على رغم أن الصوت الذي تسمعه هو ذلك المنبعث من سيارات السباق إلا أن المار بجانبك ليس سوى زميلك في العمل. إذ صار من الطبيعي أن يمر بجانبك أحدهم وتسمع أثناء مروره صوت سيارة مسرعة، أو نواء قطة. أشياء كثيرة لا تتخيلها، تحولت إلى "نغمات جوال" وباتت سمة تميز كل شخص لا تقل أهمية بالنسبة اليه عن طريقة لباسه. لا يكتفي الشباب برنة واحدة لاستقبال كل المكالمات، فلكل متصل نغمة خاصة به، حتى يعرف المستقبل اسم المتصل من دون أن ينظر إلى رقمه. بسخرية ظاهرة يقول إسماعيل الذي يدرس في المرحلة المتوسطة أن النغمة الخاصة بوالده ووالدته هي نغمة"خبر عاجل"التي تبثها قناة"العربية"مع أي خبر عاجل، لأن الاتصالات الواردة من والديه كثيراً ما تقطع عليه متعته مع زملائه بفرض أوامر معينة أو طلب العودة إلى المنزل في وقت باكر. ويشير اسماعيل إلى أن النغمات الجادة أو تلك التي تشبه الموسيقى التي ترافق الأخبار العاجلة في قناة"العربية"باتت منتشرة بين زملائه الذين يخصصونها لبعض الأشخاص المهمين... أو المزعجين. وبالنسبة الى سليمان فإن نغمة خبر عاجل تنذره باتصال من مديره فقط، فهو غالباً ما يتصل لإبداء ملاحظات، أو لاستدعائه لأمر مهم. أما النغمة المرافقة لنشرة الأخبار على قناة"الجزيرة"فاعتمدها أحمد 28 سنة لزوجته، وسرعان ما قلده أصدقاؤه مع زوجاتهم أيضاً، متذرعين بطلبات النساء التي لا تنتهي. وللمواسم الدينية نغماتها الخاصة عند الشباب أيضاً. تستطيع أن تسمع دعاء إمام الحرم المكي الشيخ عبدالرحمن السديس في هواتف عدة في شهر رمضان فقط، كما أن نغمات التكبير تنتشر في شكل كبير في العشر الأول من شهر ذي الحجة على رغم الملاحظات التي يبديها العلماء حول هذه الرنات ومشروعية وضعها بطريقة يصفها البعض بأنها"مهينة"للمادة الصوتية الدينية. ومشكلة الرنات غير الاعتيادية أنها تخترق الأجواء الجادة، وتسبب غضب كثيرين، بحسب خالد الذي يؤم أحد المساجد في مدينة الرياض. ويشكو خالد من أن عدداً كبيراً من المصلين والشباب منهم على وجه الخصوص، لا يراعون حُرمة المسجد في الأصوات التي تصدر من هواتفهم وتفسد على المصلين صلاتهم."عشرات الرنات نسمعها أثناء أداء الصلاة على رغم اللوحات التنبيهية على أبواب المساجد التي تحض على إغلاق الجوال وعدم إزعاج المصلين"كما يقول خالد، مشيراً إلى أن بعض النغمات تكون مضحكة أحياناً، أو ذات إيقاع غريب يشتت الذهن ويغضب كثيراً من المصلين بسببها. الأمر نفسه يتكرر في قاعات الدرس داخل الجامعات، فيضطر الأساتذة إلى التشديد مع بداية كل محاضرة على إغلاق الهواتف حتى يتمكن من التركيز على الموضوع وعدم تشتيت الذهن. ويقول سامي عبداللطيف الذي يحاضر في إحدى كليات جامعة جدة:"تخيل لو أن عدد الطلاب في القاعة 50 طالباً، ورنت 10 هواتف أثناء المحاضرة، كيف سيكون الوضع؟"مؤكداً أنه يضطر لطرد بضعة طلاب من الصف عندما ترن هواتفهم أملاً في تأديب البقية ووضع حد لهذا الإزعاج. لكن إبراهيم 20 سنة الطالب في الصف السابع يشير إلى أن أحد الأساتذة ممن يتشددون في إقفال الهواتف أثناء المحاضرات، كان متحمساً في شرحه لإحدى النظريات، عندما انطلق هاتفه بصوت كاظم الساهر وأغنية"قولي أحبك كي تزيد وسامتي"فضاع جو المحاضرة كله. وقال ابراهيم إنه قد يقبل من بعض الطلاب أن ترن هواتفهم بهذه الرنة، لكن من غير المقبول أبداً أن يكون جوال الأستاذ! الإقبال الكثيف على رنات الهواتف الجوالة، دفع الكثير من الشركات إلى الاستثمار في هذا المجال، وبدأت إعلاناتها تغزو الصحف على امتداد صفحات ملونة. فعند إرسالك رقم النغمة الموجود في الصحيفة إلى الأرقام المحددة اسفل الصفحة، تحصل على النغمة التي تريدها خلال ثوان معدودة مقابل مبالغ تتراوح بين دولارين و4 دولارات، بحسب الفنان والأغنية أو المقطع والشهرة. "الأكشاك"التي كانت تملأ الشوارع مع بداية ظهور الهواتف الجوالة في السعودية لبيع الرنات بمبالغ تصل إلى 6 دولارات، لم تعد ذات أهمية لكثير من المهتمين بالرنات وجديدها. فمواقع الانترنت فازت بالضربة القاضية على الأكشاك. تستطيع أن تجد ما تريده من رنات بضغطة زر ومن دون أن تدفع ريالاً واحداً. الأمر لا يقف عند رنة معينة، يمكنك أن تختار بين عشرات الصيغ للرنة الواحدة بما يناسب هاتفك المحمول، فقط حدد صيغة الرنة بين العديد من الخيارات RTTTL-WAVE-MP3-WMA... وتشهد مواقع النغمات وبرامج الهواتف الجوالة إقبالاً كثيفاً من فئة الشباب، ولا يكاد يمر يوم من دون تحديث أو إضافة. كل شيء متوافر وبسهولة فأياً كانت الرنة هناك دائماً من يندفع لتحميلها. برامج تحويل الأنساق الصوتية، ساهمت هي الأخرى في انتشار الرنات في شكل غير قابل للعد، إذ يشير صلاح 22 سنة إلى أن تلك البرامج قادرة على تحويل أي مقطع صوتي إلى رنة جوال تجعلك متميزاً عن الآخرين، من دون الحاجة إلى الدخول الى مواقع الرنات أو حتى شرائها.