لا شك أن المنطقة العربية (الشرق الأوسط) تعتبر صرة العالم ومكان تقاطع جميع المصالح الدولية ومنبع الرسالات ومهد الأماكن المقدسة، ناهيك عن ما حبا الله هذه المنطقة من موارد اقتصادية تحرك عجلة الحضارة العالمية وموقع استراتيجي يتحكم بالمضايق التي تربط الشرق بالغرب. لذلك ظلت هذه المنطقة حتى قبل اكتشاف البترول فيها، مطمع للغزاة ومحط أنظار الفاتحين. فقبل الإسلام تنافست عليه الامبراطورية الفارسية والامبراطورية البيزنطية، وبعد الإسلام تعرضت المنطقة للتتار ثم للحملات الصليبية ثم حملة نابليون بنابورت ثم تلا ذلك تقاسم المنطقة طبقاً لمعاهد سايك - سبيكو، ثم وعد بلفور الذي زرع جسماً غريباً في المنطقة لضمان استمرار السيطرة عليها. نعم هذا الجسم الغريب نما واستقوى حتى أصبح دولة تُسمى إسرائيل تدعم من قبل دول الغرب خصوصاً أمريكا بكل شيء من الإبرة حتى الطائرة. إسرائيل في الحقيقة عبارة عن قوة خفية مهيمنة على الشأنين الداخلي والخارجي في أمريكا، وليست فقط الدولة الظاهرة للعيان بما تحتله من أرض فلسطين. إسرائيل اليوم تقيم الديمقراطية وتصنع التقدم من خلال تفعيل التعليم والصحة والدفاع والاقتصاد باستخدام أعلى درجات التقنية وأحدثها، وفي نفس الوقت تستخدم كل ما أوتيت من قوة سواء بجهودها الذاتية أو بتسخير الآخرين ممن تتحكم بهم من خلال المال والإعلام أو مراكز القوى، للقضاء على الدول العربية والإسلامية من داخلها وباستخدام أيدي أبناء العروبة والإسلام لتحقيق حلم إسرائيل الكبرى. وأول ما لجأوا إليه هو العمل على عدم استقرار المنطقة منذ اللحظة التي ولدت فيها إسرائيل، فالانقلابات العسكرية مهما حملت من شعارات صبت نتاجها في صالح إسرائيل، فالتخلف في المجال الاقتصادي وفي التعليم وفي الصحة والفقر والتشرذم ووصول أشخاص ليسوا أكفاء إلى الحكم وتصرفاتهم الصبيانية، وخلق الشقاق، والاعتماد على الأجنبي، كل ذلك جاء نتيجة للبيان رقم واحد. واليوم العالم العربي ليس بأحسن حال مما كان عليه فالإرهاب ينشر ويدعم، والاقتصاد يتدهور، والضغوط تزداد، والتآمر يتم على قدم وساق، والنار تتأجج في كل حدب وصوب سواء كان ذلك في الصومال حيث الحرب الأهلية أو في أفغانستان حيث الاحتلال الأجنبي أو في العراق الذي يزج به اليوم في أتون حرب تصفية تفضي إلى حرب أهلية وقودها شباب ورجالات العراق. إن ما يحدث في العراق ليس وليد صدفة بل هو أمر خُطط له بعناية فائقة. فالعراق كان من المفترض أن يكون أغنى وأعظم دولة عربية حيث تتوفر فيه مقومات الغنى والتقدم من حيث وجود الأنهار الجارية والأراضي الخصبة، ومن حيث وجود احتياط ضخم من البترول ناهيك عن أن أبناء العراق لهم شغف بالعلم والزراعة. لكن كل تلك المقومات نسقت من خلال الانقلابات العسكرية المتتالية والتي يقوم كل منها بتصفية نخبة من رجالات العراق وأبنائه. حتى وصل الأمر إلى صدام حسين حيث خاض حرب الخليج الأولى مع إيران والتي أكلت الأخضر واليابس ليس في العراق فقط بل بكل من جاور العراق إلا إسرائيل التي