على رغم عرض مسلسل "العندليب" على قناة "أم بي سي" في رمضان الماضي، ويُعاد عرضه حالياً، ما زال التلفزيون المصري يُصر على رفض بث المسلسل على قنواته الأرضية. والحجة هي أن هناك الكثير من الأخطاء التاريخية التي أدت إلى اشتعال الخلافات بين ورثة الشخصيات التي تناولها العمل. إلا أن ما يدور في الكواليس يبدو عكس ذلك تماماً، إذ يقال إنّ رقابة التلفزيون لا يعنيها كثيراً أمر الأخطاء والمغالطات التاريخية بقدر التخوف من الحلقات الأولى التي ألقت الضوء على كيفية تأسيس جماعة"الإخوان المسلمين"في مصر وسيرة مرشدهم ومؤسس الجماعة حسن البنا. فللمرة الأولى تتناول الدراما شخصية البنا. ويشير القائمون على العمل إلى أن ظهور البنا في هذا المسلسل لم يكن بقصد دعم الجماعة - كما يعتقد موظفو التلفزيون -، ولكن لنقل وقائع تاريخية وحقائق عاصرتها شخصيات تلك الفترة، ولا يستطيع مؤلف العمل تجاهلها بحسب كاتب السيناريو الدكتور مدحت العدل:"لا استطيع تناول الفترة التاريخية التي سبقت ثورة 1952 وتبعاتها، متجاهلاً شخصية حسن البنا الذي كان مشاركاً في الكثير من الأحداث وقتها". ويسأل العدل:"لمصلحة مَنْ أُشوِّه التاريخ وأزوِّر الحقائق المتفق عليها؟". وإذا كان مخرج المسلسل جمال عبدالحميد يتفق مع هذا الطرح، إلا أنه يؤكد وجود موقف شخصي ضده، خصوصاً أن اثنين من أعماله منعا من العرض في الفترة الاخيرة، وهما"الإمبراطور"من بطولة النجم حسين فهمي، و"بنت من شبرا"من بطولة ليلى علوي. علماً أن المسلسل الأخير مُنع بقرار وزاري للمرة الأولى في تاريخ التلفزيون المصري. وكان مسلسل"ريا وسكينة"على وشك اللحاق بالمسلسلين السابقين لولا نجاحه الكبير فضائياً، ورغبة الشركة المنتجة في عرضه على القنوات الأرضية. ولا يفهم عبد الحميد عن أي حرية يتحدث الإعلام المصري و"هو لا يستطيع عرض الحقائق التاريخية على شاشته". ويوضح أنه أثناء مونتاج الحلقات، فوجئ بقائمة طويلة من الملاحقات الرقابية التي توصي بحذف الكثير من المشاهد المتعلقة بالبنا ورجاله، كي تتمكن الرقابة من عرض المسلسل على جهات عُليا لإقرار عرضه على الجمهور المصري. والسؤال المطروح الآن: هل يمكن أن تحذف الرقابة مقطعاً من المسلسل بعدما شاهده الجمهور المصري على شاشة"ام بي سي"؟. وهل يعقل أن يعرض المسلسل مشوهاً؟ من هنا، يقول منتج العمل جمال العدل:"عرض المسلسل على القنوات الأرضية لم يعد يعنيني خصوصاً أن العمل تتسابق عليه الفضائيات". والمفارقة أن المسلسل الذي قدمه آل العدل وجسد بطولته شادي شامل وهيدي كريم وعبلة كامل وكمال أبو رية وسواهم من الفنانين المصريين، يرصد حياة عبدالحليم حافظ التي تداخلت في أجزاء كثيرة منها مع السلطة القائمة في تلك الفترة. ليس ذلك فقط، بل حرص المؤلف مدحت العدل في العمل على رسم ملامح فترة سياسية واجتماعية لمجتمع كامل وليس لشخص تحول إلى رمز وشكَّل ثورة في الغناء. في مطلق الأحوال، يبدو أن ما يحدث مع مسلسل"العندليب"، يؤكد أن كل التصريحات عن التطوير والانفتاح في الإعلام والابداع، مجرد كلام في كلام!