لعل من المتفق عليه، كخطأ منهجي، أن ننطلق من القناعة ونبحث لها عن شواهد وأدلة، لكن كثيرين يمارسون هذا الخطأ كل يوم. إذ إن المستقرئ لكل ما يكتب ويقال هذه الأيام حول الشيعة وإيران ودورهم في العراق وفي المنطقة في شكل عام وعلاقة كل ذلك بواشنطن يقف أمام كلمة سر وموقف موحد أن إيران دولة إسلامية شيعية، تبحث عن دور في العراق وفي المنطقة، ولكنها تتناقض ولا تتعادى مع واشنطن. فكلمة السر بين غالبية أهل الرأي المسموع في ساحتنا العربية أن إيران تتناقض هيكلياً وبنيوياً ومبدئياً مع الولاياتالمتحدة، والشواهد على ذلك لا تحصى، فالقضية الفلسطينية وپ"حزب الله"في لبنان وما يذيقه لإسرائيل كافيان لتبيان الحقيقة. هل إيران - والشيعة امتداد لها - مبدئية في خياراتها الكبرى مع خيارات الأمة؟ بصيغة أخرى هل أولويات إيران العليا هي أولويات الأمة؟ أولوية الأمة هي فلسطين لأنها مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأن الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه هو فاتحها ولأن صلاح الدين الأيوبي هو من حررها. يكفي لتعاين صحة ذلك ان تلقي سؤالاً بسيطاً على أي إيراني أو على أي عضو من"حزب الله"عن الفاروق رضي الله عنه وعن صلاح الدين الأيوبي. ويعود السؤال: أين تقع فلسطين من مشروع إيران ومشروع"حزب الله"؟ لماذا لم يقل السيد نصرالله ولا كلمة خير في مقاومة العراقيين؟؟ لقد تساءلت يوم دخل معظم الشيعة في العراق في حلف مع الغزاة، لماذا يفعلون ذلك، أوليس أولوياتهم هي أولويات الأمة، فالكل يعلم ظلم صدام لكن لا احد يصدق أن أميركا هي من يريح العراقيين من ظلمه، لكن الشيعة صدقوا ويصدقون. وقال الشيعة أولاً انهم يترقبون قول المراجع لإعلان الجهاد ضد الغزاة وقال كثيرون من أهل الرأي عندنا ان الأمر في العراق سيحسم قريباً، فقط انتظروا إشارة المراجع ويلتحق الشيعة بركب المقاومة. لكن الآيات والمراجع صمتوا وغابوا عن العيان بل باركوا رجوع الأمر إلى أصحابه وأهله ولكن على يد واشنطن. لماذا لم يلتحق الشيعة في العراق بالمقاومة ولماذا لم يحرضهم السيد حسن نصر الله صاحب التجربة في نجاعة المقاومة أو إيران الحاضنة لهموم فلسطين ومقاومة لبنان؟ يبدو أن التساؤلات تتوالد وتتوالى. لماذا هللت إيران وباركت غزو أفغانستان وبعدها العراق؟ ووجد لها بعض أهل الرأي عندنا العذر، فلإيران لدى"طالبان"ثأر لقتلها ديبلوماسييها ولإيران ثارات لدى صدام وحربه الظالمة معها، وهكذا سوقت إيران بضاعتها بيننا واكتفت بإدانات محتشمة هنا وهناك. حتى قصة الطاقة النووية، ما سر كل هذا الصبر الأميركي الغربي على إيران؟ هل سمعنا شيئاً من هذا قبل ضرب المفاعل النووي العراقي؟ هل يمكن أن نتساءل بعد كل هذا هل هناك شيء ما بين إيران وأميركا، وقبل ذلك هل تمثل فعلاً إيران خطراً على أميركا أو إسرائيل أو الغرب؟ أو بصيغة أبسط هل إيران غير دولة قومية فارسية منتهى طموحاتها كسروية، وما شيعة العرب إلا المناذرة أداتها في بعض خير جيرانها؟ فهل يغدو الحديث عن تناقض بين إيران وامتداداتها في العالم العربي وبين واشنطن غير انحراف في الرؤية لدى بعض المفكرين؟ تساؤلات أرجو أن تظل توهمات. محمد سعيد الخرشاني - كاتب تونسي - بريد إلكتروني