يبدو أن متابعة التخصص في جامعة أجنبية مرموقة يرتبط غالباً بعاملين رئيسيين: التفوق العلمي والحصول على منحة دراسية من إحدى المؤسسات الوطنية أو الأجنبية. هكذا كان حال معظم علماء العرب في الخارج، وضمنهم الطبيب الكندي- اللبناني سامر هاني منصور (مواليد بيروت 1972). أنهى منصور تعليمه الثانوي في إحدى المدارس اللبنانية الخاصة. واستكمل علومه في الجامعة اللبنانية- كلية العلوم الطبية. وحصل فيها على دبلوم في الطب العام، ثم نال دبلوم الأمراض الداخلية في العام 1999. وبسبب تفوقه العلمي، تلقى منصور عقب نيله الدبلوم، منحة دراسية مدتها سنة من المركز الثقافي الفرنسي في بيروت، بهدف التدرب على اختصاص الامراض القلبية في كلية الطب في جامعة مونتريال الكندية. وفي هذه الاخيرة، حظي منصور عن جدارة بمنحة لمدة سنتين لاستكمال دراسته في أمراض القلب والشرايين. بعدها، سافر إلى فرنسا وبلجيكا للتخصص وإجراء بحوث وتطبيقات طبية تتمحور على استخدام خلايا المنشأ Stem Cells (تترجم أحياناً «الجذعية») في علاج أمراض القلب. وفي العام 2004، عاد منصور إلى كندا، وعين أستاذاً جامعياً في كلية الطب بجامعة مونتريال، وباحثاً في أمراض القلب والأوعية الدموية، ومسؤولاً عن البحوث السريرية، ومديراً للعلاج بخلايا المنشأ في «مركز الاستشفاء» التابع لجامعة مونتريال. وما زال يشغل هذه الوظائف إلى اليوم. وكذلك انتُخِبَ عضواً في اللجنة العلمية ل «مركز البحوث» في كيبك، وعضواً في المجلس الاستشاري لتمويل البحوث في «مؤسسة صحة- كيبك». وأنجز منصور أيضاً بحوثاً ودراسات نُشِرَت في مجلات طبية كندية وعالمية، كما قُدمَت في مؤتمرات دولية آخرها «المؤتمر السنوي الثالث لأمراض القلب» في مونتريال الذي قدم فيه شرحاً مسهباً عن استخدام تكنولوجيا الدواعم غير المعدنية لتوسيع الشرايين. بحثاً عن شرايين ضيقَة تمحورت بحوث منصور الرئيسية على التطبيقات السريرية في مجال توسيع الشرايين التاجية (وهي التي تغذي عضلة القلب) والقصور في عمل القلب، وتقنيات زرع خلايا منشأ مأخوذة من نخاع العظام للمرضى الذين يعانون ضعفاً أو خللاً في أداء البُطَين الأيسر، الذي يضخ الدم الى أنحاء الجسم. وفي مقابلة مع «الحياة»، أوضح منصور أنه انطلق في آخر بحوثه من الاكتشافات عن أخطار التقنيات التقليدية المستخدمة في توسيع الشرايين، ومدى الأذى الذي قد توقِعَه على حياة مرضى القلب». وتحدث عن اللجوء إلى عملية القسطرة Angioplasty لفتح الأوعية الدموية الضيقة أو المنسدة بأثر تراكم المواد الدهنية (كالكولستيرول) على جدرانها. وقال: «في هذه العملية، يوضع بالون على طرف أنبوب دقيق مُجوف، ثم يمرر إلى دواخل الأماكن الضيقة في الأوعية الدموية. بعدها، ينفخ البالون إلى حجم معين باستخدام ماء يعادل ضغطه ضغط الدم العادي. وتؤدي هذه الطريقة إلى إزالة الدهون المتراكمة عن جدار الشريان، ما يؤدي إلى تحسن جريان الدم فيها». وتناول منصور مضاعفات هذه التقنية التي لم يكن غيرها مستخدماً مطالع التسعينات من القرن الماضي، لتوسيع الشريان التاجي المغذي لعضلة القلب. وبين أنها كانت تُعرض الشريان في المدى القصير إلى التقلص والتضيق والتمزق، بل أنها ربما تسببت في تقلص حجم ذلك الشريان ب40 في المئة من قطره، على المدى الطويل. وتحدث منصور أيضاً عن الأخطار الناجمة عن استخدام شبكة معدنية تُسمى «ستِنْت» Stent بوصفها داعِماً معدنياً يعمل على إبقاء الوعاء الدموي مفتوحاً. وبين أن الدواعم المعدنية تؤدي إلى تعريض الشريان للتمزق بنسبة