بين برنامج "العندليب من يكون، الذي نظمته وعرضته "أم بي سي" ومسلسل"العندليب: حكاية شعب" حصلت تغييرات كبيرة أثرت في مستوى المسلسل الذي يحكي قصة الفتى الأسمر، الريفي، اليتيم، الذي استطاع بإصراره أن يقف إلى جانب أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب. لعل أصغر نقطة ضعف في المسلسل، على أهميتها، هي في أداء الفائز في برنامج"العندليب من يكون"، شادي شامل. إذ جاء أداؤه فاتراً متردداً لا يرقى إلى التمثيل والدراما والتقاط الشخصية. فالمشكلة ليست في هذا الشاب الذي لا يملك خبرة في التمثيل والوقوف أمام الكاميرا. المشكلة، أو واحدة من المشكلات، هي في أن التصور الإخراجي للمسلسل يعتبر الاسكتشات التي يتم فيها تقليد مَشاهد من أعمال عبد الحليم حافظ وشخصيته هي قمة الدراما، وهي الهدف المرتجى. فتراه يكرر ذلك مذكراً بالفقرات التي كانت تُعرض أثناء برنامج"العندليب من يكون"، حيث يقلد المشاركون في المسابقة مقاطع من أفلام، هي دائماً عبارة عن لوحة مسرحية بسيطة تجمع بين تقليد الشخصية وتقليد الغناء. والمسلسل يضم من هذه الفقرات ما لا يحصى، موزعة بين فقرات أخرى من هنا وهناك متفاوتة المستوى ومشغولة وفق تصور تقليدي أو بدائي في صناعة الأعمال الدرامية، إذ تقف عند قشور الأحداث والشخصيات. فطريقة السرد شكلية وسطحية تنتسب إلى مدرسة الأفلام المصرية القديمة، التي لم تتجاوزها تجربة المخرج جمال عبد الحميد لا في مسلسل"العندليب"ولا في سابقه"ريا وسكينة"العام الماضي. هنا، تبرز الثغرة الأبرز في العمل، ألا وهي أن السرد غير متوازن، ووتيرة الحلقات وإيقاع الأحداث فيها مفلتان من أي منطق داخلي. الناظم ها هنا هو ما توافر بين يدي المؤلف مدحت العدل والمنتج جمال العدل من مادة تاريخية روائية، وسط رياح هبت أثناء العمل فطيرت معها الكثير المهم من الأوراق. من هنا فقدَ المسلسلُ أجزاء وقصصاً وتفاصيلَ كثيرة أفرَغته وخلخلت بنيته قبل أن يولد، وباتت الحلقات مخزناً لما نجا من قصص وتفاصيل ومشاهد. فتارة تدور مجموعة من الحلقات حول حدث واحد زمنه يوم أو أيام قليلة، وتارة أخرى تنتهي حلقة 25 مع حفلة الذكرى السنوية للثورة وتفتح الحلقة التالية 26 على الذكرى التالية. كأن زمن الأحداث والحلقات مرة على التوقيت الأرضي ومرة وفق السنين القمرية. وفي ظل غياب المادة القصصية والوثائقية عن عبد الحليم نفسه التي يحتاج إليها عمل من هذا النوع، يبدو الخط البانورامي الذي يوسع كاميرا المسلسل لتصور تلك الحقبة"الناصرية"، هو أشبه بتعويض نقص فادح أو هروب إلى الأمام، في اتجاه كان يمكن أن يكون خيطاً أو خيوطاً درامية غنية في قماشة العمل في ما لو توازن وتبلور وترافق مع الاتجاه الذي غاب، ويفترض أنه عماد المسلسل وعصبه الرئيس: قصة عبد الحليم حافظ. فالمسلسل يفتقد إلى المدماك، القصة، الرؤية، الوثيقة...الخ. لعل السبب وراء ذلك هو أنه لم يحصل على المادة الوثائقية كاملة وحقوق إعادة إنتاجها وبثها، لكن الأهم هو افتقاده إلى الرؤية الدرامية التي كان يمكن أن تنتج سرداً وأحداثاً وشخصياتٍ... وصدقية مستقلة بعيداً من الحسابات الشخصية والعملية التي فرضتها التسويات القانونية من جهة والإنتاجية من جهة أخرى. والجميع بات يعلم كيف"خلص"المسلسل من الدعاوى القضائية التي انهالت عليه، من شركاء الإنتاج تارة ومن الورثة تارة أخرى. وما أدراك ما سلوك ورثة الشخصيات العامة عربياً.