تعطي منى جان نمر نموذجاً مشرفاً للجهد العلمي المتألق للمرأة اللبنانية العربية. واستطاعت أن تغدو اسماً لامعاً في مراكز الابحاث العلمية والطبية والاكاديمية في كندا وأوروبا وأميركا، على رغم الظروف المُعقّدة التي واجهتها. وفي عام 1976، عندما بلغت العقد الرابع من العمر، ارغمتها ظروف الحرب اللبنانية العبثية على قطع دراستها في الجامعة الاميركية في بيروت. ثم هاجرت إلى الولاياتالمتحدة الاميركية ونالت شهادة بكالوريوس في العلوم من جامعة"كنساس". وانتقلت إلى كندا. وحصلت من جامعة"ماكغيل"على شهادة الدكتوراه في علوم البيولوجيا والجينات عام 1981، وسجلت حينها سبقاً طبياً حين توصلّت إلى طريقة تُسهّل تحليل الحمض الوراثي"دي آن آيه"DNA، فتختصر من الوقت اللازم تقليدياً لاتمامه. وحينها، افردت صحيفة "لا بريس" La Presse في مونتريال تحقيقاً عن هذا الانجاز تحت عنوان"فتح جديد في عالم الطب المعاصر". مناصب غير مألوفة! في عام 1998، تولّت نمر منصب المديرة الاكاديمية في"مؤسسة البحوث الكلينيكية في مونتريال" Institut de Recherches Clinique de Montreal، الذي يُعرف باسمه المختصر IRCM. وتعتبر تلك المؤسسة من المؤسسات الطبية المخبرية الأساسية في أميركا الشمالية. وقدمها رئيس الوزراء الكندي حينذاك جان كريتيان في مؤتمر صحافي منوّهاً بكفاءتها العلمية والمهنية. كما عينت عضواً في الفريق الطبي للقاء الدول الصناعية الثماني الكبرى"جي 8"ورئيسة للجنة الدراسات العليا المتعلقة بجينات امراض القلب في كندا، كما فوّضت شؤون التنسيق بين المؤسسة الكندية ومؤسسات الابحاث الدولية. وراهناً، تعمل أُستاذة لمادة الصيدلة في جامعتي"مونتريال"و"ماكغيل"، وتشغل منصب استاذة زائرة في جامعة"كولومبيا"في نيويورك. وإلى جانب هذه المناصب التي لم يشغلها من قبل اي مواطن كندي من اصل عربي، عُيّنت نمر في أيلول سبتمبر عام 2006 نائبة لرئيس جامعة"أوتاوا"اضافة إلى مسؤوليتها عن قسم صوغ استراتيجية المشاريع العلمية والطبية، وبالتحديد البحوث الجينية. انجازات علمية انطلاقاً من الحقيقة العلمية التي تقول إن أمراض القلب لا تزال السبب الرئيسي للوفيات عالمياً، انصبّت ابحاث نمر المخبرية على تحديد الجينات التي تتولى عملية تكوين عضلة القلب وأنسجتها في الجنين، وكذلك التعرف الى علاقتها مع بعض الأمراض الشائعة مثل تضخم القلب. وتشير نمر إلى ان الغاية من تشخيص هذه الجينات تتمثّل في فتح الباب أمام التدخل الطبي لعلاج الخلل فيها. وبذا، تصف ذلك المُقترب بأنه وقائي بالدرجة الاولى، إذ يهدف الى الحفاظ على استمرار عمل القلب في شكل طبيعي، كما يُفيد في تجنب إجراء عمليات جراحية لعلاج الاصابات المرتبطة بأنواع من الخلل في الجينات. كما تُنوّه الى أن الكثير من تلك العمليات الجراحية ليس مضمون النتائج. وبعد دراسات استغرقت بضع سنوات، اكتشفت نمر ان نسبة الخلل الجيني الذي رصدته تتراوح بين 1و2 في المئة، ما يعتبر رقماً مرتفعاً بالنسبة الى الأمراض الجينية. ويتسبب الخلل بوفاة عدد كبير من المصابين في السنوات الخمس الاول من حياتهم وقد تلازم غيرهم حتى البلوغ حيث يصابون بنوبات قلبية حادة ومفاجئة، كما حدث فعلياً لبعض مشاهير كرة القدم والهوكي. وراهناً، يُستعمل هرمون Arterial Natriuretic Factor ، ويُعرف باسمه المُختصر"آيه أن أف"ANF علاجاً لحالات التضخّم في القلب. وتُشير نمر إلى أن العلاج الجيني قد يُجنّب اللجوء للعلاج الهرموني، الذي لم يُكتشف الا قبل سنوات قليلة، على رغم أهميته الفائقة. وكذلك يعمل الهرمون على تجديد خلايا عضلة القلب أيضاً، ما يفيد في تعويض ما يُفقد منها سواء بسبب الذبحة أو التضخم أو غيرهما. تلقت نمر جائزة"الامتياز العلمية الاولى"من حكومة كيبك، ومنحة"مجلس البحوث العلمية في كندا"، ومنحة"منظمة الصحة العالمية"، وجائزة"الجمعية الاميركية للعلوم المتقدمة"، وجائزة"أفضل باحث شاب"من"نادي البحوث الطبية في كيبك". كما نالت أخيراً جائزة"وزارة الهجرة والثقافة"في كيبك من"قسم البحوث والعلوم"باعتبارها من النساء العربيات المتفوقات. وزوّدت نمر المكتبات العلمية والطبية العالمية بدراسات فاق عددها 600 بحث ونُشرت في عدد من الدوريات المتخصصة. وتشارك في الاشراف على تحرير مجلتين علميتين احداهما اميركية والاخرى فرنسية - كندية مشتركة. وانتدبت عام 2006 ممثلة لكندا في"المؤتمر العالمي لابحاث القلب والشرايين"الذي استضافته اليابان. مشروع كندي - لبناني لم تنقطع منى نمر عن زيارة وطنها الام وهي تتحين الفرص لنسج برامج مشتركة بين كنداولبنان. ففي اثناء وجودها في بيروت قبل حرب صيف 2006، اجرت اتصالات مع بعض المسؤولين في الجامعات للتأسيس لتعاون اكاديمي مع جامعة اوتاوا لتطوير البحوث الجينية، وكذلك لاستقبال بعض الطلاب اللبنانيين الساعين الى استكمال تخصصهم وتدريبهم، إضافة الى عملها على مشروع لربط البلدين بشبكة لتبادل المعلومات الطبية. وكشفت عن مشروع لتأسيس اكاديمية للعلوم في لبنان تعمل على دراسته راهناً لجنة مؤلفة من ثمانية اشخاص اربعة كنديين وفرنسيان ولبنانيان. واجرت لذلك مقابلة خاصة مع رئيس الحكومة فؤاد السنيورة الذي ابدى دعما وتأييداً كبيرين لهذا المشروع الذي يبصر النور قريباً.