لا تقل عن 20 في المئة، إضافة إلى إمكان رفض الجسم للدواعم المعدنية باعتبارها مادة غريبة، ما يؤدي إلى إرغام المريض على تناول أدوية تزيد في سيولة الدم لمدة سنة على الاقل (لتجنب تكون جلطات دموية تسد مجرى الشريان) إضافة إلى تناول الأسبرين مدى الحياة. وذكّر منصور بأن هذه التقنية تطورت، ما أدى إلى تدني أخطار استخدامها بما لا يقل عن 10 في المئة بعد وضع دواء معين على الرفاص المعدني «روسّور» (وهو ال «ستِنْت») يحول دون تكاثر الخلايا في الجرح، ويمنع الشريان من الانسداد مجدداً. وأوضح أن محاذير تقنية ال «روسّور» المعدني تشمل انها تحول دون تمدد الشريان وتقلصه في شكل طبيعي، كما تجعل خيارات الطبيب الجراح محدودة بأثر من وجود المعدن داخل الشريان. الخلاص... الخلاص سجل منصور عام 2007 سابقة طبية في تطبيق أول علاج للذبحة القلبية باستخدام خلايا المنشأ في كندا. وحينها، وصفت «المجلة الكندية لطب القلب» هذا الانجاز بأنه أبرز اختراق طبي في أميركا الشمالية وأول اختبار ناجح وآمن لاستعمال خلايا المنشأ في تحسين وظيفة العضلة القلبية، بعد حقن تلك الخلايا داخل الشريان التاجي». ولعل الإنجاز الأبرز لمنصور هو ابتكار تقنية تحاكي ظاهرياً الدواعم المعدنية «ستِنْت» التي تستعمل حالياً لفتح الشرايين، لكنها تختلف بأنها تستغني عن تلك الدواعم! وأوضح أن هذه التقنية لا تحدِث مُضاعفات، وتؤدي إلى شفاء المريض 100 في المئة. وعن تفاصيل هذه التقنية، أوضح منصور أنها عملية تشمل أن يثبت الجراح في الشريان دواعم مصنوعة من مادة قابلة للامتصاص في الجسم. وبين أن هذه المادة مستخلصة من حمض «بوليلاكتيك» التي تتحلل إلى ماء وغاز ثاني أوكسيد الكربون. وشدد على أن الدواعم القابلة للامتصاص تعالج انسداد الشريان ثم تبدأ بالذوبان والتحلل في الجسم في فترة تتراوح بين 18 و24 شهراً. وبفضل هذه الدواعم المبتكرة، يعود الشريان إلى طبيعته العادية من دون الحاجة لأن يتناول المريض أدوية مُسيلة للدم بشكل دائم لمنع تجلط الدم. وأشار أيضاً إلى أن هذا العلاج لفتح الشرايين المسدودة بالدواعم القابلة للامتصاص، بات مُرخصاً رسمياً من وزارة الصحة الكندية، ومستعملاً في مستشفيات بلدان المجموعة الأوروبية، على رغم أن تكاليفه باهظة وتعادل 3 أضعاف طريقة الداعم المعدني. تطبيقاً لتقنية منصور المبتكرة التي وصفت بأنها وعدٌ محمل بالأمل لمرضى القلب، كان موريس أبو رماد أول عربي (وهو من أصل مغاربي) يخضع لعملية فتح شرايين القلب بدواعم بيولوجية في كندا. وبعد إجراء الفحوص الطبية التي أظهرت أن أبو رماد لديه شريان تاجي شبه مسدود، أجريت عملية تثبيت الدواعم المبتكرة ببنج موضعي. ولم يمكث المريض سوى يوماً واحداً في المستشفى. وذكر بأن هذا المريض «مضى عليه ما يزيد على العام من دون حدوث مضاعفات تذكر، بل أنه في حال صحية جيدة ولا يتناول أدوية مسيّلة للدم. وليس المطلوب منه سوى اعتماد نظام غذائي صحي، وممارسة تمارين رياضية، والامتناع عن التدخين»، بحسب منصور. وأشار أيضاً إلى أن الامراض القلبية ما زالت سبباً رئيسياً للموت في البدان الغربية. «في مستشفيات مقاطعة كيبيك، هناك سرير من أصل خمسة يشغلها مريض بالقلب، ويعاني 250 ألف مريض في كيبيك مشكلات خطيرة في عضلة القلب». ولعل من المهم الإشارة إلى أن الأوساط الطبية والإعلامية الكندية نوهت بأهمية ابتكارات منصور بعبارات تضمنت القول إنه «طبيب شاب يبرع في معالجة الشرايين والقلب» و «طبيب كندي لبناني ابتكر علاجاً ثورياً لانسداد الشريان التاجي.