كانت المستفيد الوحيد من ذلك. ثم تلا ذلك احتلال الكويت وحرب تحريرها (حرب الخليج الثانية) والتي سحبت البساط من تحت اقتصاديات دول الخليج وأربكتها ديون بمليارات الدولارات مازالت تعاني من آثارها، ثم تلا ذلك الحصار على العراق الذي دام أكثر من ثلاث عشرة سنة كان المتضرر الأول والأخير منها شعب العراق، وتوج ذلك الحصار باحتلال العراق (حرب الخليج الثالثة). واليوم نقرأ ونسمع ونشاهد ما يجري على أرض العراق وما يحدث لشعب العراق وما يدبر له من قتل بصورة جماعية تمهيداً لزجه في أتون حرب أهلية تفضي إلى تقسيمه أو تقاسمه. إن إبرام الحبل حول رقبة سوريا، والتدخل في لبنان، ومحاولة نزع سلاح الفلسطينيين في لبنان وفلسطين، والتغاضي عن الدور الإيراني في العراق له مغزى واضح المعالم لا يخفى على اللبيب. نعم مرت على الخليج ثلاث حروب خلال فترة زمنية وجيزة من عمر الزمن وكانت كل واحدة سبباً في التي بعدها ووقودها في كل الحالات العرب والمسلمون. فهل هناك حروب خليج أخرى أو حروب أوسع نطاقاً مازال الإعداد لها جار على قدم وساق؟ ففي العام الماضي تحدث الأردن عن احتمال خلق هلال شيعي يمتد من إيران إلى لبنان، وبالأمس تحدث صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية في أحد تصريحاته بصراحة حيث قال: إن أمريكا تسلم العراق للإيرانيين على طبق من ذهب. نعم إن المخابرات الدولية وخصوصاً الإسرائيلية والأمريكية والايرانية وغيرها تلعب دوراً مشبوهاً في العراق. إن إسرائيل وحلفاءها يسعون بكل ما أوتوا من قوة لخلق استقطاب في المنطقة، طرفاه الشيعة والسنّة وهذا الهدف ليس حباً في الشيعة أو السنة، ولكن حباً في خلق وضع يسمح لإسرائيل وأعوانها بزج المنطقة في حرب طائفية قادمة وقودها السنّة والشيعة. نعم إن الدول التي لها مصلحة في تمزيق المنطقة وتحويلها إلى ركام كما هو حادث في العراق، لن تألو جهداً في سبيل خلق المناخ المناسب لتلك الحرب. وتمهيداً لذلك لا بد من العمل على اختلال ميزان القوى بين دول المنطقة حتى ولو كان ذلك من خلال حصول البعض على السلاح النووي، وذلك حتى يتملكه الغرور ويغامر. نعم لن يحصلوا على بغيتهم ما دام عقلاء السنَّة والشيعة يحكمون، لذلك يتوجب الأمر حسب السيناريو أن يصل إلى الحكم طغمة من المغامرين والمتهورين من أمثال أولئك الذين يفجرون أنفسهم اعتقاداً منهم أنه جهاد. نعم إن الأعداء يخططون لضرب جناحي العالم الإسلامي ببعضهما وأعني السنَّة والشيعة، فإذا نشبت الحرب حافظ الأعداء على توازن القوى بين الطرفين وأخذوا بدعمهما حتى تستمر الحرب أطول فترة ممكنة، وذلك حتى تأكل الأخضر واليابس ولا يبقى أمامهم إلا أشباح ورعاع تسهل السيطرة عليهم، وهنا يتدخلون ويتوسطون لوقف الحرب ويصدرون عدة قرارات من الأممالمتحدة تقسم المنطقة من جديد بين زعماء الحرب وبذلك تتحول المنطقة إلى كانتونات تأتمر بما تقوله تل أبيب. إن هذا السيناريو يقودنا إلى الاعتقاد بأن تأسيس تنظيم القاعدة ليس إلا جزءاً من ذلك المخطط، حيث إن ما يحدث من إرهاب وتكفير وتفجير لا يعدو إلا مقدمات لذلك المشروع الرهيب. لا شك أن الكل يتساءل لماذا لم تهاجم القاعدة إسرائيل في الحادي عشر من سبتمبر 2001م بدلاً من نيويورك وواشنطن؟ ولماذا القاعدة تكفر وتفجر في مصر والسعودية والدول العربية الأخرى ولم تجر لها أية عملية في إسرائيل؟ لماذا تستهدف السفارات الأمريكية والمصالح الأمريكية ولا تستهدف السفارات والمصالح الإسرائيلية في دول العالم؟ لماذا تظهر القاعدة في العراق ولا تظهر في فلسطين؟ والأسئلة على هذا النحو لا تنتهي، إذا كان الدافع لتلك الأفعال اعتقاد جهادي وليس صادراً من عمل مخابراتي. نعم إن الذي يحير أكثر هو أن تنظيم القاعدة لا يعدو جزءاً من اللعبة الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة وذلك طبقاً للمستفيد الأول من نتائج أعمالها وطبقاً لأسلوب صياغة خطابات زعيمها (إن صحت) ذلك أن كل خطاباته تصب في مصلحة السياسة الأمريكية، فخطابه ليلة الانتخابات الأمريكية رجح كفة الرئيس بوش حيث وجه زعيم القاعدة تهديده للشعب الأمريكي واعترف بتحمل مسؤولية أحداث 11 سبتمبر أما خطب أيمن الظواهري المتكررة والتي تهدد الشعوب بدلاً من الاستنجاد بها، فهي تصب في الخانة نفسها. نعم لم نعهد في التاريخ القديم والحديث أن أحداً هدد الشعوب المسالمة بقتل أبنائها أو تدمير اقتصادها، ذلك أن التهديد دوماً يوجّه للقيادات الباغية ويطلب من الشعوب المناصرة والوقوف ضد ظلم وتجبر حكامها. إن ذلك كله يدل على أن اللعبة أكبر من تنظيم زعمائه يختبئون في مغارات يصعب الاتصال أو الوصول إليها على الرغم من أن مظهر من يظهر منهم على شاشات التلفزيون يشير إلى أنهم مرفهون ومنعمون. نعم إن الجهاد درجات وأكبر أنواع الجهاد هو ذلك الذي يعز فيه الإسلام وتنشر مبادئه، بحيث تصبح الشعوب الأخرى أكثر تقبلاً وفهماً له واقبالاً عليه، وهذا يحدث عندما يصبح أهله قدوة للآخرين في العدل والاعتدال والقدرة على الدفاع عن الحق وهذا يتأتى من خلال تقديم الإسلام المعتدل والتسلح بالعلم والمعرفة ذلك أن المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف وفي كل خير. وفي المقابل فإن أضعف أنواع الاجتهاد هو أسلوب الذي يؤلب الأقوياء ويشوه سمعة الإسلام وأهله، ويعمل على اقناع الآخرين بأن الإسلام مصدر للإرهاب ومحب للقتل وسفك الدماء. إن أسلوب التكفير والتفجير ليس جهاداً ذلك أن تلك الأساليب هي التي تقنع الشعوب الأخرى بمساندة إسرائيل وغيرها من القوى الغاشمة ناهيك عن أن هذا الأسلوب هو الذي يجعل شعوب الغرب تفهم الإسلام من خلال ما يصوره أعداء الإسلام مبرهنين على أقوالهم بأفعال قلة من أبناء المسلمين ممن غرر به أو غسل دماغه أو تم تفخيخه دون علم أو دراية منه. إن شعوب الغرب تتعرض لغسيل ثقافي عماده كره الإسلام وأهله. والقائمون على ذلك العمل الإعلامي المشين ينتمون إلى المخابرات والقوى الصهيونية والشركات الاحتكارية والكُتَّاب المأجورين ومن يملكون المال والإعلام من أعداء هذه الأمة ومن يتم إيصالهم