طوال اليوم الأخير قبل الاحتفال لم يضع في فمه إلا القليل من الطعام، على أمل أن يلتهم ما يستطيع من أطايب الطعام في الحفلة. حان الموعد فجلس الى الطاولة وهو في حيرة من أمره ماذا يأكل من هذه الأصناف اللذيذة الممتدة على طول الطاولة وعرضها؟ فالشهية كبيرة، والأصناف كثيرة، والأشربة غزيرة، والحلوى مثيرة. قال بينه وبين نفسه سأجرب قليلاً من كل شيء على الطاولة. وبالفعل شرع في اعداد طبقه فجمع في صحنه خليطاً عجيباً من مختلف الأنواع والنكهات. وبدأ يأكل ويشرب ويتحلى. امتلأت المعدة، ولاحت في الأفق بوادر الشبع. وبعثت المعدة بإشارات الى المخ كي يتوقف عن الأكل، ولكن لا حياة لمن تنادي. استمر في الأكل، وفوجئت المعدة بالمزيد من الطعام والشراب يهبط إليها من الفؤاد (بوابة المعدة المتصلة بالمريء). الأصدقاء يضعون له في صحنه، وهو لا يمانع حتى لو طارت أزرار قميصه من مكانها. عبثاً تحاول المعدة المسكينة هضم وافراغ محتوياتها، ولكنها في حاجة الى الوقت كي تقوم بالمهمة على أفضل ما يرام، وهذا الوقت لا تملكه ما دامت جحافل الأكل تنزل تنهمر فيها. أمام الكم الهائل من الطعام والشراب، أخذت المعدة بالتمرد تعبيراً عن سخطها في جملة من العوارض والعلامات المزعجة مثل الألم في أعلى البطن، والشعور بالغثيان، وحس الإمتلاء، والحرقة، وانتفاخ البطن، والقرقرة، والإعياء. وأخذ الألم يشتد أكثر فأكثر، وحصل التقيؤ، وصارت حالة صاحبنا تتدهور نحو الأسوأ، وعندها كان لا بد من مناداة سيارة الإسعاف لنقله الى المستشفى. المعدة هي العضو الأول الذي يئن من وطأة التخمة، وهي تتعرض للإصابة بمشكلات صحية كثيرة من أهمها: * توسع المعدة، فالتهام كميات هائلة من الطعام والشراب يرغم المعدة على التوسع غصباً عنها، ما يؤدي الى الشعور بعدم الراحة، وحس الثقل في أعلى البطن. وقد يسبب تناول كميات مفرطة من الأكل توسعاً حاداً في المعدة يحدث ضغطاً شديداً على القلب الأمر الذي يعيق عودة الدم الوريدي اليه، فيصاب الشخص بضيق في التنفس، واضطراب في دقات القلب، وتتدهور حاله بسرعة وقد يتعرض لخطر الموت اذا لم يتم اسعافه في الوقت المناسب. أيضاً، ان المعدة المتوسعة بشدة يمكن أن تضغط على الحجاب الحاجز وأسفل الرئتين فتقل كمية الهواء فيهما الأمر الذي يؤدي الى وصول أحجام أقل من الأوكسيجين الى المخ والقلب والكليتين وباقي اعضاء الجسم. * تمزق المعدة. ان المعدة المحشوة بالكثير من الطعام والشراب هي أكثر عرضة للتمزق من المعدة الخاوية في حال تعرضها الى رض خارجي، وقد يصاب المتخم بتوقف في القلب بتنبيه العصب المبهم في حال تلقى ضربة عنيفة على منطقة اعلى البطن حيث تقع المعدة، ويزداد حصول تمزق المعدة في حال وجود اصابة بالقرحة. * ارتداد المفرزات المعدية المريئية: المعروف أنه يوجد في نهاية المريء عضلة حلقية الشكل يطلق عليها اسم الفؤاد، وهذا الأخير يعمل كالصمام، بمعنى انه يسمح للطعام بالعبور من المريء الى المعدة ولكن لا يجيزه في الإتجاه المعاكس، أي من المعدة الى المريء، من اجل منع ارتداد محتويات المعدة الحامضية التي لا تناسب الجو الموجود في المريء. ان ازدراد كميات كبيرة من الغذاء والمشروبات الغازية يعمل على فتح بوابة المعدة قسراً، الأمر الذي يدفع بمحتوياتها الحامضية الى الإنزلاق صوب المريء محدثة زوبعة من العوارض المزعجة مثل الشعور بالحرقة خلف عظمة الصدر، والإحساس بحموضة لاذعة في الحلق، وعسر