"هزة أرضية"، هكذا كتبت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الأحد الماضي في سياق عرضها تقرير "لجنة فينوغراد" "التمهيدي" حول حرب لبنان، والمفترض صدوره في النصف الثاني من الشهر المقبل. و"معاريف"اختارت بدورها عنواناً مماثلاً صبيحة الاثنين للتداعيات المحتملة لتقرير "فينوغراد" على الساحة السياسية والحزبية الإسرائيلية، وللعلم فإن مصطلحات "هزة أرضية" أو"زلزال"أو"فرقعة"أو"الانفجار الكبير"استخدمت في إسرائيل منذ سنة ونصف تقريباً أي في تشرين الثاني نوفمبر 2005 عندما قرر رئيس الوزراء السابق آرييل شارون الانشقاق عن حزب"الليكود"وتشكيل حزب"كديما"، الأمر الذي ترك تداعياته. واضح أن تداعيات وارتدادات"زلزال كديما"تلاشت أو زالت نهائياً، وباختصار يمكن الإشارة الى أن"كديما"كان حزب"الشخص"أو"الزعيم القائد"آرييل شارون، أي حزباً من دون دستور واضح المعالم، ومن دون مؤسسات وأطر حزبية وجماهيرية، وكان"حزب الفكرة والمفهوم الأحادي"مفهوم فك الارتباط والانفصال الأحادي عن الفلسطينيين، حيث اعتبر شارون أن الظروف مؤاتية للاستفراد بالفلسطينيين في ظل الدعم الدولي والضعف العربي، ورسم حدود إسرائيل من جانب واحد عبر الانسحاب من قطاع غزة وستين في المئة من الضفة الغربية، واعتبار"الجدار الفاصل"بمثابة الحدود الشرقية مع الكيان الفلسطيني، ومن ثم التفرغ لحل المشاكل الإسرائيلية الداخلية التي تفاقمت خلال العقود الأخيرة وعلى مستويات عدة اقتصادية واجتماعية ونفسية في ظل الانشغال بالمعركة والحرب مع الفلسطينيين. غاب الزعيم والمؤسس بعد شهرين على تأسيس الحزب، وبعد ذلك انهار"المفهوم الأحادي"مرتين: مرة في كرم أبو سالم يوم أسرت"المقاومة الفلسطينية"جلعاد شاليط واضطر الجيش الإسرائيلي للعودة الى سياسة الاجتياحات والتوغلات في قطاع غزة، ومرة في زرعيت يوم أسرت"المقاومة اللبنانية"الجنديين الاسرائيليين ايهود غولدفيشر والراد ريغنيف ويوم قررت اسرائيل شن حرب مجنونة ضد لبنان كانت في جوهرها وبصرف النظر عن التفاصيل إعلاناً رسمياً عن انهيار وموت النظرية الأحادية وإقراراً بعجز القائد الجديد لپ"كديما"وإسرائيل في المواجهة والحسم. الآن وبعد سنة ونصف يعودون في إسرائيل الى الحديث عن زلزال جديد نتيجة توصيات واستخلاصات"لجنة فينوغراد"المخولة التحقيق في الأداء السياسي والعسكري الإسرائيلي خلال حرب لبنان الأخيرة، وعلى طريقة لا يفل الحديد إلا الحديد، فإن زلزال"فينوغراد"قد يؤدي الى فرط وانهيار"كديما"نهائياً، بحيث يعود عناصره الى"الليكود"حزبهم الأم. والقادمون من"العمل"الى حزبهم الأم"العمل"ومن ثم يتم الإعلان عن إجراء انتخابات مبكرة يتنافس فيها الثنائي التقليدي"الليكود"وپ"العمل"في حضور ملموس لأحزاب اليمين الأخرى مثل"اسرائيل بيتنا"و"شاس"وپ"المفدال"وپ"الاتحاد القومي"وغياب شبه تام لأحزاب الوسط واليسار. لكن لا أحد في إسرائيل يريد انتخابات مبكرة وأعضاء الكنيست الحاليين متيقنون من أن أي انتخابات جديدة ستحرمهم من مقاعد البرلمان الوثيرة، وثمة سبب آخر للرغبة في عدم الذهاب الى انتخابات مبكرة هو رفض زعيم"الليكود"بنيامين نتانياهو الذي تشير الاستطلاعات الى أنه سيكون الرابح الأبرز مع ثلاثين مقعداً