إلى مراكز اتخاذ القرار من قبل تلك القوى. إن الهجمة الصهيونية والتي تقودها المخابرات الإسرائيلية ومن يدور في فلكها من المخابرات الدولية والمنظمات الصهيونية والمسيحية اليمينية الصهيونية المتطرفة سواء كانت عسكرية أو إرهابية أو إعلامية أو غيرها من الوسائل، تقود إلى محصلة واحدة وهي جلب الدمار والتخلف إلى الشعوب العربية والإسلامية، والعمل على طرد الجاليات العربية والإسلامية من دول الغرب بكل وسيلة ممكنة وذلك حتى تنفرد هي بتلك الشعوب وبالتالي تصبح تلك الشعوب لا ترى إلا ما تريده إسرائيل، ولا تسمع إلا ما تقوله إسرائيل. نعم إن إسرائيل هي الحية التي تعثو فساداً وتخريباً في المنطقة بصورة مباشرة أو غير مباشرة. وما يحدث في العراق من قتل جماعي لأبناء الشعب العراقي وما يدبر له من إعداد لحرب أهلية تأكل ما تبقى في أرض الرافدين من رمق تمهيداً لخلق استقطاب شيعي - سني في منطقة الشرق الأوسط. كل ذلك يمكن من خلط الأوراق في المنطقة كلها وزجها في حرب أتون تأكل الأخضر واليابس تحتوي جناحي العالم الإسلامي من شيعة وسنَّة احتوءاً مزدوجاً. ولا شك أن ما يحدث في العراق والعمل على اختلال ميزان القوى في المنطقة وإبرام الحبل حول سوريا وإعداد المسرح في لبنان ونشر الإرهاب في المنطقة كلها شواهد تشير إلى أن المنطقة تدفع باتجاه عين العاصفة. نعم إن المخطط يطبخ على نار هادئة ولن يوقف ذلك المخطط إلا الحكماء من قادة ومثقفي ورجال أعمال وعلماء هذه الأمة وإدراك شبابها ووعيهم بأن المصلحة العليا للأمة أكبر من أي مصلحة شخصية أواجتهادات فردية تُشتت الجهد وتعزز من قدرات الأعداء على اختراق الجبهة الداخلية. إن الشقاق والتنافس غير الشريف والخروج عن النظام واعتناق الإرهاب وسيلة أو غاية سواء كان ذلك عملياً أو نظرياً، كل ذلك يصب في خانة مؤازرة وتحقيق ما ينشده الأعداء من تفكك للجبهة الداخلية وبعثرة جهود الأمة. نعم إن من أهم الأولويات التي يجب أن نعمل لتحقيقها هو تقوية الجبهة الداخلية وتعزيز القدرات الدفاعية خصوصاً في ضوء المستجدات التي تتمثل في الاتجاه إلى الاخلال بميزان القوى في المنطقة. كما أن الحيلولة دون حدوث حرب أهلية في العراق والعمل على تقليص نفوذ إيران في العراق ومنع انتشاره وتسريع انسحاب القوات الأجنبية منه أهداف يجب أن تكون لها أولوية قصوى لدى الدول المجاورة للعراق خصوصاً أن ما يحدث في العراق من تآمر وقتل وتدمير للبنى التحتية وتصفية لرجالات العراق وعلمائه وشبابه، ناهيك أن وصول أشخاص مثل جبر صولاغ إلى مراكز قيادية مهمة جداً مثل وزارة الداخلية كل ذلك يخدم المخطط المشبوه الذي يعد لمستقبل المنطقة ككل وليس العراق فقط والذي يصب في المقام الأول في مصلحة الدولة الصهيونية ومن يقف خلفها من القوى الاستعمارية التي كشرت عن أنيابها ولم يصبح هناك أي مجال لاحتمال حسن النية لما يحدث أوما سوف يحدث. نعم علينا أن نسمي الأشياء بأسمائها وألا نجامل في سبيل المصلحة العليا للوطن والأمة. والله المستعان. [email protected]