تشعر الشابة الفلسطينية نوال بمشاعر غريبة حين تستقر يدها التي اعتادت التنقل بالريموت كونترول بين محطة وأخرى، على الفضائية الأردنية، تقول:"ما إن أصل بالريموت إلى الفضائية الأردنية حتى أستعيد شريط ذكرياتي في سنوات الطفولة والمراهقة. اذ تربيت على برامج التلفزيون الأردني، وعلى مذيعيه الذين لم أعد أرى أياً منهم الآن، خصوصاً أذكر مذيعي النشرات الإخبارية كغالب الحديدي وسوسن تفاحة وعفاف قضماني". وتضيف:"كان التلفزيون الأردني مصدر أفلام الكرتون في الطفولة، والأفلام العربية والمسلسلات المصرية في الصبا، وكذلك برامج المنوعات، التي تميز بها في فترة الثمانينات... كما كانت نشرات الأخبار التي تبث عبره بمثابة قرار بمنع التجول، يصدره والدي، لكل من يتواجد في المنزل، لئلا نشوش عليه، فيفوته خبر من هنا أو هناك. وتتحدث نوال عن تأثير هذه الشاشة:"كنا نعيش متعة كبيرة مع الكثير من المسلسلات البدوية، التي افتقدتها لسنوات، قبل أن تعود في السنوات الأخيرة، على رأسها"راس غليص"الذي قدم في سبعينات القرن الماضي على التلفزيون الأردني، وكان يحظى بمشاهدة عالية، وأعيد في رمضان الماضي، بنسخة جديدة شارك فيها علاوة على النجم السوري رشيد عساف ومواطنته مرح جبر، مجموعة من نجوم الدراما الأردنية الذين عشنا معهم، وكأنهم من أفراد أسرتنا، مثل زهير النوباني ونبيل المشيني ونادرة عمران وناريمان عبدالكريم. وليست نوال وحدها من يشعر بهذه العلاقة المميزة مع شاشة التلفزيون الأردني، الذي كان التلفزيون الأكثر انتشاراً في فلسطين، خصوصاً في مدن الضفة الغربية. لكن هذا الانتشار سرعان ما راح يخبو مطلع القرن الحالي، وتحديداً مع نهاية العام 2000، حيث بدأ الانتشار الطاغي للفضائيات، والذي لم يمنع إلى الآن، تلك العلاقة الحميمة بين المواطن الفلسطيني والتلفزيون الأردني. ذلك أن بعض الفلسطينيين، لا سيما كبار السن يرفضون التعاطي مع الكثير من القنوات الفضائية، ويفضلون الشاشة التي اعتادوا عليها. وهذا ما يؤكده محمد الأعرج، وهو مدرس متقاعد، حين يقول:"العلاقة الحميمة التي بنيت بين الشارع الفلسطيني والتلفزيون الأردني، لم تتأثر كثيراً بانتشار الفضائيات، خصوصاً عند الجيل الذي انتمي إليه. فنحن لا نتابع برامج الفضائيات، باستثناء بعض النشرات الإخبارية، والتي تتميز بتغطيتها المحترفة، مثل"الجزيرة"وپ"العربية"وپ"أبو ظبي". أما في غير أوقات نشرات الأخبار، فأفضل التلفزيون الأردني، ولي أصدقاء كثر يفضلونه، خصوصاً أولئك الذين لم يقتنعوا أو يرغبوا بالاستغناء عن القنوات الأرضية، واستبدالها بپ"الدش"، كما فعلت، وهم كثر، خصوصاً في الريف الفلسطيني، ومن هم في العقد الخامس أو السادس من أعمارهم". ولعل بعض الأرقام المثبتة على مدار سنوات، عبر إحصاءات فلسطينية رسمية، وأخرى لمراكز بحوث ودراسات، تظهر الشعبية الكبيرة التي يحظى بها التلفزيون الأردني، الذي بدأ إرساله في نيسان أبريل 1968، أي بعد عشر سنوات على انطلاق الإذاعة الأردنية من رام الله في الضفة الغربية. ففي استطلاع لمركز البحوث والدراسات الفلسطينية في العام 1996، كانت نسبة مشاهدة التلفزيون الأردني في الأراضي الفلسطينية تتفوق على المحطات التلفزيونية المحلية. وساهم إمكان التقاط بث التلفزيون الأردني في الأراضي الفلسطينية، من دون كوابل أو صحون لاقطة، في هذا الانتشار الكبير، خصوصاً أن التلفزيونات الأخرى مثل"المصرية"وپ"السورية"، كانت موسمية"البث الواضح". ومع قيام السلطة الوطنية الفلسطينية، وإنشاء المحطة الأرضية للتلفزيون الفلسطيني، بدأت تتراجع نسبة مشاهدي التلفزيون الأردني، وإن بقيت الأكبر، حتى اللحظة، بين سواها من القنوات الأرضية. إلا أن الضربة القاضية لشعبية التلفزيون الأردني الجارفة في الأراضي الفلسطينية، كانت في انتشار الفضائيات وتأسيس القنوات الإخبارية المتخصصة التي تفوقت في مجال رصد الحدث الفلسطيني وتحليله. كما أن الشباب الفلسطيني ينحاز، إضافة الى القنوات الإخبارية، إلى القنوات اللبنانية التي تبث برامج الهواة وتلفزيون الواقع، وإلى القنوات الغنائية. وبالنسبة الى الأطفال لم يعد التلفزيون الأردني مصدراً لتزويدهم بما هو جديد وممتع في الرسوم المتحركة، خصوصاً مع وجود عدد من القنوات العربية المتخصصة في بث أفلام"الكرتون". أياً يكن الامر، تحظى بعض البرامج التي تبث عبر الفضائية الأردنية، هذه الأيام، بشعبية كبيرة في الأراضي الفلسطينية، وعلى رأسها برنامج"يسعد صباحك"، والذي يبث صباح كل يوم جمعة، تليها المسلسلات الدرامية العربية.