منذ بداية عهد بوش، انقسمت الادارة سياسات ووزارات. وأبرز الوزارات هذه هي الدفاع والخارجية، وتلك المسؤولة عن تسيير شؤون الداخل المتردية يوماً بعد يوم. ومن غير ملاحظة الانقسام لا يفهم المراقب كيف يلف نائب الرئيس ديك تشيني آسيا، طولاً وعرضاً، ويردد لازمة عداء ايران، فيما كوندوليزا رايس تسر للكونغرس ان أميركا جاهزة، أخيراً، لمباشرة مفاوضات مع سورية وإيران في مؤتمر اقليمي يعقد في بغداد. وليست هذه المرة الأولى التي تبدد فيها ادارة بوش أموال المواطنين، وتضيّع الفرص المؤاتية. والذين يدورون في فلك وزارة الخارجية يقدرون ان انعقاد المؤتمر خطوة متأخرة بعض الشيء على الطريق القويمة نحو ايران وسورية، وكانت مجموعة الدراسات اقترحتها العام الماضي. وأما المحيطون بالبنتاغون، فيذهبون الى ان الخطوة لم تتأخر، بل جاءت في أعقاب عقوبات مالية ناجحة، فرضتها الولاياتالمتحدة على ايران، وسبقها تنديد الأممالمتحدة ببرنامج ايران النووي. والاجراءان قوّيا موقع واشنطن. وتناول المسألة من هذا الوجه قد يكون مفتاحاً لفهم حوادث ومواجهات تراكمت في الاسابيع القليلة الماضية. ففي الاثناء اعتقلت القوات الاميركية مسؤولين إيرانيين أمنيين في العراق، وأرسلت الادارة حاملتي طائرات الى الخليج، وأبرزت قرائن على إمداد ايران المقاتلين العراقيين بقنابل متطورة. وكان هذا بمنزلة تعبيد طريق ديبلوماسي الى اتفاق من موقع قوة. ويصح اعتبار كلمات رايس الفرصة الاخيرة قبل بدء العمليات العسكرية. ولعل التفسير الصحيح هو حمل كلا الاحتمالين على الحقيقة. والحق ان بوش تتنازعه تجاذبات متناقضة في وقت واحد. فالديموقراطيون يسيطرون على الكونغرس. وينقسم الجمهوريون محافظين جدداً ووسطيين. ورد بوش هو إبقاء الاجنحة والتيارات كلها في اللعبة. فيجامل بعضها حيناً، ويواجه بعضها، إذا آنس مخرجاً ناجحاً، آناً آخر فهو أرسل 21.500 جندي اضافي الى العراق، وقال انهم يمهدون الطريق الى الانسحاب. وقوّى المشاركة الاميركية في حرب أفغانستان، فيما تقارير استخباراتية متواترة ترصد تعاظم نفوذ طالبان، واستئناف تنظيم"القاعدة"بنيانه. وليس في مستطاع أحد في الولاياتالمتحدة التكهن بما قد يحدث العام الآتي، عشية الانتخابات الرئاسية. وقد يعلن الرئيس أنه انتصر في معاركه، سواء فاوض الايرانيين او شنّ عليهم حملة عسكرية. وأمضت الادارة الاميركية الاعوام الثلاثة المنصرمة وهي تتهم الايرانيين بصنوف الجرائم كلها. وعلى هذا، فإظهار الرغبة في مفاوضتهم لا بد ان تلقى اصداء جيدة في صفوف حلفاء اميركا، وخصوصاً البريطانيين. وفي نهاية المطاف، لا ضمان لأمن العراق إلا بتعاون جيرانه، وفي مقدمهم سورية وإيران. ولا مناص من تعامل الولاياتالمتحدة مع طهران كقوة اقليمية. في ضوء طبيعة العلاقات الاقليمية، العائلية والقبلية والدينية، وفي ضوء موارد ايران من النفط والغاز، فلا ذريعة لتجاهلها. وثمة قوى في الشرق الاوسط، وفي ايران نفسها، تناهض الميل المفرط الى التشدد، من حيث جاء. وينبغي مخاطبة هذه القوى على وجه الندية، والإقلاع عن استعمالها أداة الى مآرب الغرب. ولعل افضل خبر عن المؤتمر الاقليمي المرتقب هو ان الدعوة اليه مصدرها بغداد، وهي تحاول بناء هيكلية للعلاقة الجديدة بمحيطها. وتعلم ان القوات الاميركية راحلة عاجلاً أم آجلاً. واستأنفت السعودية دورها الراجح في الشرق الاوسط. فمن الأجدى والحال هذه، ان يلتقي البلدان في مؤتمر لجامعة الدول العربية، بينما تعمد واشنطن الى التواري، والى حجب ظلها الثقيل. ويصدق الأمر نفسه على القضية الفلسطينية. فكلما صارت المسألة اقليمية، سعى الأطراف الى اللقاء، والبحث عن حلول، بدل ظهور الولاياتالمتحدة قوة أحادية تروّج لاسرائيل. ولكن قد لا ينجز شيء من هذا اذا بقي بوش في سدة الرئاسة وديك تشيني نائباً له. فعلى خلف بوش، وخلف الحليف بلير، ان ينتهجا هذه الديبلوماسية. عن أدريان هاملتون، "اندبندنت" البريطانية، 2 / 3 / 2007