تقريباً ما يؤهله لشغل منصب رئيس الوزراء القادم وهو لن يجد صعوبة في تشكيل ائتلاف حكومي مستقر في ظل الانزياح الواضح للاسرائيليين نحو اليمين. بنيامين نتانياهو مكروه جداً ولا أحد يريد رؤيته رئيساً للوزراء، وهذا الأمر إضافة الى غريزة البقاء وحب الحياة، قد يؤدي الى زلزال آخر في اتجاه مختلف، يتمثل باندماج حزبي"كديما"وپ"العمل"، أو على الأقل دخولهما في تحالف وثيق لمنع نتانياهو من الوصول الى رئاسة الوزراء بأي ثمن. ويمكن القول ان زلزال"فينوغراد: لن يدمر أو يؤدي الى انهيار وزوال"كديما"فقط، بل قد يؤدي الى استقالة ايهود أولمرت من زعامة الحزب ورئاسة الوزراء، والحزب سيدافع عن نفسه بدافع غريزة البقاء والاستمرار وسيضطر الى الالتفاف حول قائد آخر تماماً كما فعل عند غياب مؤسسه آرييل شارون، هذا القائد قد يكون شيمون بيرز أو حتى وزيرة الخارجية تسيبي ليفني،"كديما"سيواصل في هذه الحال تحالفه مع حزب"العمل"بقيادة غايهود باراك أو عامي إيلون في ظل الاقتناع التام ان بيريتس ميت سياسياً سواء على يد"تقرير فينوغراد"أو في الانتخابات الداخلية المقبلة أواخر أيار مايو المقبل، والتي سيخسرها بيريتس بحسب الاستطلاعات. الحكومة الجديدة برئاسة بيريتس أو ليفني مع باراك أو ايلون كوزير للدفاع ستبدأ في معالجة ما يوصف اسرائيلياً بثغرات أو القصور في حرب لبنان، وسيبدأ وزير الدفاع الجديد في ترميم الجيش والجبهة الداخلية وإعدادهما لأي حرب مقبلة الى تحقيق انتصارات سريعة ولو كانت وهمية، سواء عبر هجومات واجتياحات في قطاع غزة أو حتى في لبنان مع حشد الإسرائيليين وتعبئتهم لمواجهة ما يزعم أنه الخطر الوجودي الأول المتمثل في إيران وملفها النووي، اما سياسياً وفي ظل الاقتناع التام بعدم وجود"شريك فلسطيني"ملائم لاستئناف المفاوضات، ستضطر هذه الحكومة الى فتح مسارات تفاوضية مع بعض الدول العربية للعمل على تعديل بعض بنود مبادرة قمة بيروت خصوصاً المتعلقة بملف اللاجئين وتقديم التطبيع على السلام بحسب التصريح الشهير لوزيرة الخارجية تسيبي ليفني. أمر آخر يجب أن نأخذه في الاعتبار، وهو أن الزلزال الذي قد يحدثه"تقرير فينوغراد"قد لا يؤثر في ايهود أولمرت الذي قد يخرج سليماً معافى، الأمر الذي عادة ما يردده في مجالسه الخاصة بحسب بن كسبيت في"معاريف"حيث جاء ان أولمرت حصل في الآونة الأخيرة على مؤشرين جديدين، الأول جاءه من صحافي نقلاً عن محامين قاموا بالاطلاع على مواد التحقيق بطلب من ضباط كبار وقالوا نتيجة ذلك:"أولمرت مغطى تماماً"أما المؤشر الثاني فقد جاءه من شخصية شعبية معروفة وحسنة الاطلاع على مجريات تحقيق"لجنة فينوغراد"قولها بالحرف الواحد بحسب"معاريف":"بإمكان رئيس الوزراء أن ينام بهدوء". وفي المحصلة سواء حصل"الزلزال"أو لم يحصل وسواء انهار"كديما"أم لا، وسواء تنافس"الليكود"مع"العمل"أو لجأ هذا الأخير الى إنقاذ"كديما"وإخراجه من الورطة فإن الأزمة ستظل من دون حل ولذلك لن تنعم إسرائيل بالاستقرار ولن تستطيع التفرغ لمشاكلها الداخلية الكثيرة وسيستمر الاستنزاف والنزيف سواء على الجبهة الفلسطينية أو اللبنانية أو حتى على الجبهة الإسرائيلية الداخلية نفسها. * كاتب فلسطيني - مدير مركز شرق المتوسط للصحافة والإعلام.