البلع. وفي كثير من الأحيان تحصل لدى المرضى آلام صدرية تشكك بوجود ذبحة صدرية أو احتشاء في القلب، ولكن بعد عمل الفحوصات اللازمة يتبين ان لا شيء من هذا القبيل. * الحازوقة. ان التهام ما هب وطاب من المآكل، خصوصاً الحرّة منها، يوسع المعدة ويتسبب في ظهور الحازوقة التي تستغرق عادة دقائق معدودة، ولكن في بعض الأحيان قد تستوطن الحازوقة لساعات طويل تسبب حرجاً كبيراً للمصاب بها. * تلبك المعدة. ان تلقي المعدة لكميات متنوعة وكبيرة من الطعام يسبب لها ضرراً كبيراً يجعلها في حال يرثى لها بسبب الثقل الذي تتركه تلك الكميات على العمليات الفيزولوجية للمعدة. ان المعدة لها نظام تتبعه، فهي تسمح للسوائل بالجريان عبرها بسرعة، تليها من حيث السرعة المواد النشوية والسكرية، أما بقية المواد الغذائية المتنوعة فتبقى لبعض الوقت قبل أن تسلمه الى الإمعاء خصوصاً المواد الدسمة التي تمكث أطول مدة مقارنة بغيرها من أنواع الطعام. وفي الحال الطبيعية فإن نصف محتويات المعدة يغادرها في زمن يراوح من 90 الى 130 دقيقة من انتهاء تناول الوجبة، ولكن في حال ابتلاع كميات كبيرة من الأكل والشراب تصاب المعدة بالحيرة لعدم مقدرتها على احترام النظام المعتاد، يحصل التلبك الهضمي الذي يعطي عوارض هضمية غير مستحبة اطلاقاً، واذا ترافقت الكميات المفرطة من الطعام مع البهارات والحمضيات كان الله في العون. أما التخمة فلا تحصل بسبب التهام كميات كبيرة من الطعام وحسب، بل إن هناك أسباباً أخرى تلعب دورها، في شكل او بآخر، في حدوثها، ومنها: - كثرة تناول الأطعمة الدسمة، التي تمر ببطء في المعدة، ما يجعلها تبقى فترة طويلة يعرضها للتفسخ. - السرعة في التهام الطعام التي تؤدي الى عدم مزجها جيداً مع اللعاب، الأمر الذي يخلق عبئاً اضافياً على المعدة، ما يسبب بقاء الأكل فترة أطول من المعتاد في الجزء العلوي من انبوب الهضم. - المبالغة في تناول المشروبات المنبهة كالقهوة والشاي، فهي تسبب تهيجاً وتخريشاً في الغشاء المبطن للمعدة ما يعرقل تدفق العصارات الهاضمة وهذا بالتالي يعرقل عملية الهضم فتحدث التخمة. - الإكثار من المشروبات الغازية التي تملأ البطن بالغازات فتعرقل عملية الهضم. المعدة عضو ثمين في الجسم، لذا يجب ان نحسن معاملته لتفادي المشكلات الهضمية. ويعتبر العزوف عن الإفراط في الطعام البند الأول في جعل المعدة في أحسن حال، خصوصاً ان هناك أشخاصاً يأكلون كميات كبيرة من دون أن يعرفوا وهنا تكمن المصيبة. والنصائح الآتية تفيد على هذا الصعيد: المشاركة في مناسبات تطول فيها الموائد العامرة يجب أن تقترن بجولة للتعرف على المآكل، ومن ثم اختيار الأصناف الأنسب منها لمعدتنا وصحتنا. اختيار أنواع بسيطة ومحدودة من الأطعمة بحيث تكون غير معقدة وتسمح للمعدة بالتعامل معها من دون ان تشكل عبئاً عليها. مضغ الطعام جداً جداً، لأنه يسهل على المعدة عملها. الامتناع عن تناول المشروبات المنبهة كالقهوة والشاي مباشرة عقب الانتهاء من تناول الوجبة، لأنها بكل بساطة تعرقل عمل المعدة في هضم الأغذية. عدم انهاء الطبق في حال الشعور بالشبع. عدم تناول الحلويات في حال تناول وجبة دسمة. تجنب الخلود الى النوم بعيد الطعام مباشرة لأنه ببساطة يعرقل عمل المعدة. حبذا لو تم ارتداء ألبسة ضيقة قبل الذهاب الى الوليمة، لأن الدراسات بينت أن مثل هذا السلوك من شأنه أن يحد من تناول كميات كبيرة من الطعام. [email protected]