوسع المريء المزمن، والأشعة. وهناك من يقول بوجود علاقة بين المشروبات الغازية وسرطان المريء: وفي هذا الإطار خلص فريق من مستشفى"ماتا ميموريال"في الهند إلى نتيجة مؤداها، ان سرطان المريء - في الولاياتالمتحدة ارتفع بمعدل 6 مرات على المعتاد بين الرجال البيض الذين يستهلكون معظم المشروبات الغازية، غير ان آخرين شككوا في العلاقة بين الاثنين، أي المشروبات الغازية وسرطان المريء، مطالبين بإجراء المزيد من الأبحاث. ويعتبر عسر البلع من أهم عوارض سرطان المريء، وفي البداية تبرز صعوبة بلع الأطعمة القاسية لتشمل الأطعمة اللينة والسوائل لاحقاً. ويترافق عسر البلع مع نقص الشهية على الطعام، وانخفاض الوزن، والسعال، والألم خلف عظمة القص، ونوبات من التهاب الرئة والقصبات، وقد يمتد الورم لينال من العصب الراجع فيعاني المصاب عندها من البحة في الصوت. ومع تطور المرض تحدث المضاعفات مثل ذات الرئة الاستنشاقي والنزف، والنواسير المريئية الرغامية، أو المريئية - القصبية. اذا كان عسر البلع يحدث بعد الأربعين من العمر يجب أن يدفع للشك بسرطان المريء الى ان يثبت العكس، فالمعروف عن هذا الورم أنه يتطور سريعاً وينتقل الى أماكن أخرى في وقت مبكر.